صحيفة البعثمحليات

تحضير البنى التحتية لأتمتة التقاضي.. وقريباً بوابة الكترونية للخدمات العدلية

لا يكاد يخلو حديث عن مكافحة الفساد من ربطه بمشروع الأتمتة والحكومة الالكترونية والدفع الالكتروني، فالتطور التكنولوجي الذي تأخرنا كثيراً بمجاراته بات معياراً لمدى شفافية أي إجراء كان، ومع الحث والتركيز على الإسراع بخطوات الأتمتة على جميع الأصعدة وفي مختلف القطاعات، أصبح الارتباط بينها وبين تحقيق العدالة ارتباطاً وثيقاً، حيث الحد من التدخل البشري والمصالح وحلقات الفساد، ليستعاض عنها ببيانات وأرقام على مرأى من الجميع، ومن هنا يمكن اعتبار أن مشروع أتمتة عملية التقاضي والخدمات المقدمة من وزارة العدل أحد أكثر المشاريع إلحاحاً في الظرف الحالي لارتباطها وانعكاسها الفوري على مختلف القطاعات، فالثقة بالمنظومة القضائية تنعكس استقراراً اجتماعياً واقتصادياً يحتاجه أي مشروع مقبل.

شفافية

بعد إطلاق مشروع الإصلاح الإداري، ازداد التركيز على مشروع أتمتة التقاضي لدوره في الحد من الفساد، وتقديم مزيد من الشفافية في العمل، وفي تفاصيل هذا الدور، يقول معاون وزير العدل القاضي تيسير الصمادي إنه يبسط الإجراءات، ويحقق الشفافية في كل مراحل التقاضي، إضافة إلى التوزيع العشوائي للدعاوى عند التسجيل، بما يحقق الاستقلالية عن أي تدخل بشري، وتقديم طيف واسع من الإحصائيات لمساعدة المشرع أو الوزارة على اتخاذ القرارات اللازمة لجهة تعديل القوانين، أو سن قوانين جديدة، ويمكّن المشروع من تحقيق العلنية في جلسات المحاكمة من خلال عرض ما يكتب خلال الجلسة على شاشات كبيرة أمام جميع الأطراف، فضلاً عن توثيق المعاملات الكترونياً وأرشفتها وحفظها من التلف والضياع والتلاعب.

الاستغناء عن الكتابة

لم تكن خطة العدل في تطبيق الأتمتة مستقرة، بل اصطدمت بعوائق عدة، أولها الحرب التي عطّلت التطبيق لسنوات عدة بعد أن خربت التجربة الأولى بالكامل، حيث يوضح الصمادي في حديثه لـ “البعث” أن البداية الفعلية كانت في 2007 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واختيرت حينها عدلية درعا لتكون مركز انطلاق المشروع، فبدأ تطبيق أول نسخة من برنامج أتمتة المحاكم في 2010 على المحاكم المدنية بدرعا، واستمر العمل المؤتمت في هذه المحاكم بشكل كامل حتى الشهر الثالث من 2011 حين تعرّض القصر العدلي في درعا للحرق والتخريب على أيدي الجماعات الإرهابية، ونتج عن ذلك حرق كافة تجهيزات المشروع، وقسم المعلوماتية الملحق ببناء القصر العدلي في درعا، ما أدى إلى توقف العمل نهائياً.

إعادة إحياء المشروع للمرة الثانية كانت في 2014 بعد التعاون مع المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، فأعيد بناء برنامج الأتمتة، وفي الشهر الرابع من العام نفسه تم تطبيق البرنامج في المحاكم المدنية في عدلية ريف دمشق (البداية والاستئناف) في بناء المرجة بعد تجهيزه بالمعدات الحاسوبية والشبكية اللازمة، ومازال العمل مستمراً حتى اللحظة، حيث تم الاستغناء عن قلم الكتابة نهائياً، وفي كافة مراحل الدعوى.

طموح!

ووفقاً للقاضي الصمادي فالعمل متواصل لتعميم العمل المؤتمت على كافة عدليات القطر بعد تأمين البنية التحتية اللازمة لها في أقصر وقت ممكن، بل إن الوزارة “طموحة جداً” في هذا السياق، حسب تعبيره، حيث وضعت في حساباتها الوصول إلى برامج أتمتة ذكية تقدم تلميحات وإشعارات في كل مرحلة من مراحل التقاضي، كما تخطط للاستفادة من تطور التكنولوجيا لربط المحاكم بدوائر تلفزيونية، ما يمكّن القضاة من الاستماع للشهود خلال تواجدهم في محافظات أخرى، أو حتى في دول أخرى، وذلك ضمن ضوابط قانونية.

ويشير الصمادي إلى تجهيز الوزارة لإطلاق بوابة الكترونية خاصة بها عبر موقعها الجديد تقدم العديد من الخدمات العدلية وفق ضوابط قانونية مثل الاستعلام عن دعوى أو وكالة ما، أو خدمات تصديق الوكالات العدلية، أو تسجيل الدعاوى من المحامين، كاشفاً عن العمل حالياً على تطوير برمجيات لأتمتة محكمة النقض، وكافة الإدارات القضائية مثل إدارة التشريع والتفتيش والمكتب الإداري.

تجهيزات

ومن الناحية اللوجستية، يوضح معاون وزير العدل أن الوزارة أبرمت العديد من العقود لتأمين البنية التحتية اللازمة لبعض العدليات، حيث تم تأمين التجهيزات التقنية من حواسب ومخدمات وطابعات وماسحات ضوئية لعدليات دمشق وريفها والسويداء وحلب، إضافة لإبرام عقد لتأمين التجهيزات اللازمة لمحكمة قضايا الإرهاب، ليتم قريباً إطلاق العمل المؤتمت فيها، ثم الانتقال إلى باقي العدليات المجهزة.

واقع مترهل!

“طموح” الوزارة الكبير يثير العديد من التساؤلات عن مدى ملاءمته للواقع، فالتكاليف لهكذا مشروع أكبر من الميزانية المتواضعة للوزارة، لاسيما مع المتغيرات اليومية في الأسعار، فضلاً عن البنى التحتية التي لا ترقى لتكون محاكم ومجمعات قضائية أساساً، وهذا ما لم ينكره الصمادي، حيث أشار إلى سوء الأوضاع في الأبنية التابعة للوزارة، خاصة أن أغلبيتها أبنية مستأجرة وغير مخصصة لتكون محاكم أو قصور عدل، بالإضافة لضعف التجهيزات أو انعدامها فيما يخص دارات الاتصال بين المحاكم والإدارة المركزية، والتي تفرض على الوزارة البحث عن وسائل اتصال بديلة غالباً ما تكون مكلفة أو ضعيفة الأداء، ويصطدم تطبيق المشروع أيضاً بنقص الكادر البشري والفني في الوزارة، وتتسبب العقوبات بارتفاع قيمة التجهيزات لأضعاف ما كانت عليه.

 ريم ربيع