مجلة البعث الأسبوعية

تعجبين من سقمي.. صحتي هي العجب!..

د. مهدي دخل الله

عشر سنوات من حروب متعددة الأشكال والمضامين ضد بلد صغير لاذنب له سوى أنه يريد أن يكون مستقلاً في منطقة عزّ فيها الاستقلال . لا يهمني في هذه العجالة تقييم هذه الحروب وطاقاتها التدميرية المخيفة ، مايهمني هو المقارنة بين مدى تصدي الشعب السوري وقدرته على التحمل بالمقارنة مع شعوب أخرى خاضت حروباً بغض النظر عن أسباب الحروب أو نتائجها..

لنأخذ مثلاً الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية تم ألمانيا وإيطاليا وغيرهما من الدول . الهجوم النازي على الاتحاد السوفيتي كان أقل وطأة من الحرب ضدنا لعدة أسباب، من أهمها  أن الاتحاد السوفيتي كان دولة عظمى كبيرة وقدراتها العسكرية والاقتصادية متوازنة مع قدرات عدوها ألمانيا . إضافة إلى ذلك فإن الحرب طالت القسم الأوروبي من الاتحاد السوفيتي فقط بينما بقيت غالبية الأراضي الروسية الشاسعة في آسيا خارج نطاق الحرب مع كل ما تحمله من منتوجات زراعية وصناعية وخامات ومعاون . ثم هناك سبب ثالث وهو أن إرهاب العصابات لم يستخدم في العدوان على نطاق واسع . وسبب رابع مفاده أن التطور التكنولوجي لوسائل القتل والتدمير كانت متواضعة بالمقارنة مع عصرنا الحاضر . أما السبب الخامس فهو أن الحرب امتدت أربع سنوات ونيف فقط بينما هي عشر سنوات عندنا ومازالت مستمرة..

المقارنة بين الحرب علينا وعلى السوفييت تؤكد ان الحالة عندنا أصعب لعشرات المرات من الحالة السوفييتية ، لكننا صمدنا وتصدينا في أوضاع لا يوجد فيها أي توازن عسكري أو اقتصادي أو مالي أو تكنولوجي بين المعتدي والمعتدى عليه. ناهيك عن استخدام تكنولوجيا متطورة في الحرب الإعلامية والنفسية والديبلوماسية علينا وكلها كانت ذات مستوى متواضع أيام الحرب العالمية الثانية.

خسائر السوفييت المدنية كانت هائلة . المعلومات الرسمية تفيد بمقتل ثمانية عشر مليون مدني ( و8 مليون من الجنود) ، إضافة إلى موت مليونين وربع المليون إنسان من الجوع ناهيك عمن عاشوا بصعوبة بعد أن أكلوا أوراق الشجر والعشب. هكذا كان في إيطاليا أيضاً وفي ألمانيا والوضع أكثر صعوبة في دول أوروبا الشرقية الفقيرة .

زارنا قبل فترة وفد من أحد الأحزاب اليمينية في أوروبا وطلب أن نفسر له أمرين : كيف استطاعت سورية ان تصمد ميدانياً وشعبياً في وجه آلة حربية مدمرة ، ومن جهة ثانية تساءلوا كيف تم هذا الصمود دون إعلان حالة الطوارئ والنفير العام ومنع التجول في جميع المدن ليلاً وفرض ضرائب ورسوم إضافية (رسوم تمويل الحرب) وعدم تطبيق اقتصاد الحرب المقنن؟؟

قالوا لنا أن الدول كلها تفعل ذلك في حروب أقل من الحروب عندكم فكيف نجحتم أنتم في استغنائكم عن هذه الأمور المؤلمة؟

أما سعر العملة الوطنية فحديث آخر له شجون وشؤون . أذكر هنا فقط صورة تلك المرأة الألمانية التي لديها كمية هائلة من العملة الألمانية وقد أشعلت بها النيران كي تتقي بحرارتها قسوة البرد، لأن تلك العملة لم يكن لها قيمة تذكر..

ينطبق علينا قول الشاعر : تعجبين من سقمي.. صحتي هي العجب!..