دراساتصحيفة البعث

الملف النووي الإيراني وعقدة بايدن “الغوردية”

ريا خوري

العقدة الغوردية هي أسطورة تتعلق بالإسكندر الأكبر، ويستخدم المصطلح عادة للدلالة على مشكلة صعبة الحل يتم حلها بعمل جريء. تقول الأسطورة في فترة من الزمان كان أهل فريجيا بلا ملك شرعي. تنبأت عرافة في تلميسوس (عاصمة فريجيا القديمة) أن الرجل القادم الذي سيدخل المدينة راكباً عربة يجرها ثور سيصبح الملك القادم. كان هذا الرجل هو الفلاح الفقير غوردياس الذي دخل المدينة على عربة يجرها ثور فأعلنه الكهنة ملكاً. عرفاناً بذلك قام ابنه ميداس بتقديم العربة إلى الإله الفريجي سبازيوس (الذي يقابله عند الإغريق زيوس) وقام بربطها بعقده لا يبرز منها أي طرف حبل.

كانت هذه العربة لا تزال موجودة في قصر أحد ملوك فريجيا القدماء في غورديوم حين دخلها الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت فريجيا حينها ساتراب (أي مقاطعة) في الإمبراطورية الفارسية.

عام 333 ق.م. أثناء قضاء الإسكندر فصل الشتاء في غورديوم، حاول الإسكندر حل العقدة. عندما لم يجد طرفا للحبل ليحل العقدة قام بقطعه بضربة من سيفه. بعد هذه الحادثة ادعى مؤلفو سيرة الإسكندر أن العرافة كانت قد تنبأت أيضاً أن من يحل هذه العقدة سيكون فاتح آسيا. وقد قام الإسكندر بفتح آسيا واصلاً إلى نهري جيحون والسند.

حالياً يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن عشرات الملفات الشائكة، ومن بين تلك الملفات الاتفاق النووي الإيراني- والذي انسحبت منه بلاده- أكثر  الملفات تعقيداً وصعوبة. المشكلة تكمن في كيفية حل هذا الملف، والذي يمكن تسميته بـ “العقدة الغوردية”، وأي السيناريوهات الأكثر واقعية ومنطقيّةً وقبولاً للعديد من دول العالم، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعقد أخرى كثيرة. في هذا السياق تجد إدارة بايدن نفسها أمام الكثير من الصعوبات والمعضلات والخيارات التي يصعب حلّها بسهولة، منها صعوبة الاستمرار في نهج العقوبات القصوى، والتي أثبتت فشلها، إضافةً إلى صعوبة التصعيد العسكري والتلويح بالقوة، والتي فشلت أيضاً.

لقد تفاوتت آراء المراقبين والمخططين الاستراتيجيين والمحللين والخبراء حول هذا الملف، لكنهم  جميعاً يتفقون على سيناريو العودة إلى المفاوضات. فقد أكّدت تريتا بارسي في جامعة جورج واشنطن بأنها  على ثقة  كبيرة بأن إدارة  بايدن سوف تنضم مرة ثانية للصفقة التي انسحب منها الرئيس السابق ترامب وإدارته. وتستند في رأيها هذا  إلى عودة نفس المستشارين الكبار في إدارة جو  بايدن، والذين لعبوا دوراً أساسياً وهاماً  في إتمام الاتفاق في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهم اليوم من سيلعبون الدور نفسه، مثل وزير الخارجية أنتوني  بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومبعوث الولايات المتحدة الأمريكية لجمهورية إيران الإسلامية روبرت مالي. وتضيف أنّ السبب الرئيسي والهام في العودة لهذا السيناريو أنه يقع في سياق الإستراتيجية الأمريكية العليا التي تركز على الدبلوماسية الناعمة. بينما يرى الخبير كينيث بولاك أنّ التفاوض أفضل وسيلة للوصول إلى الحل، لكن الانغماس في عملية تفاوضية يحتاج إلى وقت طويل لا يعرف أحد متى ينتهي ربما لبضعة  أشهر أو سنوات.

لذلك أمام الرئيس جو بايدن إستراتيجيتان، واحدة قريبة وأخرى بعيدة. والإستراتيجيتان متكاملتان حسب تصريحاته المتتالية بهذا الخصوص ولا يمكن الفصل بينهما. والتصريحات الصادرة من إيران تعطيه الحل، إذ تؤكّد استعدادها للعودة للاتفاق خلال ساعةٍ واحدةٍ إذا عادت الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق، ورفعت العقوبات عنها، ووفاء واشنطن بتعهداتها.