دراساتصحيفة البعث

ألمانيا وأوروبا في حقبة ما بعد ميركل

عناية ناصر

بعد تأجيلان، أكمل حزب المستشارة أنجيلا ميركل الاتحاد الديمقراطي المسيحي تغيير القيادة بطريقة ألمانية للغاية، فبعد جولتين من التصويت، تم انتخاب أرمين لاشيت، الذي يشبه أسلوبه السياسي أسلوب ميركل، زعيماً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، مايعني أن تغيير قيادة أكبر حزب في ألمانيا يعكس الوضع الحالي للسياسة الألمانية.

تم وضع اثنين من المنافسين الرئيسيين، وهما رجل الأعمال المحافظ فريدريش ميرتس، ولاشيت، بعلامات مميزة قبل الانتخابات. ميرتس، رجل الأعمال لفترة طويلة يُلقب بـ دونالد ترامب الألماني، وهو يمثل أولئك غير الراضين عن الوضع الراهن في الاتحاد الديمقراطي المسيحي. أما لاشيت فكان من الموالين لـ ميركل ويتمتع بخبرة سياسية غنية في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الألماني والحكومة المحلية.

نجاح ميرتس كان يعني التخلص من نفوذ ميركل والتخلي عن الوضع الراهن، وفي المقابل، فإن اختيار لاشيت يعني التمسك بالمسار الحالي، أي إبقاء حقبة ما بعد ميركل تحت تأثيرها. ليس من المستغرب أن يكون ميرتس مفضلاً من قبل المحافظين والشباب في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بينما لاشيت مدعوم من قبل قيادة الحزب والوسطيين، نظراً لأنها كانت منافسة ضيقة بين ميرتس ولاشيت، بحيث لا يمكن تفسير النتيجة ببساطة على أنها انتصار الوسطيين وحلفاء ميركل.

في مواجهة الوضع السياسي الداخلي المعقد وضغوط الانتخابات البرلمانية هذا العام ، يعد انتخاب لاشيت علامة على أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يحافظ وبقوة على توازن مختلف أجنحة الحزب، أكثر من كونه علامة على الاستمرار في مسار ميركل بشكل استباقي.

هناك تطور سياسي مستمر في ألمانيا، فداخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، يريد ميرتس الاستمرار في تصفية المركزية التي تمثلها ميركل، خاصةً أن صعود حزب الخضر، الذي يتمتع بشعبية أكبر بين الشباب، فرض تحدياً خارجياً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وعلى الرغم من أن فوز لاشيت يمكن أن يحافظ مؤقتاً على التوازن داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إلا أنه لا يستطيع إيقاف التيارات المتشددة في ظل السياسة الألمانية التي تبدو هادئة.

جذب التغيير في قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الانتباه لأنه مرتبط بشكل مباشر بالانتخابات البرلمانية الألمانية هذا العام، فحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يتمتع بميزة ساحقة مقارنة بالأحزاب الأخرى ومن المرجح أن يفوز في الانتخابات، الأمر الذي سيجعل زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي خليفة لـ ميركل.

ومع ذلك، فإن الوضع السياسي الحالي في ألمانيا أكثر تعقيداً مما يبدو، إذ  يمكن أن يفوز لاشيت في الاتحاد الديمقراطي المسيحي بمساعدة ميركل، ولكن سيتعين عليه أيضاً التعامل مع حقيقة أن شعبية ميركل تتحول تلقائياً إلى رصيده الخاص. وقد يواجه الاتحاد الديمقراطي المسيحي موقفين صعبين في الانتخابات البرلمانية: أولاً، إذا أراد زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ماركوس سودر الانضمام إلى سباق المستشارية، فقد يؤدي ذلك إلى القطيعة بين الحزبين الشقيقين – الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي. ثانياً، حتى لو نجح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في إيصال مرشحه لمنصب المستشار ، فسيتعين عليه البحث عن حلفاء من الأحزاب الأخرى.

في مواجهة مثل هذه التحديات السياسية، من الصعب القول ما إذا كان لاشيت سيتبع خطى ميركل لأنه سيتعين عليه الحفاظ على علاقة جيدة مع الأحزاب المختلفة وتجاهل بعض الاختلافات من أجل الفوز في الانتخابات.

بدأت نهاية عهد ميركل بانتخاب خليفتها، حيث قدم التغيير أيضاً نسخة ألمانية من الحل للتغييرات السياسية الجذرية في أوروبا على الرغم من أن السؤال حول المدة التي سيكون خلالها الحل فعالاً.

يُظهر الحل الألماني أن طريقة التعامل مع الاستقطاب السياسي وتغيير القيادة لا تقتصر على تقسيم اليسار واليمين أو البدء من جديد. أسلوب ميركل، التي تتمتع بنفوذ شخصي كبير، سيتلاشى تدريجياً من الجبهة السياسية، وسيكون من الصعب على الاتحاد الديمقراطي المسيحي اختيار خليفة له نفس التأثير. وهكذا ، لاشيت هو أشبه بالحارس وليس قائد الدفة، لذلك تحتاج أوروبا إلى الاستعداد للعواقب غير المستقرة التي ستحدث بسبب التغيرات السياسية في ألمانيا. ومن الآن فصاعداً، تحتاج أوروبا إلى التكيف تدريجياً مع الوضع الطبيعي الجديد المتمثل في أن ميركل لم تعد وجه السياسة الألمانية.