تحقيقاتصحيفة البعث

مشكلةٌ ترجع لأكثر من نصف قرن.. الإيجارات القديمة خصومات دائمة والحلول معلقة في تعديلات القوانين!

اضطر (عبد الرحمن. ع) أحد مواطني مدينة حماة، أن يدفع للمستأجر مبلغاً مالياً يعادل تقريباً قيمة متجره الذي أجَّره له منذ أكثر من 40 عاماً، بعد أن تمّ الاتفاق بين الطرفين على إخلاء المتجر، حاله حال أكثر من نصف أصحاب المتاجر في أسواق المدينة الذين يسري عليهم قانون الإيجار القديم الذي لا يحدّد قيمة أو مدة زمنية للمستأجر، ما يسمح للمستأجر أن يورث أبناءه “العقار الذي استأجره”!، حتى بعد وفاته. أحد مالكي المحلات التجارية أيضاً في السوق نفسه، تحدث عن معاناته المتمثلة بهروب المستأجر وعائلته إلى السويد، وإغلاق محله التجاري، وعدم قدرته على استعادته أو الحصول على إيجاره الزهيد أساساً، بانتظار الفرج.

تنظيم العلاقة
صدر المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952، والذي تمّ بموجبه تنظيم العلاقة الإيجارية بين الأطراف ككل، غير أنه أعطى المستأجر حقوقاً على حساب المالك، ما أنتج معادلة غير متوازنة لا تحقّق العدالة المطلوبة للجميع، وهذا ما أعطى المرسوم مع مرور الوقت صيتاً سيئاً، وفق ما قاله المحامي منيب هائل اليوسفي في حديثه لـ”البعث”، موضحاً أن أزمة السكن بدأت بالظهور في منتصف القرن المنصرم، ما جعل ثقافة شراء منزل مُغيَّبة عند الأغلبية. ولأن الظروف الاقتصادية في تلك الفترة كانت تسمح للموظف باستئجار منزل للزواج، ارتفعت نسبة المُستأجرين، سواء لمنزل أو حتى لعقار تجاري، ولكن ما حدث فيما بعد ومع مرور الوقت، أن المستأجر أصبح شريكاً في الملك، والنتيجة كانت ظهور مشكلات اقتصادية واجتماعية، وصلت إلى فرض شروط تجاه المستأجر نفسه، منها على سبيل المثال تهرّب المستأجر في حال امتلاكه لمنزل خاص به من تسجيله باسمه، حتى لا يضطر إلى إخلاء البيت الذي يستأجره، ولاسيما أن من بين الأسباب المُوجبة للمرسوم التشريعي الذي صدر “عدم امتلاك المستأجر لمنزل”، لأن ذلك سيحتّم عليه الإخلاء في حال وجود بيت خاص به، وترجمة ذلك قانونياً “أحقية المالك بإخلاء المستأجر من العقار المأجور لعلة التملك”، ما دفع الكثير من المستأجرين عند قيامهم بشراء عقار ما إلى تسجيله بأسماء زوجاتهم، أو التهرّب خوفاً من الإخلاء بتسجيل العقار باسم أحد الأولاد أو الإخوة، وبقي الوضع على هذا الحال، ما سبّب مشكلات متعدّدة بين الأطراف بسبب المرسوم آنف الذكر، وعدم قدرة المّشرع على إيجاد حلول، رغم إجراء بعض التعديلات البسيطة، والتي بقيت لمصلحة المستأجر حتى صدور المرسوم التشريعي رقم 6 تاريخ 15/2/2001 الذي أخضع العلاقة الإيجارية لقانون “إرادة المتعاقدين” -مستثنياً بعض العقارات المُؤجرة للدولة والأحزاب- وآلية التخمين وكيفية حدوثها، أي تخمين القيمة الإيجارية زيادةً أو نقصاناً، كل ثلاث سنوات وبنسب محدّدة، وبمعنى أدقّ وعلى سبيل المثال “تبقى العقارات المؤجرة في ظل نفاذ أحكام هذا القانون رقم 111 لعام 1952م خاضعة لأحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل إيجار”، ما يعني أنه لم يحلّ المشكلة، من مبدأ القديم يبقى على قِدَمه!.
وهنا يوضح اليوسفي أن المرسوم رقم 111 أعطى نافذة للأشخاص الذين قاموا بتأجير عقارهم الخاضع للتمديد الحكمي قبل صدور المرسوم، أعطى المرسوم نافذة أمل بإنهاء العلاقة الإيجارية بين الطرفين من خلال منح مبلغ مالي تحدّده “الخبرة” ومعرفة القيمة الحقيقية للعقار وإعطاء المستأجر 40% من قيمته مقابل الإخلاء، مضيفاً أن تقدير القيمة يخضع لخبرة أحادية، يختارها الطرفان، أو تحدّدها المحكمة في حال لم يتفق الطرفان على خبير، حيث يقوم “بأخذ القوة الشرائية مكان العقار اتجاهاته ومساحته” ليُقدّم بعد ذلك تقريره، فإذا كانت قيمة هذا العقار على سبيل المثال 100 مليون، يتوجب على المالك دفع 40% للمستأجر!!.
تلاعب ورشوة الخبرة

وبرأي اليوسفي أن تقدير قيمة العقار عن طريق الخبرة، قد يفتح أحياناً باباً جديداً للصراع بين الطرفين، ما قد يجعل أحد الطرفين يلجأ لشراء الخبرة!!، وبمعنى أدق “رشوته”، مضيفاً: بإمكان الطرفين اللجوء إلى الخبرة الثلاثية في حال عدم اقتناعهم بالتقرير المُقدّم، عوضاً عن اللجوء إلى الخبير الأحادي، ولعدم امتلاك المحكمة خبرة بتقييم العقار، ولأنها ستأخذ بتقرير الخبرة المُقدّم من قبل الخبير “المهندس”، فإن ما قد يحدث لاحقاً أن كل طرف، وكما يقال بالعامية “سيسحب اللحاف لجهته”، ويحدث التناحر بين الطرفين، فمن مصلحة المالك أن يُخفض قيمة العقار لأنه سيدفع 40% للمستأجر، ومن مصلحة المستأجر أن يرفع من قيمة العقار ليزيد من المبلغ الذي سيحصل عليه من المالك، ما قد ينتج عنه لاحقاً “رشوة الخبراء”!!، لأنه من غير المنطقي تقييم عقار بـ100 مليون، وعقار آخر ملاصق تماماً يتمّ تقييمه بخبرة أقل بكثير!!.

تعديلات على القانون
في عام 2015 أُدخلت بعض التعديلات على القانون رقم 6، ومن وجهة نظر اليوسفي أنَّ المّشرّع يحاول من خلال تلك التعديلات، وبشكل تدريجي حفظ حقوق الأطراف بشكل لا يسبّب ظلماً لأحد، لأننا لا يمكن أن نطلب بلحظة معينة من المستأجر الذي لا يملك منزلاً أن يخلي العقار فجأةً، ونرمي به في الشارع، أيضاً يجب أن نأخذ بالحسبان الارتفاع الفلكي لأسعار العقارات التي لا تتناسب البتة مع الدخل ومع الحياة المعيشية، وإذا ما أخذنا تصنيفاً دقيقاً جداً لشريحة واسعة من المواطنين ستكون النتيجة عدم قدرة الكثيرين على مجرد التفكير بشراء منزل مساحته 60 متراً، إضافةً إلى أننا إذا أخذنا سعر العقارات في مدينتي دمشق وحلب، سنراها الأعلى على مستوى العالم، لذلك فإنَّ مراحل تطور العلاقة الإيجارية، وإيجاد بيئة قانونية لا يمكن أن تتمّ إلاَّ على فترات وضمن مرحلة تدريجية، لنتمكن من حفظ الحقوق، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القانون رقم 6 أعطى المستأجر مدة سنتين، بدأت منذ تاريخ صدوره ليتمكّن من تدبير وضعه.

موضوع قانون الإيجار والتعديلات التي أُدخلت عليه، ليس بالموضوع الجديد، وتمّ تسليط الضوء عليه في فترات سابقة، ولكنه يبقى موضوعاً شائكاً، يؤرّق كاهل المالك والمستأجر، لذلك يتوجب العمل على هذا الملف، وإعادة هيكلته بما لا يضرّ بالبسطاء من المستأجرين والملاك، بهدف تحقيق العلاقة المتوازنة بين الطرفين، في ظل آلاف الشكاوى المقدّمة من قبل ملاك العقارات خاصةً القديمة منها، ولا شك أن الحكومة عملت من خلال المؤسّسة العامة للإسكان ومن خلال مشاريع الجمعيات السكنية على إيجاد حلول لمشكلة السكن التي تزداد تعقيداً، خاصةً وأن الغاية من إنشاء الجمعيات هي مساعدة ذوي الدخل المحدود، ولكن ما حدث لاحقاً أن تجار العقارات “بلعوا كما يقال الجمعيات” التي من ضمن شروط التملك فيها عدم الاستفادة من مسكن آخر، ولكن حصل العكس من خلال قيام العضو المكتتب بتحقيق مصلحته الشخصية وتسجيل أسماء أولاده وزوجته، والنتيجة كانت عدم تقديم المنفعة لمن يستحقها!!.
إذن.. إيجاد قانون إيجار مناسب لطبيعة الحياة الحالية، وتعديل قانون الإيجار القديم لرفع الظلم عن عدد كبير من الملاك، الذين حُكم عليهم بالفقر مع مرور الزمن، بسبب توريث “أملاكهم”، سواء أكان العقار للسكن أم للتجارة، للمستأجرين دون وضع قواعد تراعي زيادة هذه القيمة الإيجارية مع معدلات التضخم وزيادة الأسعار، هو ما نحن بحاجة له اليوم.

لينا عدرة