اقتصادصحيفة البعث

“أموالنا العقيمة” وأوان الصناديق الاستثمارية.. لو..؟!

قسيم دحدل

 

لو افترضنا جدلاً أننا استطعنا إحصاء- ولو تقريبياً- كم النقد الوطني والأجنبي، زائد الذهب المدخر(أموال عقيمة)، أي حساب هذه الثروة غير الموظفة أو المستثمرة التي كانت ولاتزال “تحت بلاطة المواطن”، أو في صناديقه الخاصة المُقفل عليها بحرص كبير، تحسباً من غدرات الزمن، أو تطبيقاً للمثل: “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، لكان حال من تبقى لديه شيء منها غير الحال الذي وصل إليها مالياً ومعيشياً بعد أن استنزف معظمها لمواجهة ما وصل إليه من وضع معيشي ومالي لا يُحسد عليه، وهذا الكلام ينطبق على الكثير من السوريين الذين لجؤوا للادخار العقيم، ومنهم من لجأ لدخول لعبة المضاربة بالعملة للاستفادة من فارق سعر الصرف، وتحقيق نوع من العوائد يقوى بها على تأمين متطلباته الحياتية اليومية، ومحاولة التوازن من الصدمات السعرية متلاحقة الارتفاع بشكل جنوني.

قد يقول قائل: إن ذلك مستحيل، أي إحصاء تلك الثروة، ويسأل آخر: وكيف سيتم ذلك؟ وماذا تغير أو سيتغير؟!.

الجواب: لا مستحيل في علم الاقتصاد عامة، والمال والأعمال خاصة، ومعرفة ما لدينا من “ثروة عقيمة”، هو أمر ممكن لو امتلكنا الأدوات والآليات والإجراءات والتشريعات القادرة على استقطاب واجتذاب مثل تلك الثروة للمكان الذي نستطيع استثمارها وتنميتها فيه، ولكن للأسف لاتزال الحكومة مغلقة دونها الأبواب؟!.

مثلاً لا حصراً

قبل الانتقال لنبيّن أننا لسنا من يتهم الحكومة والجهات المعنية بذلك، بل المسؤول فيها، ونذكر ونُذكّر بما قال حرفياً، ونوضح لمن لا يكره التوضيح ماهية الطارح التي نقصد وهي الصناديق الاستثمارية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر  صناديق الاستثمار العقاري المتاحة للجمهور، والتي يتم تداول أسهمها في السوق المالية، وتُعرف عالمياً بمصطلح “ريت أو ريتس”، وتهدف إلى تسهيل الاستثمار في قطاع العقارات المطورة والجاهزة للاستخدام التي تدر دخلاً دورياً وتأجيرياً، ومما تتميز به الصناديق العقارية الاستثمارية المتداولة: انخفاض تكلفة الاستثمار فيها مقارنة بصناديق الاستثمار العقارية الأخرى، والتزامها بتوزيع 90% من صافي أرباحها دورياً/ سنوياً كحد أدنى، كما يمكن لهذه الصناديق الاستثمار محلياً وإقليمياً وعالمياً بشرط ألا يزيد إجمالي قيمة أصول الصندوق من العقارات خارج الدولة عن نسبة محددة (مثلاً 25%)، وذلك وفقاً لسياسات واضحة ومحددة من قبل هيئة السوق المالية.

بالحرف الواحد!

الآن نأتي للمُقدر رأيه وشفافيته، الدكتور عابد فضلية رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية الذي كانت إجابته، حين طرحنا عليه ما سلف، بالحرف الواحد الآتي: “الموضوع الذي طرحته هام جداً جداً، وبالمقابل فإن الاهتمام الحكومي وغير الحكومي به ضعيف جداً جداً، لذلك أقترح التوسع به والإضاءة عليه إعلامياً كلما كان ذلك ممكناً”.

وأضاف في تصريحه لـ “البعث”: “برأيي، لا بأس أن تتكرر عناوين صحفية وإعلامية بهذا الصدد مثل: برسم الحكومة، أين الجهات الحكومية من صناديق الاستثمار؟! هذه الصناديق: أوعية ادخارية وتنموية وطنية، تجميع للمكتنزات العقيمة الصغيرة، تمويل مجاني (دون فوائد) لمشاريع استراتيجية، ترشيد الاستهلاك وعقلنة الاستثمار.. إلخ.

ثلاثة” كشفت

استناداً لما أدلى به فضلية، كان سؤالنا بثلاثة وهي: إلى أي مدى يمكن إنشاء مثل تلك الصناديق في سورية؟ وهل يمكن أن تكون هناك صناديق للاستثمار العقاري مدرجة ببورصة دمشق، ويكون مجال نشاطها وتشغيل أموالها إما بالاستثمار المباشر (كشركات مساهمة) في المشاريع العقارية، أو المشاركة في تمويل تلك المشاريع والشركات المرخصة في هذا المجال؟ وهل لدى الهيئة أو السوق سعي لأية دراسة حول هذه الصناديق، وبالتالي الترويج لتأسيس مثلها، خاصة أن مرحلة إعادة الإعمار تحتاج لكتل مالية كبيرة، وفي الوقت نفسه تتيح مثل تلك الصناديق لأصحاب المدخرات توظيف واستثمار مدخراتهم عبر قنوات نظامية رسمية مرصودة في سوق أوراقنا المالية؟.

آن الأوان

رداً على ما سألنا قال فضلية: “إن إحداث صناديق استثمارية يعد من الأولويات التي تسعى إليها هيئة الأوراق والأسواق المالية، وسوق دمشق للأوراق المالية، إلا أن الحرب وتداعياتها، كما الأمر على مختلف الأصعدة في القطر، أخّرت هذا المشروع، وفي هذا الإطار لابد من التنويه بأن إنشاء صناديق للاستثمار بالأوراق المالية فقط قد لا يكون بمستوى أهمية إنشاء صناديق استثمار متنوعة الأغراض لتمويل مشاريع صناعية أو عقارية، إلا أن إنشاء صناديق استثمار بالأوراق المالية بداية جيدة وإيجابية، ونتوقع أن تكون مثالاً مجدياً يحتذى به، خاصة إن تم تعديل الأحكام القانونية لإحداثها، ليمتد نشاطها إلى أنشطة استثمارية تنموية أخرى أبعد من تداول الأسهم.

وفي كل الأحوال، جاء الوقت المناسب، وآن الأوان للجهات الحكومية، ولأصحاب القرار، وللفعاليات والمؤسسات المالية والاستثمارية أن تخوض في أقنية الصناديق الاستثمارية كونها قليلة المخاطر، ووسيلة فاعلة للتمويل المجاني، ولأنها بالتالي واسطة لتجميع الكثير من المكتنزات والمدخرات العائلية الصغيرة لإنشاء الكثير من المشاريع الاستثمارية التنموية الكبيرة”.

بكلمة ونصف!

هل تعلمون متى كان هذا الـ “آن الأوان”؟!.. كان في 18/7/2018!!.

 

Qassim1965@gmail.com