دراساتصحيفة البعث

الوهابية والفجور الفقهي

هيفاء علي

تحت عنوان “دور دعاة المملكة الوهابية البترولية في تأجيج الحرب على سورية“، نشر الإعلامي الفرنسي اللبناني رينيه نبعة على موقعه الإلكتروني “المدنية” مقالاً يفضح فيه دور الوهابية السعودية في التحريض على الفتنة في سورية، وإصدار الفتاوى التي تحلّل وتجرم ما تريد من قبل دعاتها المنتشرين في كل مكان من هذا العالم.

ومن بين هؤلاء الدعاة يذكر الكاتب “عايد القرني”، الذي يحتلّ مكانة مرموقة في مؤسسة رجال الدين الوهابيين، ولديه شبكة تويتر تضمّ أكثر من اثني عشر مليون متابع، وهذا الرقم يضعه في قائمة أكبر مائة حساب على تويتر في العالم إلى جانب شيخ وهابي آخر هو “محمد العريفي”.

والقرني المولود عام 1960، هو مؤلف كتاب “لا تحزن.. ولا تيأس” الذي أثار جدلاً غير مسبوق في مملكة آل سعود بعد اتهامه من قبل الكاتبة سلوى عيدان بالسرقة الأدبية. وفي كانون الثاني 2012، وجد قضاء آل سعود أخيراً أن سلوى عيدان كانت على حق، فغرّم الداعية الوهابي بدفع 330 ألف ريال، وأصدر قراراً يقضي بمنعه من دخول البلاد.

سعى الداعية الوهابي إلى التوافق مع التوجّه الجديد لسلطة آل سعود لمصلحة الليبرالية المجتمعية من أجل محو الآثار الكارثية في الرأي العام الدولي للفتاوى التي أصدرتها هيئة العلماء في بداية الحرب على سورية، وكذلك للتغطية على تصفية الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول في 2 تشرين الأول 2018.

ومرة أخرى، تعهّد القرني بالولاء للسلطة الملكية، ونأى بنفسه بوضوح عن جماعة “الإخوان المسلمين”، مما أثار استياء أنصاره السابقين، الذين رأوا في هذا التراجع علامة على الخنوع تجاه السلطة الملكية.

تجدرُ الإشارة إلى أن الداعية الوهابي لم يسبق أن أبدى أدنى انتقاد لوجود سفارة صهيونية في تركيا، ولا للتحالف الإستراتيجي الذي يربط بين النظام التركي وكيان الاحتلال، وتجاهل بشكل كامل العدوان على اليمن، والذي يشكّل أيضاً “غزواً” لدولة من قبل دولة ثالثة، وفي هذه الحالة، من قبل تحالف من خمسة أنظمة بترولية ضد أفقر الدول العربية.

وعن الحرب على سورية يقول الكاتب إن الحرب على سورية أدّت إلى فجور فقهي هائل وغير مسبوق من قبل الدعاة الوهابيين، الذين انكبّوا على تأجيج التحريض وإصدار الفتاوى التي تكفّر الآخرين وتشرّع قتلهم. ناهيك عن إقدام رجال الدين الوهابيين على تطوير نوع من “علم اللاهوت المؤسّسي”، وهو لاهوت تكيفي يضفي صبغة دينية لإرضاء أكثر أطراف المجتمع محافظة. وهكذا دعت مملكة آل سعود بصوت أحد دعاتها إلى اغتيال إمام المسجد الأموي الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي استشهد في هجوم إرهابي في منتصف آذار 2013، وأصدروا فتاوى تقشعر لها الأبدان. وفي المغرب على سبيل المثال، هناك فتوى تجبر فتاة مراهقة مغتصبة على الزواج من مغتصبها كمكافأة للجلاد، في استعارة مأساوية للحقيقة الاستعمارية، بينما التزم الوهابيون الصمت إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، الذي يتولى أمره “أمير المؤمنين” بصفته رئيساً لهيئة الأقصى!.

ومنذ ذلك الحين ابتلي العالم العربي بفكر تكفيري تجاوز كل الحدود للنيل من الفكر التقدمي والعروبي، فعلى سبيل المثال، وصل الاغتراب العقلي للعالم العربي إلى درجة أننا نرى ليبيا الجديدة، التي حرّرها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تزيل تمثال جمال عبد الناصر وهو أول منتصر للعالم الثالث عبر تأميمه قناة السويس. وتسرع تونس، بقيادة حزب النهضة القطري الجديد، للمطالبة بإقامة زواج الراحة (زواج الميثاق)، واستضافة مظاهرة لمجد أسامة بن لادن، مؤسّس تنظيم القاعدة، آلة التدمير الذاتي الأكثر رعباً للعرب في العراق وسورية وشمال لبنان، دون إطلاق أي مفرقعة نارية رطبة على العدو الرسمي للعالم العربي، وهو الكيان الإسرائيلي.

مشيخة قطر، أخيراً، القائد العام لأوبريت حرب المرتزقة لزعزعة استقرار العالم العربي نيابة عن حماتها الأمريكيين، تتولّى بكل سرور وظيفتها كملك مستعبد وتحتضن الداعية يوسف القرضاوي، الذي أصدر العديد من الفتاوى التحريضية ضد الدولة السورية.

وأخيراً وليس آخراً، دعت مملكة آل سعود بصوت المفتي إلى تدمير الكنائس ودور العبادة المسيحية في شبه الجزيرة العربية، بدلاً من المطالبة بالإفراج عن المسجد الأقصى بالقدس، أو بدلاً من تحرير الخليج الملكي البترولي الخاضع للإشراف الغربي المكثف، الذي تجسّد من خلال إقامة عشر قواعد عسكرية للناتو، وهو أعلى تركيز عسكري أمريكي خارج الأراضي الوطنية.