صحيفة البعثمحليات

التعليم التقاني “الابن الضال” البعيد عن الاهتمام والرعاية!

تأمّلَ طلبة المعاهد التقانية خيراً  بالمجلس الأعلى للتعليم التقاني، وعوّلوا عليه كثيراً، لعلّ وعسى ينتشلهم من قعر بئر المعاناة ويخلّصهم من عقدة النقص التي ترافقهم من لحظة دخولهم أبواب المعهد وحتى بعد تخرّجهم، باعتبار الدراسة فيه “مأوى” للفاشلين دراسياً، فالمجلس المدجّج بكبار أساتذة الجامعات لم يقدّم إلا الوعود التي ذهبت أدراج الرياح وتركت الدارسين والخريجين ينتظرون بألمٍ على قارعة طريق البطالة!.

للأسف الاهتمام الذي أظهرته وزارة التعليم العالي وإدارات الجامعات ووزارات أخرى في السنوات الأخيرة لم يخرج من إطار “الحكي ببلاش”، فحال المعاهد يُرثى لها، سواء على صعيد بنيتها التحتية أو توظيف مخرجاتها في عملية التنمية، وهذا ما جعل الفاقد التعليمي يصل إلى أكثر من 80% في بعض المعاهد خلال سنوات سابقة، والمشكلة أن النزيف ما زال مستمراً وسط محاولات إسعافية خجولة برزت بشكل واضح في عام 2009، حيث عُقد مؤتمر تحت شعار “ربط الجامعة والخريج بسوق العمل”، لكن دون نتيجة تسجّل على الأرض لمصلحة الخريجين، حيث بقيت المقررات والتوصيات في الأدراج، ولتأتي الحرب وتُعلّق عليها شماعة الفشل.

أمام هذا الواقع المرّ، ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا لم تعمل “التعليم العالي” على تنفيذ خطتها “الإستراتيجية” فيما يخصّ تطوير منظومة التعليم العالي، لجهة تطبيق سياسة الهرم المقلوب في القبول الجامعي، بحيث تكون نسبة القبول في المعاهد بحدود الـ 75% مقابل 25% في الكليات الجامعية؟!.

نعتقدُ، بل نؤكد أن هذا الإجراء لو تمّ لما وصلنا إلى كساد في خريجي الكليات الجامعية التي تحوّلت إلى مخازن لتكديس العاطلين عن العمل، في حين بقيت المعاهد وخريجوها كـ”الأبناء الضالين” لا أحد يهتمّ بشؤونهم ويجبر بخاطرهم!.

وفيما يتعلّق بدور وزارة التربية، نجدها شفافة بهذا الخصوص، ففي ورشة العمل التي أقامتها جامعة دمشق منذ أكثر من عامين حول تطوير المعاهد التقانية، لم تخفِ ورقتها المقدّمة في الورشة الإشارة إلى أن “التغذية الراجعة الكمية والنوعية لسوق العمل حول خريجي التعليم التقاني ضعيفة جداً”، ويتجلّى ذلك بانكماش فرص عمل الخريجين، وكأنهم خرجوا من حسابات التنمية وسوق العمل في ظل غياب الإستراتيجية الوطنية لتشغيل الشباب.

نحن اليوم أمام معطيات وتحديات جديدة تتعلق بالتعليم التقاني والمهني، فالبلد كما نعلم قادمة على مرحلة إعادة الإعمار، لذلك يجب أن تتغيّر آلية التعاطي مع هذا النوع من التعليم، لأن سواعد الخريجين فيه هي التي ستكون الرافعة الحقيقية، ولأنهم أيضاً عمال مهرة في مختلف التخصّصات الصناعية والزراعية والتجارية والصحية وغيرها، لذا من الضروري أن نعيد تقويم وتصحيح التعليم التقاني والمهني بالفعل لا بالقول، وذلك من خلال فتح الأبواب أمام الخريجين الشباب للانخراط بسوق العمل بشكل فعّال، وخاصة بعد /10/ سنوات حرب اختلفت فيها وتعدّدت متطلبات واحتياجات البناء.

بالمختصر، يكفي تجاهل ماهية التعليم التقاني والمهني ودوره في بناء المجتمع، آن الأوان لتحويله إلى تعليم عالي الجودة بمناهجه ومخرجاته، وعلى الرغم من وجود كليات تطبيقية تهتمّ بذلك لكنها لا تكفي ما لم يكن هناك تعاون وشراكة في تأمين فرص العمل.

غسان فطوم