تحقيقاتصحيفة البعث

الأم السورية.. اعتزاز وشموخ ومدرسة لبناء الإنسان

تتمتّع المرأة السورية بإرث حضاري وثقافي عريق اكتسبت منه القوة والعطاء، فهي حفيدة عشتار الأم السورية الكبرى رمز الحب والسلام التي منحتها هبة العطاء، وزنوبيا التي أورثتها العزة والكرامة والنضال من أجل شعبها وأهلها، حيث رسمت عبر الزمان أساطير التضحية والمقاومة في وجه أعداء وطنها وأرضها، هي تلك الفلاحة التي زرعت القمح وصنعت الخبز وملأت البيادر بالغراس المثمرة والسنابل الذهبية، وأخرجت من جعبتها طيبات الأرض وجنت المحاصيل ولوّنت المواسم بعملها وكفاحها، لكنها نالت نصيبها من الحروب والمآسي عبر رحلتها الإنسانية، وأثبتت للوجود أنها الأم التي لا تخضع ولا تركع أمام الصعاب، فقد اعتزت بحريتها وشموخها، وكانت الشاعرة والأديبة وسيدة الأعمال والمقاتلة والحبيبة التي يتغزل بها الفرسان، ومازالت إلى الآن تحتفظ بهيبتها وتمارس دورها في بناء المجتمع وتقف إلى جانب الرجل كتفاً بكتف لتكمل رسالتها الإنسانية والحضارية.
تضحيات
الأمومة لدى المرأة السورية لم تقف عند حبها لأبنائها فقط، فهي أم لكل طفل يحتاج رعايتها وحنانها.

الشاعرة مادلين إسبر تحدثت عن الأم السورية وكيف عانقت سماوات المجد بصبرها وكفاحها وحبها لأبنائها، وهي التي قدمت للوطن أعز ماتملك في هذه الدنيا، دم أبنائها الذي لا تعادله ثروة في العالم في سبيل كرامة وعزة الوطن، ليس غريباً علينا هذا النوع من الحكايات، فالأم السورية رمز العطاء منذ آلاف السنين، وهذا ما أثبتته خلال الحرب على سورية، إذ لم تقف مكتوفة الأيدي بل ساهمت في هذه الحرب بكل الميادين، وحملت السلاح إلى جانب أبنائها في ساحات القتال. وتضيف إسبر: الأم في سورية لا تشبه باقي الأمهات في العالم، فهي تملك جانباً إنسانياً عالياً في تحمّل واجباتها نحو أبنائها، ولا تكترث لأعمارهم، فمهما تقدموا في السن يبقون بعيونها “صغارها” الذين يحتاجون لحضنها الدافئ وحبها وحنانها، الأم السورية هي التي زرعت في نفوس أبنائها حب الأرض والوطن، وعلمتهم أن الإنسان من دون وطنه يكون من دون كرامة وشرف، لذلك دفعتهم إلى ساحات القتال وباركت لهم عزيمتهم ونضالهم في وجه أعنف حرب يمر بها بلد في هذا العالم، وهنا يكمن سر انتصارنا وتغيير موازين العالم.
ظروف اقتصادية
لم تكسر الظروف الاجتماعية والاقتصادية عزيمة الأم السورية، فهي التي تصنع المعجزات من أجل أبنائها.

سيدة الأعمال هوري كوشكيريان بيّنت قدرة الأم السورية على تجاوز مصاعب الحياة، وخاصة الاقتصادية، من خلال الأعمال في مختلف المجالات، فقد تمّ التعاون معهن للترويج لمنتجاتهن في الخياطة والطبخ وصناعة المربيات وغيرها، إلى جانب تربيتهن لأبنائهن ،ونحن نعمل بشكل دائم على إقامة المعارض لتصريف تلك المنتجات ومساعدتهن في تأمين لقمة العيش لأطفالهن. وتضيف هوري: الأم في سورية عانت الكثير، فمعظمهن خسرن الأبناء، ومنهن من يتحملن مسؤولية إعالة أبناء تعرضوا للإعاقة الكلية أو النصفية نتيجة الحرب مما زاد عليهن الأعباء الاقتصادية. لكن على الرغم من ذلك فالأم مستمرة في عملها ونشاطها وإنتاجها، وهي تستحق منا الرعاية الكاملة التي نقدمها عبر جمعية القلب الأبيض، حيث نقدم لها كل مانستطيع من معونات وهدايا ورعاية لأبنائها، وأنا كأم سورية أرعى العديد من الجمعيات المتعلقة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وأقدّم من خلال جمعيتنا المساعدة المطلوبة لهم، فهم أطفالنا أيضاً ولن نتخلى عن مسؤوليتنا اتجاههم.
رعاية الأمومة
تتلقى الأم في سورية الرعاية لها ولأبنائها في جميع المحافظات وأريافها عبر الكثير من الجمعيات الرسمية والأهلية. وهنا تقول الدكتورة رنا الموصلي: نعمل عبر جمعية تنظيم الأسرة السورية لحماية الأم من خلال التعاقد مع العديد من العيادات الطبية لنشر الوعي الصحي، وتقديم العلاج للأمهات وأبنائهن في تلك العيادات بأسعار رمزية، وهذه العيادات مسؤولة عن صحة الأم وطفلها وخاصة خلال الحرب، كما نعمل بشكل دائم على تسيير عيادات متنقلة للوصول إلى الأرياف البعيدة ومتابعة أحوال الأم السورية وتقديم المعونة اللازمة لها، إضافة إلى نشر التوعية فيما يتعلق بالأمراض الجديدة مثل الكورونا، حيث التقينا بالأمهات وأوضحنا لهن خطورة هذا المرض، مع نشر الملصقات لزيادة الوعي لديهن للمحافظة على سلامة الأبناء، وتقديم اللقاحات الدورية بالتعاون مع وزارة الصحة، وذلك في سبيل رعايتها ورعاية أبنائها. وتتابع الموصلي: كل مانقدّمه للأم السورية هو جزء صغير أمام ماتقدمه من تضحيات في سبيل الوطن والبلد، فهي قدمت أعز ماتملك ومازالت إلى الآن صامدة أمام كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتبني جيلاً يحافظ على كرامته وعزته ويقف أمام قوى الاستعمار.
دعم أهلي
الأم السورية هي تلك العاملة والطبيبة والفلاحة والمعلمة التي تبني الأجيال، وتغرس فيهم القيم الإنسانية والأخلاق الحميدة والتي استطاعت رغم كل الظروف أن تبقى سنداً لأسرتها وأبنائها. وتشير الموصلي إلى التأثير الكبير لتلك التضحيات التي تقدّمها الأم في وطننا، فهي تنعكس على المجتمع بأكمله ليصبح أكثر قوة وثباتاً، لذلك فهي تستحق الرعاية الكاملة والاهتمام عبر المراكز الطبية وغيرها من الجمعيات الأهلية التي تُعنى بالأسرة، ومازلنا نعمل إلى الآن لتحديث القوانين والأنظمة التي تساهم في تعزيز مكانتها في المجتمع وحماية أبنائها ورعايتهم.
ميادة حسن