دراساتصحيفة البعث

أليكسي نافالني.. المعارض الروسي الذي حوّله الغرب إلى أسطورة!

علي اليوسف

تبدو قصة أليكسي نافالني – المعارض الروسي – غريبة لجهة الزخم الذي تلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد كبير من الدول الأوروبية، وفرضها عقوبات جديدة على روسيا وتأجيج المواجهة الجيوسياسية مع موسكو. فلم يكن نافالني بطلاً، كما صوّرته الصحافة الغربية، بل هو رجل عادي اعتُقل بسبب خرقه شروط الكفالة، بعد أن حكمت محكمة روسية عليه في وقت سابق بالسجن لمدة خمس سنوات مع وقف التنفيذ لاختلاسات مالية بمبلغ 16 مليون روبل من إحدى شركات المتاجرة بالأخشاب الروسية. كاتيا كازبيك -كاتبة ومترجمة ورئيسة تحرير مجلة الفنون والثقافة Supamodu.com، والتي تعيش في نيويورك – تكشف التاريخ الحقيقي للشخصية المدعومة من الغرب.

البداية

في عام 2010 حصل أليكسي نافالني على منحة دراسية من برنامج Yale’s World Fellows، مع الخريجين المرتبطين مباشرة بما يُسمّى ثورة “ميدان أوكرانيا”. وفي عام 2013، ترشّح لمنصب عمدة موسكو، ليحتل المرتبة الثانية بعد سيرجي سوبيانين. لم يُسمح له بالترشّح للرئاسة في عام 2018 بسبب إدانتين بتهمة الاحتيال في قضيتي شركة الأخشاب Kirovles وشركة مستحضرات التجميل Yves Rocher، التي يسميها نافالني نفسه “الإطارات”.

في تلك السنة بدأ بالتوسع في النشاط الانتخابي واستخدم تكتيكات مختلفة للانخراط فيها. فخلال الانتخابات الرئاسية 2018، دعا الناس إلى المقاطعة. وفي الانتخابات الإقليمية لعام 2019، أطلق نظاماً يُسمّى “الانتخابات الذكية”، حيث كان الهدف هو سحب أكبر عدد من الأصوات من مرشحي حزب “روسيا الموحدة” من خلال دعم أي شخص خارج الحزب.

وفي الآونة الأخيرة، احتل نافالني عناوين الأخبار الغربية – والتي صمتت عن قضية مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج الذي فضح المخطّطات والمؤامرات الأمريكية – بسبب تسمّمه المزعوم، ما يؤكد أن القضية هنا ليست قضية حقوق إنسان بل مواجهة جيوسياسية مع روسيا. وهنا من الضروري الإضاءة على أنه وفقاً لاستطلاعات الرأي الليبرالية، فإن مواقف الروس بشكل جماعي تجاه التسمّم وتداعياته تختلف اختلافاً كبيراً عن السرد في الصحافة الغربية. نافالني هو بالتأكيد شعبوي، فخلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية في الولايات المتحدة، أيّد بيرني ساندرز لأن العلامات الثقافية الأمريكية تروق له. منذ أن كان مجرد سياسي طموح كان لديه مدوّنة على LiveJournal، منصة التواصل الاجتماعي السائدة في روسيا. في ذلك الوقت، كان يعرف علناً بأنه قومي وحضر التجمعات القومية. بدأ في حزب “يابلوكو” الليبرالي الموجّه نحو السوق، لكنه طُرد بسبب آرائه القومية. ثم أنشأ حركته “The People” التي تهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية وسجل مقاطع فيديو معادية للأجانب.

في السنوات التالية، كان هناك جهد لتبييض آرائه، وقام بتبديل موقفه في مواضيع مختلفة، فقد غيّر موقفه من زواج المثليين من سلبي إلى إيجابي، ولكن عندما تمّ الضغط عليه بشأن قناعاته السابقة ومقاطع الفيديو المنشورة، قال في مقابلة مع  صحيفة “دير شبيغل”: “لديّ الآراء نفسها التي كنت أتحدث عنها عندما دخلت السياسة”.

أما في المجالات الأخرى، فإن آراءه الاقتصادية تفضّل الخصخصة والأسواق الحرة، وهو مدعوم من قبل العديد من رأسماليي ما بعد الاتحاد السوفييتي السابق، ومن الأوليغارشية. ومع ذلك، فقد أراد أيضاً الترشح للرئاسة على أساس برنامج رفع الأجور والمعاشات التقاعدية وفرض ضرائب تصاعدية، لكنه لم يركز أبداً على الطبقة العاملة في أجندته، بل كان يتحدّث عن الفقر في بعض الأحيان ويوضح دائماً ضرورة مساعدة أصحاب الأعمال الصغيرة بازدراء.

وجهات نظر نافالني الجيوسياسية متداخلة قليلاً في كل مكان أيضاً. وبشكل عام، عندما يتعلّق الأمر بالسياسة الروسية الداخلية، فإنه يميل إلى دعم الحكم الذاتي الإقليمي، حيث كانت إحدى سياساته المركزية على مرّ السنين تركز على “إيقاف تغذية التجمع”، والتي دعت، من بين أمور أخرى، إلى فصل جمهوريات مثل الشيشان عن الاتحاد الروسي.

وعندما يتعلّق الأمر بالدبلوماسية الأجنبية، يعتقد نافالني أن على روسيا أن تنحاز أكثر إلى أوروبا وبدرجة أقل مع جيرانها من الاتحاد السوفييتي السابق، والدول الآسيوية أو دول أمريكا اللاتينية. في الأساس، تتكيّف سياسته مع كل ما يبدو مناسباً، لكن هذا أيضاً لا يبدو أنه يساعد قضيته. إنه ليس نازياً بما يكفي بالنسبة لليمين المتطرف، وهو يميني جداً بالنسبة لليسار، ويؤكد مراقبون أنه “ليس إلا مارقاً سياسياً يسعى للوصول إلى السلطة بواسطة طرق وقحة ونشاطات جامحة”، مشيرين إلى أن نشاطات نافالني “باتت الآن أكثر وقاحة وانفلاتاً مما كانت عليه قبل بضع سنوات”.

والسؤال هو: ما مقدار الدعم الذي يحظى به نافالني داخل روسيا؟. على الرغم من حملته البالغة من العمر 15 عاماً، لا يزال نافالني معروفاً في الغالب فقط لعمله الاستقصائي. على الرغم من الدعم الذي يتلقاه من الغرب، إلا أن عدد الأشخاص الذين لا يثقون به قد زاد أيضاً مع زيادة الوعي.

لماذا الآن؟

بالغت الصحافة الغربية بقضيته كثيراً، ما يؤكد أن ما يحدث مع نافالني هو في سياق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وخاصة رئاسة جو بايدن، لتشويه صورة روسيا في المجتمعات الغربية، وتوظيف ذلك سياسياً باتجاه تبرير السعي لاحتواء روسيا، وأيضاً تبرير تحويل ميزانيات حلف شمال الأطلسي ناتو إلى عسكرة أكبر. لقد أمضى الديمقراطيون الأمريكيون سنوات في الحديث عن ما يسمّى بـ “Russiagate”، وهي رواية منتشرة في الولايات المتحدة، والتي ألقت باللوم على روسيا في خسارة هيلاري كلينتون في عام 2016. تمّ فضح المؤامرة باستمرار، لكنها لا تزال عنصراً أساسياً في السياسة الأمريكية، لذلك فإن ولاية بايدن ستكون متشدّدة للغاية بشأن روسيا.

ويبدو أن الكثير مما يحدث اليوم يكرّر نفسه. ففي فترة التسعينيات، حاولت الحكومات الغربية التدخل على نطاق واسع في السياسة الروسية، ونهب الاقتصاد بشكل أساسي، ودعم انقلاب يلتسين على “برلمان منتخب ديمقراطياً”. واليوم يتكرّر السيناريو نفسه من خلال محاولة الإتيان بـ”زعيم جديد موالٍ للغرب”، رغم أنه انتهك مرات عدة قوانين روسيا بشكل صارخ، وشارك في عمليات احتيال على نطاق واسع.

يدركُ الجميع أن الغالبية العظمى من الصحفيين الغربيين منشغلون في إيصال روايتهم الخاصة، والتي لا علاقة لها بالوضع الحقيقي على الأرض. ومع ذلك، فإنه يعكس في كثير من الأحيان آراء وزارات خارجية دول الناتو. لذا فإن الحكم على البلد من خلال ما تسمعه في أغلب الأحيان عنه أمر مضلّل وخطير. بصراحة، ترى الكاتبة كاتيا كازبيك أن الأمر نفسه ينطبق على معظم البلدان التي لا تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حليفة، ولكن روسيا أكثر من غيرها بسبب هذه الحرب الباردة الجديدة التي نشهدها.

ليس كل ما يقوله النقاد عن موسكو صحيحاً، وخاصةً عند النظر في المصالح الخاصة التي تحكم وجهة نظر الغرب الساعي لتطويق روسيا وزعزعة استقرار الوضع فيها، وإحداث اضطرابات اجتماعية، خدمة للمجمع الصناعي العسكري الغربي.