مجلة البعث الأسبوعية

صورة من واقع رياضي مؤلم.. أندية محترفة شكلاً هاوية مضموناً

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

أكثر من ربع المدة أمضتها أنديتنا في الدورة الانتخابية الجديدة: إدارات جديدة دخلت الأندية بعد انتخابات ساخنة في الكثير من المواقع، وأندية أخرى استمرت بالتزكية، وأندية ثالثة جاءت بقرار!!

والحالة العامة لتوصيف الأندية تأتي في جزأين: الجزء الأول يضم الأندية التي يسيطر عليها المتنفذون والذين يحظون يرضا القيادة الرياضية فجاءت إداراتهم بالتزكية، ومثلها الأندية التي تم تغييرها لأسباب مختلفة دون انتخابات. والجزء الثاني يضم الأندية التي خاضت انتخابات مثيرة ودراماتيكية في كل فصولها، ورافق هذه الانتخابات بيانات وأوراق عمل كثيرة ووعود عديدة.

هناك من نجح وسار بالنادي، وهناك من فشل وما زال في النادي، وحتى نسبة النجاح فهي متفاوتة من ناد لآخر والأسباب في ذلك عديدة.

الاستثمار وموقع النادي ومكانه عوامل عديدة تجعل العين على هذه الأندية، لكن لم نجد عين الرقابة فاعلة في محاسبة القائمين على هذه الأندية عندما يخطئون؛ وعلى ما يبدو، هناك حصانة تمنع محاسبة البعض، ولو كانت المحاسبة جادة لما وجدنا الترهل يعم أنديتنا، كبيرها وصغيرها.

وبالمقابل، هناك أندية ريفية صغيرة مجتهدة لكنها لا تملك أدنى الإمكانيات، لذلك نجد الخريطة الرياضية مبعثرة تفتقد إلى العدالة، وليس فيها توزيع عادل للموارد المالية، ولا عناية بالألعاب التي يمكن أن ترفع الراية الوطنية في المحافل الدولية والعربية.

ومن هنا، نعتقد أن مهمة القيادة الرياضية صعبة للغاية في وضع الأندية الرياضية على الخط الصحيح، والسبب تدني مستوى الثقافة الرياضية في الأندية، وعزوف الكثير من الكوادر عن العمل، ودخول رجال الأعمال على خط الإدارة الرياضية في الأندية بغض النظر عن الخبرة الرياضية وحسن الإدارة.

 

الاختيار الخاطئ

نقطة الضعف في أغلب إدارات الأندية أنها إدارات غير محترفة وتقود عملية احترافية معقدة، وهذا الأمر يسبب هدر الكثير من المال، ومصروفات غير ملبية!! والحق هنا ضائع، ولا أحد يحاسب أو يسأل.

والثقة التي منحتها القيادة الرياضية للأندية يجب أن تكون في محلها، والقانون الذي أعطى الأندية استقلالها المالي وشخصيتها الاعتبارية يجب أن يكون مصاناً، لا عشوائياً أو افتراضياً.

والعقبة التي يلاحظها الجميع دون أن تجد الحلول المجدية، والتي تقع بها معظم الأندية، هي مشكلة التعاقد مع المدربين واللاعبين؛ وتبين لنا أن التعاقد غير مدروس وأن الشروط غير ملبية ولا تحمي النادي بقدر ما تحمي المدربين واللاعبين.

فعلى صعيد المدربين، بدل أغلب الأندية مدربيه أكثر من مرة، وهذا يدل على أن الاختيار كان بالأصل خاطئاً، وأن البدلاء لم يكونوا أفضل ممن سبقهم؛ والتغيير يكلف النادي أموالاً باهظة بين دفع مستحقات المدرب المستقيل ودفع عقد المدرب الجديد.

لذلك، فإن الاختيار الخاطئ في البداية يجر إلى عواقب وخيمة، وخصوصاً أن هذا المدرب ينتقي اللاعبين حسب فكره وأسلوبه، وقد لا تتناسب خياراته مع المدربين الآخرين.

والأندية التي غيرت مدربيها ثمانية على الشكل الآتي: “الفتوة” خمسة مدربين، “الاتحاد” أربعة مدربين، “الساحل” و”الحرية” و”حرجلة” ثلاثة مدربين، “الوثبة” و”الوحدة” و”تشرين” مدربان اثنان.

في هذه الحال، يفقد النادي البناء الصحيح لكرة القدم من خلال الاضطراب وعدم الاعتماد على مدرسة كروية ومدرب ثابت مطوّر، كما يهدر الكثير من المال جراء التغييرات المتواصلة، وبالمنحى ذاته يمكننا الحديث عن عقود الكثير من اللاعبين الذين لم يقدموا لفرقهم المستوى الذي يوازي ثمن عقودهم، وهذا العمل الإداري الخاطئ، وهذه الرؤية الاحترافية الفقيرة أدت إلى هدر الكثير من المال بلا طائل.

 

استثمارات في الظل

قبل عدة سنوات، دخل نادي النضال دوري الكبار بكرة القدم ثم خرج منه. وعند سؤالنا عن السبب قيل لنا إن “مدخرات النادي ووارداته كلها ضاعت في سبيل كرة القدم، ونحن لدينا الكثير من الألعاب والنفقات الأخرى!!”.

والأمر بصورته الظاهرة جيد، على اعتبار أن النفقات الكبيرة التي تستهلكها كرة القدم ستذهب إلى بقية الألعاب.

الأسبوع الماضي هبط النضال إلى الدرجة الثانية، ولم يحقق النتائج المطلوبة، والمثير للعجب أن مجموعته التي تضم فرق “المحافظة” و”معضمية الشام” و”العربي” و”النبك” و”الضمير” كلها دون إمكانياته، وتتمنى أن تملك نصف ما يملكه نادي النضال، باستثناء نادي محافظة دمشق.. أي بصريح العبارة، استناداً للمقومات والإمكانيات، يجب أن يكون أحد المنافسين على الصدارة، لا أن يكون الهابط الوحيد إلى الدرجة الثانية.

النادي لم ينل عنب الشام ولا بلح اليمن، فما أفلح بكرة القدم ولا بغيرها من الألعاب وبقي على هامش الرياضة، لكن إذا علمنا أن النادي يملك منشأة رياضية هي حلم لأي ناد: مساحة كبيرة، واستثمارات كثيرة وعديدة من صالات أفراح وغيرها ومسبح أولمبي ومطاعم ومقاصف، وملاعب مكشوفة مؤجرة، وملعب كرة قدم مؤجر، وغيرها!! ونسأل: ماذا تستفيد الرياضة من هذه الاستثمارات كلها إن لم تكن عوائدها بطلاً رياضياً آسيوياً أو فريقاً متوجاً ببطولة مركزية؟!

وحتى لا نظلم أحداً، فإن مثل نادي النضال أندية عديدة تعوم في نعمة المنشآت، أما الناتج الرياضي فهو صفر، فلا مال ولا أعمال ولا إنتاج رياضياً، ومن حقنا كشريك رياضي أن نمارس دورنا المفترض ليس في كشف الحقائق فقط، بل في السؤال عن الغموض الذي يكتنف هذه الأندية واستثماراتها، لذلك نقول: أين تذهب استثمارات هذه الأندية؟

 

كلام في الهواء

الكلام الذي وعدت به إدارات الأندية الجديدة لم نجده قد انصرف على أرض الواقع تطبيقاً ملموساً، فكل رؤوساء الأندية الجدد لم يغيروا من واقع أنديتهم قيد أنملة. وعلى سبيل المثال، لم نجد أن إدارة نادي الاتحاد غيّرت أي شيء إيجابي بالنادي، بل سارت عكس التيار، والدليل نتائج الفريق الأول بكرة القدم، وتمويت بقية الألعاب التي كانت مزدهرة ومتفوقة، كألعاب القوة!

ولا يعنينا موضوع التعاقد مع مدربين أجانب لكرتي القدم والسلة، لأن هذا الموضوع إن لم يجر على الفريق الخيبات فإنه سيرهق النادي مادياً في زمن العسرة و”المخمصة”.

وحتى موضوع الاستثمارات والإشغالات التي تحدثت عنها الإدارة الحالية إعلامياً، عندما كانت خارج النادي، لم نجد أنها حلّت هذه المشاكل، ولم نجد إلا كلاماً إعلامياً لا يقدم ولا يؤخر.

والكلام نفسه قد ينطبق على نادي الوحدة – إنما من زاوية أخرى – فرئيس النادي الحالي الذي لا يدع أي فرصة ليضع العثرات والعقبات في رقبة الإدارة السابقة، لم يصحح مسار هذه الأخطاء، كما يدعي؛ وعلى سبيل المثال، لم يف بوعوده عندما وعد جماهير النادي باستثمار الأماكن الفارغة فيه بمشاريع عملاقة، ولم يصحح الاستثمار القائم، وعلى صعيد النشاط الرياضي لم يحقق حتى الآن أفضل من السابقين.

والبحث عن المحترفين الأجانب لتدعيم خطوط الفريق فكرة ليست سيئة، لكن أن تأتي بلاعبين مجهولي الهوية الكروية، وتتكلف عليهم “العير والنفير” بنفقات سفر وإقامة لمدة شهر، ثم نقول: اعذرونا، لم يكن هؤلاء على المستوى الذي نريده، فلعمري تلك سقطة كبيرة من ناد بحجم الوحدة أهدر عشرات الملايين بالهواء وبلا طائل!!

والمشكلة لا تنحصر بناديي الاتحاد والوحدة فهما مثالان فقط، ونسوقهما من باب العرض لتبيان الحقائق وتصحيح المسار، وهناك بجعبتنا الكثير، ولكننا لا نهوى الصيد في الماء العكر؛ وبقية الأندية لديها ثغرات مماثلة – ربما أكبر أو أقل بقليل – لكن المشكلة عامة والحلول موجودة، وربما كان السبب غياب الرجل المناسب عن هذه الأندية مجتمعة.

 

رجال الأعمال

الشراكة بين الرياضة ورجال الأعمال والمستثمرين يجب أن تكون شراكة استراتيجية، لكل له دوره وفعاليته؛ وعندما قبلنا أن يدخل المال الداعم إلى الرياضة فمن أجل أن يعود النفع على الرياضة دعماً وتسويقاً؛ وبالمقابل يجب أن يستفيد المستثمر والداعم من عمله في الرياضة، ولكن الملاحظ أن المستفيد الأكبر من هذه الشراكة بات الداعمون والمستثمرون، خصوصاً أولئك الذين صاروا أصحاب قرار.

القرار الرياضي يجب أن يكون لأبناء الرياضة وخبرائها؛ لذلك عندما تدخّل أصحاب المال بالقرار، ساء الوضع كثيراً، فليس من الضرورة بمكان أن يكون رجل الأعمال الناجح ناجحاً في قيادته لناد، لأن القيادة هنا مختلفة وعلى النقيض.

وعلى سبيل المثال، نادي الفتوة ما زال يعاني الأمرين، وهو مهدد بالهبوط رغم أن الداعمين يقدمون – مشكورين – كل ما يلزم، لكن افتقادهم للخبرة الرياضية وضع النادي في مهب الريح من خلال سوء اختيار اللاعبين والمدربين، وربما تعاملوا مع الوضع بحسن نية، لكن أولئك الذين وضعوا ثقتهم بهم لم تكن نيتهم حسنة.

وفي نادي الطليعة، كمثال آخر – وإن كان في غير اتجاه إلا أنه يشير إلى هذه النقطة بوضوح – أقالت إدارة النادي مدربها الكروي طارق الجبان في الليل عبر اجتماع استثنائي، وفي الصباح اعتذرت وقالت إنها استعجلت القرار؛ والاتهامات المتبادلة بين الطرفين توحي بقوة المدرب وضعف الإدارة، فالمدرب طالب بحقوق اللاعبين الذين لم يقبضوا رواتبهم من شهرين، فضلاً عن أمور أخرى ضرورية، ملمحاً في الوقت ذاته إلى أن الإدارة تصب اهتمامها على الاستثمار، ولا نريد الخوض في هذه التفاصيل في هذا الوقت، واعتبرت الإدارة أن المدرب تهجم وتطاول عليها. وفي خصوصية الأمر، نجد أن الإدارة تدرك حجم ما فعلت، وعندما رأت ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي من اتهامات، وفتح ملفات، تراجعت عن قرارها؛ والكلام في تفاصيل هذا الأمر غير مفيد في الوقت الحالي!!

 

خارج الاهتمام

الأندية الصغيرة والفقيرة والريفية ما زالت خارج دائرة الاهتمام والدعم، وأكثر من مرة استوقفنا هؤلاء ليبثوا إلينا شكواهم ومتاعبهم ومعاناتهم. وللأسف – كما قال لنا البعض – نحن نقبل ألا يكون لنادينا منشآت أو صالات.. نحن نقبل بالقليل، قليل من الدعم المالي والتقني؛ وقد يكون هذا الدعم عبارة عن صالة رياضية صغيرة متعددة الأغراض، أو تجهيزات رياضية ومستلزمات ضرورية، وقد يكون هذا الدعم شيكاً مالياً لدعم الأبطال الرياضيين ومدربيهم.

الحقيقة التي قلناها سابقاً، ونؤكد عليها حالياً، أن جلّ أبطالنا تخرجوا من أندية ريفية: البطلة الأولمبية غادة شعاع من محردة، وعهد جغيلي من سلحب، والكثير غيرهم في ألعاب الكاراتيه والتايكواندو والمصارعة والملاكمة وبناء الأجسام والكيك بوكسينغ والفنون القتالية، كلهم خرجوا من رحم هذه الأندية، ولكم أن تتخيلوا بطل الجمهورية في لعبة المواي تاي تخرج من بيت رياضي خاص.

ما نود قوله، هنا، أن هذه الأندية الفقيرة يجب أن تنعم بجزء من موارد الأندية الغنية، صاحبة المنشآت والاستثمارات لتكتمل المعادلة من طرفيها، خصوصاً أن الأندية الكبيرة هذه لا تهوى هذه الألعاب التي ما زالت رياضتنا تتغنى بإنجازاتها حتى الآن.