مجلة البعث الأسبوعية

العبوة تحمي وتحفظ وتسوّق.. حجم سوق التعبئة والتغليف يزيد على 100 مليار ليرة

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار

تتسابق الشركات على إنتاج العبوات ووسائل التغليف بتصاميم احترافية ومبتكرة، وذلك لكونها واحدة من سمات الهوية البصرية للسلعة وللمنشأة بشكل عام، وهو أمر ما زال الاهتمام به ضعيفاً في السوق المحلية، قياساً بما يصرفه المنتجون، حول العالم، على تطوير عمليات التعبئة والتغليف، ومن جوانبها كافة..

ومن خلال معاينة قامت بها “البعث الأسبوعية” لعدد واسع من العبوات في الأسواق المحلية وفي مهرجانات التسوق، وآخرها معرض “صنع في سورية” التصديري التخصصي للألبسة ومستلزمات الإنتاج – ربيع وصيف 2021، قبل أيام، يتبين مدى الاختلاف الكبير، والذي يصل إلى حد التناقض، بين تصاميم العبوات للشركات المختلفة، فضلاً عن عدم الانسجام بين منتجات وأصناف الشركة ذاتها في بعض الأحيان.. !

 

آلات ومطابع

يعرض عدد كبير من الشركات عبر صفحاتها على “فيسبوك” خدمات تصميم وإنتاج العبوات، وربما بمستوى محترف وراق، سواء من حيث الطباعة أم الألوان أم المادة الداخلة في تركيب العبوة (كرتون، بلاستيك، سيلوفان، خشب، صفيح..)، في الوقت الذي تبيع فيه شركات أخرى آلات التعبئة والتغليف، فهناك آلات لتعبئة السكر والرز والبقوليات، وأخرى للحمص وهلام الثوم ورب البندورة والمواد الغذائية الأخرى، وثالثة للحليب والعصائر والمياه الغازية، ورابعة للبسكويت والشوكولا ورقائق البطاطا والفوشار وغيرها..

ويلاحظ أن جزءاً لا بأس به من هذه الآلات مصنع أو مجمع محلياً، وأسعارها – بطبيعة الحال – أقل من نظيرتها المستوردة، وإن كانت الأسعار المرتفعة هي السمة المشتركة بينهما.. وازدادت في أسواق دمشق مؤخراً أعداد المنشآت التي تعنى بتعبئة المواد الغذائية ضمن عبوات وأحجام مختلفة تتناسب والاحتياجات الفردية والعائلية، حيث حرصت على تنوع هذه العبوات وفقاً لطبيعة السلع المعبأة ولأذواق الزبائن، مع مراعاة العبوات المنافسة.

 

50% من سعر المبيع

يؤكد الصناعي عاطف طيفور على أهمية العبوة لتسويق المنتجات، بدليل أن تكلفتها تتجاوز في بعض الأحيان 50 بالمئة من تكلفة سعر المبيع النهائي للسلعة، حيث يتوقف ذلك على طبيعة وخصوصية الأخيرة، فتغليف المجوهرات والهدايا الثمينة مثلاً يختلف عن تغليف المواد الاستهلاكية اليومية، كما يختلف في حال المواد القابلة للكسر أو التلف، وبالتالي يرتبط شكل وحجم العبوة وتكلفتها بالسلعة نفسها..

وتظهر مشكلة تردي مستوى التعبئة والتغليف لدى القطاع العام أكثر منها لدى نظيره الخاص، وفقاً لطيفور، الذي يأسف لعدم اهتمام الأول بالتغليف والعبوات بالرغم من جودة منتجاته، ويضرب مثالاً على ذلك حيث كانت شركته تشتري القطن الطبي من إحدى شركات القطاع العام معبأ في كيس من النايلون، ولما كان الهدف هو تصدير هذا المنتج، فإنه لا بد من إعادة تعبئته في عبوات جديدة، وهو ما كان يحصل فعلياً، إذ تقوم الشركة بإنتاج عبوات جديدة وفق تصاميم مميزة تجذب انتباه المستهلكين في الأسواق المستهدفة بالتسويق..

ويضرب طيفور مثالاً آخر لشركة عامة كانت تصدر القطن في شوالات من الخيش، مع وضع ورقة صغيرة داخل الشوال تشير إلى اسمها وإلى بعض المواصفات، ما يعني أن القطن يصبح عرضة للتلف والرطوبة والتلوث، فضلاً عن عدم قبوله في الأسواق المصدر إليها، علماً بأن جودته كانت تضاهي أفضل الأقطان حول العالم، خاصة لجهة طول التيلة والشعيرات والاستطالة وغيرها..

 

تسويقاً وتمييزاً..

يقول رجل الأعمال سامر رباطة، الذي يمتلك علامة تجارية رجالية معروفة في السوق المحلية وبعض الأسواق الخارجية، إن للعبوة وظائف كثيرة، وهي لا تقتصر على الجانب التسويقي، بل تتعداه لتصبح هوية للسلعة تستطيع الشركة المنتجة من خلالها تمييز منتج عن آخر، وصنف عن بقية الأصناف، فمثلاً قد تتدرج العبوات، وفقاً لجودتها وسعرها، اعتماداً على الألوان (ذهبي، فضي، برونزي..)، أو وفقا لصورة أو ختم أو شارة على العبوة، فضلاً عن التدرج التقليدي في المقاسات (XXL. XL. L. M. S)، وهكذا تؤدي العبوة دوراً مختلفاً في كل تصميم من هذه التصاميم.

ويضيف رباطة بأنه، ومن خلال التجارب التسويقية المختلفة، كثيراً ما كانت العبوة عامل جذب أو عدم قبول لدى المستهلكين، خاصة عندما تشترى السلعة لتقدم كهدية، وهو أمر ملحوظ عند فئة الشباب بشكل كبير، لذا تركز الشركات على هذا الجانب إلى الحد الذي أصبح بعضها ينتج سلعا خاصة بالهدايا والمناسبات، وتزيد على ذلك بأن تضع هدية خفيفة أو رمزية ليست من إنتاجها لتباع مع السلعة نفسها.

 

تراجع الطلب وحجم السوق

لم تكن خدماتنا قبل الأزمة تتوقف عند حدود الطلب المحلي، بل كنا نلبي طلبيات خارجية لأسواق المغرب وليبيا والسودان والعراق والأردن، لكن الطلب تراجع خلال سنوات الحرب نتيجة إغلاق المصانع والورش، وقلة المعروض من السلع الاستهلاكية بنسبة 60 بالمئة.. يقول المهندس صالح صالح مدير إحدى أهم الشركات العاملة في صناعة التعبئة والتغليف.

ويقدر صالح، الذي تعمل شركته في السوق منذ عام 1970، حجم السوق الكلي بنحو 100 مليار ليرة سورية، وعدد المنشآت الكبيرة، التي تشغّل 150 – 200 عامل، بنحو 20 – 25 منشأة، إلى جانب منشآت متوسطة (50 – 60 عاملاً) وصغيرة (أقل من 20 عاملاً).

 

وهذه الاعتبارات..

وتخضع جودة العبوات لعديد الاعتبارات كحجم المنتج ومراحل الإنتاج والمزايا الفنية المتعلقة بالطباعة اللامعة أو النافرة أو الغائرة أو المسلفنة، وهكذا.. وغالباً ما توضع المنتجات الرخيصة في عبوات قليلة التكلفة، وتصنف عبوات الأدوية والمواد الطبية في هذه الخانة، حيث تشكل تكاليفها – وفقاً لصالح – بين خمسة إلى ستة بالمئة من قيمة المنتج، ثم تأتي المواد الغذائية والاستهلاكية في مستوى أعلى، فالمنظفات ومواد التجميل، فيما تشكل المنتجات الكمالية والسلع الفاخرة والمجوهرات والهدايا والعطور الأعلى تكلفة.

وتطورت في سنوات ما قبل الأزمة صناعة التعبئة والتغليف على نحو لافت، سواء ما يتعلق بتقنيات الإنتاج أم التصاميم المبتكرة أم إبداع أشكال وأحجام مختلفة تحاكي الجديد في الفن والرياضة والاتصالات، سيما ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي منها، إذ أخذ المصممون يبتكرون عبوات تراعي في تصميمها وشكلها المشاهير والنجوم في مختلف المجالات، خاصة المنتجات الموجهة للنساء والأطفال.

 

تعبئة المواد الغذائية

ويقول ياسر العقاد، المدير العام لإحدى شركات تعبئة المنتجات الغذائية، إن التوسع في صناعة التعبئة والتغليف بدأ منذ عام 2009، حيث كان بيع المواد دون تغليف “الفرط” هو السائد، لأن المستهلكين اعتادوا طيلة عقود على مثل هذا النوع من البيع، كأن يباع السكر في كيس زنة 50 كغ، أو الرز زنة 25 أو 10 كغ، ثم أخذت الفكرة تتوسع شيئاً فشيئاً، فبدأت الشركة تبيع مواد السكر والرز والشاي بعبوات محددة، ثم امتد النشاط ليشمل البقوليات وغيرها من المواد الغذائية.

 

الصناعة.. عالمياً

وتتوسع صناعة التعبئة والتغليف حول العالم على نحو لافت، إذ يزيد حجم السوق العالمية في هذه الصناعة على 900 مليار دولار، فيما تحقق نمواً سنوياً بنحو ستة بالمئة، وتشير إحدى الدراسات إن حوالى 95% من مديري التسويق الذين يعينون مستشارين للتصميم يخصصون نحو 40% من ميزانية التسويق لتصميم التغليف، ويقترح فيليب كوتلر “أبو التسويق” نتيجة للأهمية الكبيرة للتغليف، أن ينظر إليه على أنه عنصر خامس يضاف لعناصر المزيج التسويقي الأربعة المعروفة: المنتج، السعر، التوزيع، الترويج، حيث يتوقف نجاح بعض الأنشطة كالإعلانات والأبحاث التسويقية على العبوة وغلافها.

وتبين الدراسات التي أجريت على العملية الشرائية أن المستهلك نادراً ما يعرف المنتج الذي سيقع عليه اختياره قبل الدخول إلى نقطة الشراء، وبالتالي يأتي دور التعبئة والتغليف كأحد العوامل المؤثرة في قرار الشراء لدى المستهلك، فالعبوة – كما يقال تسويقياً – تحمي وتحفظ وتسوق.