مجلة البعث الأسبوعية

مرتزقة اردوغان بعد كابوس ناغورنو كاراباخ.. “لا أحد يهتم إن متنا”!!

“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة

في الأسبوع الأول من تشرين الأول لعام 2020، فُقد أحمد حداد ومعه أكثر من 20 مسلحاً آخر من فرقة “كتائب الحمزة”، التابعة لما يُسمى بـ “الجيش الوطني السوري” في وسط سلسلة جبال في أذربيجان بالقرب من الحدود الإيرانية. فبعد أن شن الجيش الأرمني قصفاً عنيفاً على الجبال، فر الجنود الأذريين الذين تمركزوا خلف السوريين مسرعين، تاركين هؤلاء وحدهم على أرض لا يعرفونها.. عندئذ، سقطت قذيفة مدفعية قرب محمد شعلان، أحد قادة الفصيل، ما أدى إلى مقتله على الفور.. سارع اثنان من المجموعة لحمل جثة شعلان، شاقين طريقهم للخروج من الجبال والبحث عن قاعدتهم، وعندما غلبهم التعب، ألقوا بالجثة، وتركوها تتدحرج على المنحدرات.

مرت الساعات، وأدرك المرتزقة أنهم ضلوا طريق العودة، فقرر ثلاثة منهم انتظار عودة الآخرين لمساعدتهم؛ وبعد أن غادر الرجال الآخرون تعرض الثلاثة الذين بقوا لوابل من الرصاص من الجنوب، فلقي حسين طلحة حتفه، وفر الآخران إلى الشمال الشرقي، حتى وصلا إلى نقطة تجمع فيها آخرون من المجموعات المسلحة السورية التي تنتمي إلى فرقة الحمزة.

قال أحمد حداد: “كان الوضع متوتراً، حيث قام قائدنا بالتنسيق مع الأتراك لمعرفة سبب تخلي الأذريين عنا، ساءت الأمور بالنسبة لنا، ومات الكثير منا في أذربيجان”.

 

الرحلة إلى باكو

تقول الصحفية الاستقصائية الأمريكية لندسي سنيل: كان ذلك في تموز الماضي، عندما علم مرتزقة “الجيش الوطني السوري”، وهو مجموعة من فصائل المسلحين الذين تدعمهم تركيا بالأسلحة والذخيرة والمال، أنه قد يتم إرسالهم إلى أذربيجان، البلد التي لم يسمع به سوى القليل منهم، وقيل لهم إنهم سيعملون كحرس حدود، وأن المهمة ستكون سهلة وخالية من القتال.

في 22 أيلول 2020، أرسل لي مصدر من كتائب السلطان مراد في “الجيش الوطني السوري” صورة لعشرات المسلحين على متن طائرة شحن، وكتب: “إنهم ذاهبون إلى باكو الآن وسيتبعهم كثيرون”.

بعد خمسة أيام، شنت أذربيجان هجوماً على الأرمن في ناغورنو كاراباخ، واعتمدت بشكل كبير على دعم تركيا وقوات المرتزقة الذين أحضرتهم من صفوف العصابات السورية المسلحة، والتي أمضت سنوات في تدريبهم – في محاولة فاشلة وكارثية – للإطاحة بالحكومة الشرعية في سورية.

 

أسطورة المعارضة “المعتدلة”

منذ بداية الحرب على سورية، كانت تركيا الدولة الأكثر عدوانية ودعماً للعصابات الإرهابية، إذ استضافت أول غرفة عمليات عسكرية لـ “الجيش السوري الحر”، وكانت جزءاً لا يتجزأ من تسهيل دعم الغربي والخليجي، كما دخلت في شراكة مع الولايات المتحدة والسعودية لإنشاء برنامج التدريب والتجهيز، وهو المشروع المشؤوم الذي يهدف لتوفير التدريب والدعم بالأسلحة والذخيرة والمال لمقاتلين من الفصائل الموصوفة بـ “المعتدلة” في سورية.

وفي عام 2014، أجرت لندسي سنيل مقابلات في حلب مع مقاتلين من حركتي حزم وجيش المجاهدين، وهما فصيلان من “الجيش السوري الحر” يدعمهما الغرب وتعتبرهما الحكومة الأمريكية” معتدلين.

“قال لي أحد مقاتلي جيش المجاهدين في حلب: “لا شيء اسمه مسلم معتدل.. كلنا مسلمون، كلنا لدينا لحى، جميعنا نصلي. حكومتك تقول إننا معتدلون، لكنك لن تجدي مقاتلاً معتدلاً في كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة”.

وبعد وقت قصير من تدريب مسلحي فصيل حركة حزم التابع لـ “الجيش الحر”، وتزويدهم بالسلاح، قاتلتهم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وهزمتهم، وداهمت مخازن أسلحتهم وسرقت سياراتهم. أساساً، كان برنامج التدريب والتجهيز مسلحاً بشكل غير مباشر لـ “القاعدة”.

إلى البرنامج، قامت تركيا بتسليح جبهة النصرة بصورة مباشرة. قال زياد إبراهيم، أحد مسلحي جيش المجاهدين في “الجيش الحر”: “تسلمت أسلحة من الحدود السورية ثلاث مرات في عامي 2013 و 2014، إذ كنا نذهب إلى الحدود ونلتقي عميلاً تركياً ونعود إلى مقرنا بثلاث سيارات محملة بالمعدات، وبعد ذلك، نأخذ جزءاً من الأسلحة التي قدمتها لنا تركيا ونتركها في مكان محدد، لتأخذها جبهة النصرة من ذلك المكان”.

منذ بداية الحرب ولغاية عام 2016، كانت حدود تركيا مع سورية مفتوحة على مصراعيها أمام مسلحي “داعش” و”القاعدة” و”الجيش الحر” للتنقل بين البلدين. قال إلياس آيدن، القيادي التركي في تنظيم “داعش”، إنه عقد اجتماعات مع عملاء جهاز الاستخبارات الوطنية التركية على الحدود مع سورية لمناقشة مرور المقاتلين والأسلحة، وأضاف: “هذا لا يخدم الإسلام”، فأردوغان لا يريد خلافة إسلامية، بل خلافة عثمانية.. لبعض الوقت كانت “داعش” مفيدة له، لأننا فرضنا سيطرتنا على طول المناطق الحدودية بين سورية وتركيا، ويريد اردوغان السيطرة على هذه المناطق”.

 

“كنا بالفعل مرتزقة ولصوص”

في كانون الأول 2017، أصبح “الجيش السوري الحر” ما سمي “الجيش الوطني السوري”، ما عزز توحيد الفصائل المسلحة الخاضعة للسيطرة التركية. وفي كانون الثاني 2018، أطلقت تركيا عملية غصن الزيتون على عفرين، مستخدمة فصائل من “الجيش الوطني السوري”. وفي آذار 2018، بعد احتلال عفرين، ألقى أردوغان خطاباً سلط فيه الضوء على المناطق السورية التي تخطط تركيا لاستهدافها، وقال: “بعد ذلك، سيكون هناك منبج وكوباني ورأس العين وتل أبيض والقامشلي”. وفي تشرين الأول 2019، هاجمت تركيا وعملاؤها من “الجيش الوطني السوري” رأس العين وتل أبيض واستولوا عليها.

قال محمود عزازي، أحد مسلحي فرقة الحمزة، والذي كان في أذربيجان طوال فترة الحرب: “كانت معركتنا في عفرين فقط من أجل تركيا”، كان المسلحون في أسوأ حالاتهم، سرق “الجيش الوطني السوري” الممتلكات والسيارات، وقام باختطاف مدنيين وفرض فدية على عائلاتهم.. قتلوا المدنيين واغتصبوا النساء”.

وأضاف: “عندما قرر أردوغان إرسال مسلحي “الجيش الوطني السوري” إلى ليبيا، بعد ذلك بعامين، كنا بالفعل مرتزقة ولصوصاً”. في كانون الأول 2019، بعد أن وقعت تركيا اتفاقاً مع حكومة الوفاق الوطني الليبي، تم نقل مسلحي “الجيش الوطني” إلى ليبيا لدعم قتال حكومة الوفاق ضد منافسيها، وقبل سريان اتفاق وقف إطلاق النار في حزيران الماضي، قدرت مصادر في “الجيش الوطني” أن تركيا أرسلت أكثر من 15 ألفاً من المرتزقة السوريين إلى طرابلس ومصراتة.

وقبل وقف إطلاق النار، أفاد مسلحو “الجيش الوطني” في ليبيا أن حكومة الوفاق وتركيا استخدمتهم كقوات مشاة في أخطر مناطق القتال. وكما هو الحال في نزاع ناغورني كاراباخ، اشتكى المرتزقة من أنه تم الكذب عليهم حول سبب استخدامهم في ليبيا. قال أحد مسلحي كتيبة السلطان مراد: “قالوا لنا إنه سيكون هناك قتال خفيف”، ولكن الآن جثث جنودنا، تُرمى في الشوارع.

على الفور، ظهر الاختلاف في طريقة تعامل تركيا مع المرتزقة السوريين في أذربيجان. ففي 25 أيلول، أي قبل يومين من بدء حرب أذربيجان وتركيا في كاراباخ، أعرب أحمد خالد، من فرقة الحمزة في إدلب، عن قلقه من عدم تمكنه من الوصول إلى أي من السوريين الموجودين في أذربيجان. قال: “هواتف أخي وثلاثة من أقاربي والكثير من أبناء قريتي.. مغلقة منذ مغادرتهم تركيا”.

بعد فترة قصير من اندلاع الحرب، تلقى خالد، أخيراً، عدداً من الرسائل الصوتية المتوترة عبر الواتس آب من شقيقه في أذربيجان، يقول فيها: “صادروا هواتفنا في البداية، وسمعت انفجارات عنيفة في الخلفية، والآن، الإنترنت عادة غير متوفر. ألقوا بنا في المعركة مباشرة، أخبرونا قبل مغادرتنا أنه لن يكون هناك قتال، وأننا سنقوم بحراسة الحدود من أجل الأذريين، لكن خمسة من أفراد مجموعتنا لقوا حتفهم بسبب القصف، لا نعرف أين نحن، إننا بحاجة إلى مغادرة هذا المكان”.

في الأيام القليلة الأولى من الحرب، سرب مسلحو”الجيش الوطني السوري” مقطعي فيديو، وتمكن مستخدمو تويتر بسرعة من تحديد الموقع الجغرافي لناغورنو كاراباخ. وبدأت وسائل الإعلام الرئيسية نشر تقارير عن وجود المرتزقة السوريين، وأشار مسؤولون من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة إلى أن لديهم أدلة على إرسال تركيا مرتزقة “الجيش الوطني السوري” إلى أذربيجان. وفي 11 تشرين الأول، صوّر أحد مسلحي فرقة الحمزة جثث مقاتلين أرمن، وبث الفيديو الذي تم انتشاره بسرعة عبر فيسبوك.

وفي 14 تشرين الأول، وجّه أردوغان في خطاب له اتهامات للمرتزقة، وقال: “قيل إننا أرسلنا مقاتلين سوريين إلى كاراباخ، السوريون لديهم وظائف على أراضيهم، ولم يذهبوا إلى هناك”.

في ذلك المساء، قال أحمد حداد، الذي كان في المعسكر نفسه الذي يتواجد فيه المسلح الذي نشر الفيديو، أنه شاهد المخابرات التركية تسحبه في شاحنات: “لقد ضربوه، وركلوه، فعلوا ذلك أمامنا جميعاً، لبث الخوف.. أخذت الشاحنات الرجل بعيداً، ولم نعد نسمع عنه منذ ذلك الحين.. كانوا مصممين على وقف تسرب المعلومات من السوريين في كاراباخ”.

مع استمرار الحرب، كان الاتصال بالمسلحين السوريين في ناغورنو كاراباخ شحيحاً، إلى حد الندرة. وكان القادة يحذرون رجالهم من “مشاركة” أي معلومات من الخطوط الأمامية.

في 10 تشرين الثاني 2020، انتهت الحرب باتفاق سلام ثلاثي بين أذربيجان وأرمينيا وروسيا، وبحلول نهاية تشرين الثاني، عاد المرتزقة إلى سورية. ومع مرور الوقت وتضاؤل الخوف من الاعتقال، أبدى المزيد منهم الاستعداد لـ “مشاركة” حسابات وصور تتعلق بالفترة التي أمضوها في صفوف القوات الأذربيجانية.

وبحسب مصادر”الجيش الوطني السوري”، أرسلت تركيا نحو 2700 مسلحاً إلى أذربيجان؛ وكمحاولة لمنح الحكومة التركية الفرصة للإنكار، تولت الشركة الأمنية التركية الخاصة “سادات” – المملوكة لعدنان تانريفيردي، المستشار العسكري الرئيسي السابق لأردوغان – إنجاز العمليات اللوجستية المتعلقة بالمرتزقة، ويُعتقد أن خالد تركماني أبو سليمان، المتزعم في فصيل السلطان مراد، قد عمل كحلقة وصل بين “سادات” وأذربيجان.

 

معارك ناغورنو كاراباخ

يتذكر أحد مسلحي السلطان مراد اليوم القاسي الذي عاشه في أوائل تشرين الأول: “قاتلت أنا وأبناء عمي في سورية طوال هذه الحرب، ولكننا لم نر شيئاً مماثلاً لهذا من قبل، كنا تائهين ولم يكن لدينا أي فكرة عن التضاريس، أو أي فكرة تقريبية عن المكان الذي يجب أن نتوجه إليه، كنا 45 على بعض التلال الصغيرة، حيث قتل قناص ثمانية رجال من كتيبة السلطان مراد واثنين من فرقة الحمزة.. القناصة يشبهون ما نراه في الأفلام”.

وأضاف: لم يكن العسكريون الأتراك بالقرب منا في كاراباخ.. لم أر أحداً من الجيش التركي بعد ركوب الطائرة إلى أذربيجان.. بعض الأحيان، كان الجنود الأذريون هناك، لكنهم كانوا يقفون خلفنا على بعد 200 متر”.

وقال أحد مسلحي السلطان سليمان شاه: “الجنود الأذريون أساؤوا لنا بقسوة.. عاملونا مثل الكلاب”. وتابع: كانت الأمور منظمة بشكل سيء للغاية، خاصة في البداية، بعض ممن تم تجنيدهم للذهاب إلى أذربيجان لم يختبروا القتال من قبل”.

وقال محمود عزازي: “بعد أسبوعين من تكبدنا خسائر فادحة، رفض حوالي 500 من العناصر الاستمرار في القتال، وقالوا إنهم لن يرفعوا أسلحتهم ضد أحد، وطالبوا بإعادتهم إلى سورية. عندما تم رفض إعادتهم، بدأوا في الاحتجاج، هددوا بالخروج من المعسكر والتواري في أذربيجان، وهو أمر كانوا يعرفون أن الأذريين يخشونه بشدة. في النهاية، أعادوا حوالي 300 من الرجال إلى سورية، واعتقلوا عشرة آخرين اعتقدوا أنهم مسؤولون عما حصل”.

لم تمنع الظروف القاسية والخسائر الفادحة المرتزقة من معاودة السلوك السيئ الذي عاشوه في سورية وليبيا: “كلما كنا في منطقة فيها بيوت، كان الرجال ينهبون كل ما في وسعهم، ويشتكون من أنها ليست مثل ليبيا”، قال محمود عزازي، متابعاً: “بدأ البعض في سرقة الأبقار والأغنام وبيعها لوسطاء أذريين، لكن هذا كان مزعجاً للغاية للجنود الأذريين، وجعلهم قلقين بشأن ما قد يفعله السوريون أيضاً.. لذلك وضعوا قاعدة تقضي بعدم السماح لأي سوري بمغادرة معسكره، إلا إذا كان ذاهباً إلى معركة”.

بلغت المبالغ التي وعد بها المسلحون المتواجدون في أذربيجان حوالي 2000 دولار شهرياً، المبلغ نفسه الذي وعد به المرتزقة في ليبيا، لكن – بحسب ما ذكره أكثر من 50 مسلحاً ممن قاتلوا من كانون الأول 2019 حتى الآن – لم يتلق أي منهم أكثر من 400 دولار شهرياً”، قال عزازي: “أخبرنا القادة عندما عدنا إلى سورية أننا إذا التزمنا الصمت، فسنحصل بسرعة على ما نستحقه، ثم علمنا أن القادة حصلوا بالفعل على رواتب”. وأضاف: “هذا ما فعله بنا السلطان، الخليفة العثماني”، في إشارة ازدرائية إلى الرئيس التركي أردوغان.. “من يدري إلى أين سنرسل بعد ذلك؟ نحن بمثابة قوة تستخدمها تركيا لتحقيق أهدافها، لأننا نملك خبرة قتالية، ولا أحد يهتم إذا متنا!!”. وتابع: “الجميع، حتى الأكثر ولاءً لتركيا، يعلم أن تركيا لا تحاول مساعدة السوريين.. نحن الآن نحارب فقط من أجل مصالح تركيا، أقسم بالله أن أعداداً متزايدة منا تتمنى لو يعود بنا الزمن إلى ما كنا عليه قبل عام 2011، قبل الحرب”.