مجلة البعث الأسبوعية

الخطيئة الفنية.. آن الأوان ليكون السبق والريادة لسورية في توطين الرسوم المتحركة

“البعث الأسبوعية” ــ رامز حاج حسين

في الأثر عن السيد المسيح أنه قال للذين أرادوا معاقبة مريم المجدلية: “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”.

هناك فرق شاسع بين النقد البنّاء الذي يفضي بصاحبه “الناقد”، والموضوع، أو الشخص المنتقد، إلى آفاق أجمل وأوسع معرفة، وأكمل عملاً وبناءً، وبين التجريح والتهكم والهجوم الكيدي على المنتقد؛ ففي العديد من مفاصل حياتنا الإبداعية، في الكتابة والفن، يتعرض الكثير منا إلى هجوم غير مدروس وغير منهجي، وفقط لمجرد إبداء النقد لأجل البروز على حساب الموضوعية؛ ولو أن كلاً منا انشغل بهمه ومشروعه، وتبارى مع غيره في إبراز تفوقه، لكان هناك مهرجان من المتميزين المنشغلين عن رجم بعضهم بالحجارة بما بين أيديهم من أدب وفن، ولكانت الحركة الثقافية الفنية زاخرة بالعطاءات؛ والخطيئة الفنية هنا – برأيي – هي أن نترك العمل ونكتفي بنقد الآخر.. النقد ما لم يكن مرهوناً بمقابل مقنع، وبأسس تعليمية، يكون مجرد خواء وكلام في الفراغ.

 

نواقيس الخطر الصدئة

في وقت الملمات، كان هناك ناقوس يوضع في أعلى مكان في المدينة، أو على قمة جبل قريب، ويقوم عليه عدة حراس أشداء، وفي حال الخطر يضرب هذا الناقوس أن ثمة معضلة، فيا أهل المدينة انتبهوا وتحصنوا واستعدوا!!

ناقوس خطر ضياع الهوية البصرية لفن الطفل وبقائها في دوامة التجربة الفردية قائم منذ فترة ليست بقليلة. ضربنا ناقوسه يوم وفاة ممتاز البحرة ونذير نبعة وغسان السباعي وأمجد الغازي وطه الخالدي، والعديد العديد من الأسماء المهمة التي عبرت في “أسامة”.

“أسامة” التي كان على عاتقها، وضمن إمكاناتها المتواضعة، وبهمة كادرها العالية، إقامة معارض خجولة لهذه القامات العملاقة، وكان الأثر لدى الناس كبيراً، فكم من زائر يأتي لتصوير لوحات الرعيل المؤسس، والاحتفاظ بها في أرشيفه الخاص، فتتناثر الموهبة وتاريخها كقطع قالب الحلوى.. لكل محب قطعة، وتطيش فسيفسائها في المدى.

 

ورشة العمل المركزية

آن أوان قيام المعهد العالي لفن الكاريكاتير، والمعهد العالي لفن الرسوم المتحركة، والمعهد العالي لفن اللوحة الطفلية، والمعهد العالي لأدب الأطفال وكتابة السيناريو.

آن الأوان ليكون السبق والريادة لسورية في توطين الرسوم المتحركة، والعمل على إرسال أصحاب الاختصاص إلى بلدان العالم المتقدمة في هذا المجال، والدعوة لأصحاب الاختصاصات من أنحاء العالم لزيارة الورشة المفتوحة في المراكز الثقافية والمعاهد الفنية في سورية، لتناقح الأفكار، وتبادل الخطط، والنهوض بفن الرسم بكل صنوفه المتعلقة بالرسم التوضيحي، والرسم الموجه للطفل، ورسم الكاريكاتير.

 

جامعة قنا المصرية

في العام 1999، أرسلتنا جامعة دمشق – كلية الفنون الجميلة بإيفاد طلابي بقيادة الفنانين فؤاد طوبال ونهال نفوري إلى مصر العربية – جامعة قنا – جنوب الوادي. ما لفتني هناك أن قسم الغرافيك – شعبة الرسوم المتحركة كان نشطاً بشكل كبير، ويخرّج كل عام مجموعة من المتختصصين في صناعة فن الرسوم المتحركة الكرتونية، من كاتب السيناريو حتى مخرج الفيلم؛ وكانوا كخلية نحل، حركة دؤوبة، وقت تنفيذ المشاريع، حلقة بحث وورشة عمل دائمة الانعقاد للإتيان بكل ماهو مميز وجديد.

كليات الفنون الجميلة في سورية يجب أن تنتهج نهجاً ثورياً، ومن خلفها المعاهد الفنية، للسير في درب تطوير هذا الفن وافتتاح الأقسام وتدريس المناهج الحديثة فيه.

 

عود على بدء

في الأمس القريب، أغلق مهرجان سورية السابع عشر للكاريكاتور أبوابه في دورة استثنائية تحت عباءة راعي حروف العشق، شاعرنا الكبير نزار قباني؛ ولخصوصية حضور اسم هذا الشاعر الجميل، كان هناك العديد من اللوحات الإبداعية التي غردت بطريقة فنية جزلة خارج سرب المألوف.

المعرض بحد ذاته، ولكل من يعرف الكواليس، هو مجهود فردي محمود للفنان رائد خليل، من تنظيمه وحتى تعليق اللوحات على جدران المعرض. هذا الجهد الاستثنائي الدؤوب المثمر كل عام، علاقات ولوحات من كل أنحاء العالم، يجب أن يحتذى، ويتم دعمه وتطويره، لا أن يتم الهجوم عليه، أو التندر، أو التهكم، ولو بحرف، على صاحبه؛ فمن حقنا أن نسأل: أين نشاط الكاريكاتير السوري؟ وأين جمعيته؟ وأين تجمع فنانيه، والذين هم جميعاً بحق تجارب فردية متميزة، نابعة عن قامات تتعب على نفسها، وتجتهد للتفرد كتجارب فردية ذاتية، حاله حال وجعنا الأكبر فن اللوحة الطفلية؟

تعرض فريق “أسامة”، تحريرياً وفنياً، للعديد من الانتقادات غير المبنية على أسس، وفي منابر إعلامية كان الأحرى بها التبين والتحقق من كلام وكتابة المنتقدين.. النقد الذي كان – للأسف – ينصب في خانة الكيدية، أو ملء الصفحات بصحافة صفراء رخيصة، لتسجيل نقطة في باب النقد الفارغ؛ وانشغال فريق يعمل بالردّ على الانتقاد لن يفضي بنا إلا لضياع الوقت المثمر، وهدر الإبداع على قارعة الطرق.