مجلة البعث الأسبوعية

الدعم الحكومي لا يكفي و”الخاص” متردد.. براءات الاختراع تصطدم بعقبة التمويل وقبول المستثمرين!

“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار

احتفلت وتفاخرت إحدى أشهر المجموعات العالمية لصناعة السيارات اليابانية، قبل أكثر من عقدين من الزمن، بأنها طرحت سيارة جديدة كلياً، سجلت من خلالها أكثر من مئتي اختراع جديد ليس في غيرها من السيارات، وذلك في سياق الاستراتيجية اليابانية للمنافسة في هذه الصناعة مع أشهر وأعرق المنتجين حول العالم (ألمانيا).. مربط الفرس- بطبيعة الحال- ليس كسب جولة المنافسة وحسب، بل الإثبات الحضاري للأمة اليابانية الحريصة على تصدر قوائم الإبداعات والاختراعات في المجالات كافة.

إذا كان العالم يتسابق لتسجيل وإضافة براءات اختراع جديدة، كل يوم تقريباً، فماذا عنا نحن الذين تنقصنا مثل هذه البراءات في شتى مناحي الحياة؟ ما الذي قدمناه لمخترعينا؟ ماذا عن الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء؟ وكيف ينظر مستثمرونا للجهود المحلية في هذا الاتجاه، في وقت يُنتظر منهم توطين الإبداعات والاختراعات، عبر مساعدة أصحابها على تحويل الأفكار والمشاريع إلى منتجات ملموسة تلبي حاجات محلية، نحن أحوج ما نكون إليها في زمن الندرة وشح الموارد، وبالتوزاي مع البرنامج الحكومي الداعم لإحلال بدائل المستوردات، ما يسهم في تأمين البديل، وتوطين التقانة واقتصاد المعرفة، وتوفير قطع أجنبي على البلاد؟

 

بلا عوائد!

يعرض طلاب الكليات الهندسية في الجامعات المحلية (المعلوماتية والطبية والنسيجية والإلكترونية والميكانيكية، وغيرها..) الكثير من الاختراعات والابتكارات، سواء على شكل مشاريع تخرج أم مساهمات بحثية، ولكن الكثير منها – مع الأسف – لا يجد طريقه إلى الإنتاج، فقد احتوى معرض جامعة دمشق الهندسي، الذي أقيم العام الفائت، ابتكارات ومشاريع إبداعية، ومن هذه المشاريع، على سبيل المثال، ذراع “روبوت” صناعي لخطوط الإنتاج، وجهاز محمول لتخطيط القلب، وجهاز تحكم بكراسي العجزة بوساطة الحركة أو العين، وجهاز لمعالجة القماش ضد الحريق، وطابعة ثلاثية الأبعاد، ومصعد لذوي الاحتياجات الخاصة، وثلاجة تعمل على التيار المستمر (12 فولت)، وجهاز تحكم كامل بالبيوت البلاستكية، وغيرها الكثير..

 

مخاوف المستثمرين

وتكاد تعاني الاختراعات الجديدة والبحوث العلمية من المشكلات ذاتها، بصرف النظر عن القطاع الذي تتحرك فيه. ويلخص رئيس قسم هندسة ميكانيك الصناعات النسيجية وتقاناتها في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، في جامعة دمشق، الدكتور طاهر رجب قدار، هذه المعاناة بضعف الإمكانات المادية، وتحديداً التمويل وآليات الصرف، ومتابعة إجراءات تسجيل براءات الاختراع محلياً ودولياً..

ويقول قدار الذي خاض الكثير من التجارب، سواء الشخصية أم تلك التي تتعلق بالإشراف على مشاريع التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه، إن المشكلة التالية لتسجيل البراءات تكمن في ضعف البيئة الاستثمارية، أي تصنيع وإنتاج الاختراع بشكل كمي، وطرحه في السوق كسلعة جديدة ومنافسة في السعر والجودة، وهنا غالباً ما يبدي قطاع الأعمال بعض المخاوف تجاه الاختراعات الجديدة، ويحجم عن دعمها وتبنيها، فهي بنظره غير مكتملة، وينقصها الوصف الفني والتنفيذي ودراسات الجدوى الاقتصادية، وغير ذلك من هذه المخاوف..

مع الأسف الشديد، ما زالت هناك فجوة كبيرة بين المخترعين وقطاع الأعمال، وهي فجوة لن تردم إلا بثقة الفريق الثاني بأفكار وإبداعات الأول، فالمستثمر المحلي ينظر إلى الجهد المحلي في هذا الجانب بعين الشك والريبة، خاصة وأنه يقارنه بنظيره العالمي الأكثر تقدماً وتطوراً والمعروف النتائج!

 

دعم لا يفي بالغرض

لا يمكن للدعم المالي المتواضع الذي يتلقاه الباحثون وأصحاب براءات الاختراع، لدينا، أن يفي بالغرض، وأن يحدث أثراً نوعياً، سيما في ظل زيادة تكاليف الإنتاج لأي مشروع، مهما بدا بسيطاً ومحدوداً.. فمثلاً، وقعت الهيئة العليا للبحث العلمي، نهاية العام الفائت، عقود دعم مالي لمشاريع بحثية تطبيقية قدمها 14 باحثاً بقيمة إجمالية 180 مليون ليرة سورية، حيث شملت هذه المشاريع قطاعات تنموية في الصحة والزراعة والمال والاقتصاد والبيئة، وذلك في إطار الخطة الوطنية المستندة إلى السياسة الوطنية للعلم والتقانة والابتكار، التي وضعتها الهيئة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وعدد من الوزارات ذات الصلة، ما يعني أن متوسط نصيب كل مشروع من هذه المشاريع هو أقل من 13 مليون ليرة، فما الذي يمكن أن يقدمه هذا المبلغ المتواضع لمشروع ناشئ دونه الكثير من العقبات والمخاطر؟!

ومن نافل القول أن الاستفادة من مخرجات البحوث العلمية، ونقل براءات الاختراع من الأدراج والأوراق إلى حيز التطبيق، يحتاجان إلى دعم مالي مختلف.. إلى دعم لا تتبناه الدولة بمعزل عن القطاع الخاص الذي لا بد وأن يؤدي دوراً مهماً في هذا الدعم بوصفه شريكاً في التنمية، ومستفيداً من نتائج هذا التطبيق، أسوة بما هو متبع حول العالم، حيث يقتصر دور الدولة في الإنفاق على المشاريع الإستراتيجية، أما الجزء الأكبر من براءات الاختراع والبحوث العلمية، فينفق عليها القطاع الخاص، بل ويشجعها ويرعاها، بدءاً من ولادة الفكرة، لأن الباحث أو صاحب الاختراع في الغالب يعمل لصالح أقسام التقانة والتطوير في هذه الشركة أو تلك..

 

آخر البراءات المسجلة

ينشر مكتب البراءات السوري، التابع لمديرية حماية الملكية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، على موقعه على الإنترنت آخر براءات الاختراع المسجلة للعام الفائت؛ ومن هذه البراءات نذكر:

معلق مبيد للآفات أساسه الزيت

مولد الهيدروجين النقي

عدسة قابلة للطي أحادية القطعة للتعليق بالصلبة

الكشف النوعي لغش الفستق الحلبي بالبازلاء باستخدام تقنية البلمرة (PCR)

مفصلة إطباقية ذات إغلاق مخمد

جهاز الأمان للمقبس الكهربائي

متحكم تتبع شمسي بحركة دوران قوسية

جهاز الإرقاء الثانوي (الضاغطة الفخذية)

استخدام الكيتوزان المعدل والملون طبيعيا بالوساطة الإنزيمية في التغليف الحيوي للحوم الطازجة

بلوك للبناء الذكي (مقاوم، عازل، خفيف)

إضافة للكثير من هذه البراءات..

ويحدد المكتب الشروط اللازمة لتسجيل البراءات، وإضافة للشروط المتعلقة بالاستمارة وغيرها يضع أخرى تتعلق بمواصفات الاختراع، وعناصر حمايته، والوصف الكامل له، من حيث خلفية هذا الاختراع، وشرح مختصر للرسوم المتعلقة به، وشروط عناصر الحماية، أي الجديد والمبتكر في الاختراع الذي يحمى لأجله، إلى جانب الرسوم التوضيحية التي تغطي جوانب هذا الاختراع كلها، علما أن هذه الشروط تنسجم وتتطابق مع ما هو معمول به دولياً، وذلك بالنظر لأن سورية انضمت لكل الاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة، ومنها اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883، ومعاهدة التعاون بشأن البراءات لعام 1970، واتفاقية مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات لعام 1891، واتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) 1967.

 

معيار مهم

تعد كثرة براءات الاختراع وتنوعها أحد أهم معايير تطور الأمم، ودليلاً على نهضتها الصناعية والتقنية، فمثلاً بات يحسب للصين ألف حساب إثر تطورها المتسارع في هذا المجال الذي احتكره الغرب واليابان لعقود طويلة، فقد أزاح “التنين الصيني”، عام 2019، ولأول مرة، الولايات المتحدة الأميركية عن عرش براءات الاختراع الذي ظلت تتربع عليه منذ أكثر من 40 عاماً، عندما أحدثت وكالة تسجيل براءات الاختراع التابعة للأمم المتحدة.

وقالت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو)، التي تشرف على نظام يُمكن الدول من تبادل الاعتراف بالبراءات، إنها سجلت للصين 58990 براءة، مقابل 57840 للولايات المتحدة، حيث ظل عملاق الاتصالات الصيني “هواوي” الشركة الأكثر تسجيلاً لهذه البراءات للعام الثالث على التوالي، مبينة أن هذا البلد رفع، خلال 20 عاماً، عدد براءاته إلى مئتي ضعف، علماً أن أكثر من نصف طلبات التسجيل بات يأتي من آسيا، التي تحتل فيها اليابان المركز الثالث عالمياً، تليها ألمانيا وكوريا الجنوبية.