ثقافةصحيفة البعث

عبد الكريم فرج.. وداعاً

“يرسمُ البعض الشمس على شكل كرة صفراء، بينما يجعل البعض الآخر من الكرة الصفراء شمساً”، ربما كنت تعرف أي شمس تقصدها حتى نراك، الفنان المعلم عبد الكريم فرج صاحب الخبرة الطويلة والأستاذ للعشرات بل المئات من الفنانين السوريين الذين اشتغلوا في ميدان الفن الصعب الذي يعتمد حساسية الحمض وأثره على المعدن، وقبله تلك الخطوط والتهشيرات التي تكسو سطح العالم المتدرّج من العتمة إلى الضوء، مساحات تجاور أخرى مرّت عليها حواس الفنان الحفار باحثة عن يقين يرتاح من أسئلة الوجود وحيادية العدم.

في الأعوام الأولى لهذه الألفية التقينا بمعية الصديق الراحل الناقد عبد العزيز علون في ملتقى الدار للثقافة والفنون الذي أقامه الراحل محمود دعدوش، كنت تتحدث عن لوحة “الميدوزا” وسيرة التحولات الكبرى في تاريخ الفن العالمي، بينما علون يأخذنا إلى صفحات كتابه الجديد حول فترة الستينيات التي اعتبرها منعطف التشكيل السوري وإنتاج الحداثة التشكيلية السورية، توفي عبد العزيز علون وبقي الكتاب مفتوحاً أمام هذا الجيل، وبعد أكثر من خمس عشرة سنة أعدت في حديث بيننا الملاحظات نفسها حول “الميدوزا” تلك اللوحة العظيمة وأهميتها في تاريخ الفن.

ما هذا الطوف الذي تقف البشرية عليه في خضم العاصفة؟ وهل ستكون نهايته في قاع البحر؟ أم أنه لابد من تأليف الأمل ورسم البر في خط الأفق، حيث تعلو الكرة الصفراء التي نجعلها شمساً دافئة؟!..

حمل الفنان الراحل عبد الكريم فرج روحية الفن والبحث، لينتقل بعد سنوات إلى بولونيا حاصلاً على شهادته العليا في تاريخ الفن ويكلّل بأعلى وسام في تلك البلاد، كان دائم الحيوية والإنتاج، انتقل من اللوحة الغرافيكية التقليدية إلى اللوحة الجديدة التي يشكّلها من قطع القماش الملون ليؤلف عالماً تصويرياً تجريدياً محكم البناء، وهي التجربة الأكثر فرادة والتي يشهد له بأنه صاحب السبق في هذه المعالجة التقنية، كما يعترف له الجميع بأنه أستاذ فن الحفر الأبرز الذي أسّس كلية الفنون في السويداء وشغل عميد كلية الفنون في دمشق، وكان مدرساً فيها وفي جامعات خاصة أخرى، هذه المحترفات الأكاديمية تفتقده، والآن بعد سبع وسبعين سنة يرتاح من الأسئلة بعد أن أشعل بين أصابع طلابه كل شموس الحب، وبادلوه الحب بحب، عبد الكريم فرج لروحك السلام.

أكسم طلاع