ثقافةصحيفة البعث

مازلت أحلم أن أكون معلمة

“ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟”، هذه الجملة والتساؤل كانت موضوعاً لمادة التعبير في الصف الخامس الابتدائي، أذكر يومها أن جميع الطلاب كانوا متحمّسين لكتابة هذا الموضوع، والجميع يملك إجابات مسبقة وقرّروا مصيرهم، ومدركين تماماً ما سيكونون في المستقبل، وطبعاً أغلب الأجوبة كانت بأن أحدهم يريد أن يكون طبيباً ليشفي المرضى ويساعد المحتاجين منهم، أو كطموح أعلى بأن يكتشف لقاحاً أو دواء لمرض مستعصٍ، وبهذه الحالة يكون أصاب الطالب عصفورين بحجر واحد: طبيب وعالم في الوقت نفسه، وبالانتقال لمهنة أخرى يرغب البعض بدراسة الحقوق ليكون محامياً يدافع عن المظلومين أو قاضياً ينصف المتخاصمين، وبعض الفتيات كنّ يرغبن بأن يكنّ طبيبات أو الذهاب لدراسة الصيدلة، وأتذكر أن بعضهن أردن أن يكنّ أمهات متنازلات عن كل دراسة على اعتبار مهمّة الأم أسمى من أي وظيفة.

أما أنا فقد وقفت حائرة لا أعرف ماذا أريد، فأنا كطفلة كان جلّ اهتمامي هو كيف سأنتهي من كل الوظائف وأذهب للعب مع أصدقائي، عدتُ للمنزل حائرة فسألت أخي: “ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟” فأجابني بأنه يريد أن يدرس الآثار لينقب عن الكنوز ويكتشف أشياء من التاريخ الغابر، ثم أعاد التفكير قليلاً ليغيّر إجابته بأنه يريد أن يكون رائد فضاء، مرة أخرى لم يساعدني في العثور على إجابة!.

حسدت الجميع فكلهم يملكون الإجابة، وبقيت أياماً لا أعرف ماذا سأكتب، وأبي يقول لي اكتبي أي شيء ثم فتشي عن شيء تحبينه، فبقيت شاردة أنظر للورقة فكتبت بأني أريد أن أكون معلمة ولا أذكر بقية ما كتبت، فقط أعرف بأنني قد أنهيت وظيفتي.

مرّت الأعوام وما زال ذلك السؤال يلاحقني، فأنا لا أريد أن أكون طبيبة أو ممرضة ولا محامية، عندما دخلت الجامعة كنت قد درست التاريخ وفي السنة الأخيرة من دراستي قمت بتقديم طلب لإعطاء دروس في إحدى المدارس الابتدائية، وبدأت وقتها بالتدريس لصفي الخامس والسادس، أذكر إلى الآن متعتي الكبيرة في إعطاء مادتي الأحب إلى قلبي.

في إحدى المرات جاء طالب إليّ يريد أن أعطيه أسماء كتب ليقرأ عن التاريخ أكثر، فهو كان يستمتع عندما أقصّ له عن شخصية ما أو حرب أو واقعة حدثت في الماضي، فقال لي بأن الحصة الوحيدة التي يحبها جداً هي حصة التاريخ فهو من خلال هذه الدقائق البسيطة التي كنت أروي فيها عن شخصيات تاريخية عديدة من داخل المنهاج ومن خارجه أحياناً، يذهب إلى عالم آخر يستمع لحكايا أشخاص آخرين بعيدين عن واقعنا!.

وقفت مذهولة من تعبير الطالب عن محبته لتلك المادة التي يعتبرها أغلب الناس “ناشفة” ولا قيمة لها، يومها أعطاني ذلك الفتى الصغير إجابتي الضائعة، فأجمل ما يمكن أن يحصل المرء عليه هو النتيجة المباشرة لعمله، ولم يعرف الطالب مدى تأثير كلماته الجميلة وبأن فعلته البريئة أضاءت قلبي.

عُلا أحمد