ثقافةصحيفة البعث

نساء.. يوقدن الحواس

شاركت المرأة السورية في المنجز الثقافي والفني التشكيلي وأبدعت أعمالاً لا تقل أهمية عن الفنان الرجل، بل وتفوق البعض منهن مؤكدات حضورهن بأهمية ما تم إنجازه فضلاً على أنهن الملهمات والمانحات لطافة العيش وسلامه.. الحارسات للجمال والعاملات في خلقه وتكريسه للفضيلة التي يعيشها المجتمع، سنتناول بعض هذه التجارب النسوية الرائدة في المجال التشكيلي وقد تطول القائمة في هذا المقام، إلا أن المتفق عليه في هذا المجال أنها كانت الرافد الأساس للمنجز التشكيلي سواء من جهة العاملين في إنتاجه أو من جهة ما يشغل الفن التشكيلي كموضوع وهاجس، فقد تنوعت المواضيع التي عالجها الفن التشكيلي إلا أن المرأة كانت الموضوع الأثير في الفن عموماً، فكيف تناولت المرأة الفنانة مواضيعها؟ وكيف قدمت قضيتها وصورت عوالمها وهي الأكثر دراية بذاتها وهل من فوارق بين لوحة المرأة الفنانة أو الرجل الفنان؟ مثلما هو السؤال في مجالات الإبداع الأخرى عموماً حيث يختلف الرأي في هذا المقام بين فريق وآخر.

الفنانة ليلى نصير رسمت مواضيع كثيرة لكن المتفق على أهمها هو ما يتعلق بقضية الإنسان وحالاته الوجدانية العميقة، هذه المرأة التي تمرست بالتمرد في شخصيتها النافرة وكسبت التميز والفرادة في التشكيل السوري بأعمالها المتنوعة في تقنياتها وعمق مشاغلها التعبيرية حين أبدعت في رسم ذاتها –ذات المرأة– التي تروض الخوف من خلال اقتحام عوالم الوجوه ورسم ملامح الإنسان والبحث في أثر العزلة والقلق والتهميش على ذلك الوجه الإنساني المهشر بالباستيل أو بالقليل من الخطوط الذكية التي صاغتها حواس المصور الماهر المختزل للمشهد، ولم تتعاط مع الجمال بسطحية أبداً، بل جعلت من كثافة التعبير قيمة أعلى من قيمة الجمال التقليدي الساذج وأضافت إلى اللوحة السورية عوالم جديدة لم يتطرق لها إلا القلائل من أمثال قصاب باشي وفاتح المدرس وقد تبعهم العديد متأثرين بهم.

وتدخلنا أعمال الفنانة أسماء فيومي الأولى في عوالم العائلة والإلفة بين أفرادها، تتوسطهم امرأة تحمل صغيرهم على ذراعها بينما يلتصق البقية بها بحثاً عن طمأنينة ونجاة من خوف يهددهم، هذه الجملة البصرية كانت بداية تحولات اللوحة نحو تعبيرية جديدة تلمسها الفنان وأنتجتها ظروف عاشها الإنسان حين وقع تحت ظلم التهجير والعوز، فلم يجد ملجأ سوى دفء الأم وحنان الوطن وإنسانية أبنائه الذين حضنوا بعضهم في الشدائد والملمات، لوحات مشغولة بعاطفة الأم ورهافة الفنانة المرأة التي تعي معنى السلام والأمومة.

أذكر هاتان التجربتان لأهميتهما في يوم المرأة العالمي يوم رفع الحيف عن ظلمها ومساندتها والاعتراف بها حارسة الوجود وملهمة للخلق وصانعة له.

أكسم طلاع