تحقيقاتصحيفة البعث

في عيد الأم.. أمهات الشهداء منارات تهدي الأجيال

باقات من الورود المعطّرة من أرض الأرياف يحملنها بين ضلوعهن في صباح عيدهن، ليفرشنها على قبور فلذات أكبادهن ممن قدموا أرواحهم قرباناً لتراب وطنهم الأم، ففي يوم الأم لم تعد الكثير من الأمهات الثكالى ينتظرن أصوات أيدي أبنائهن وهم يقرعون باب المنزل لتقديم التهنئة والهدايا لهن في هذا اليوم، لتنعكس المعادلة بعد سنوات الحرب وتصبح الأمهات السوريات هن من يبحثن عن أبنائهن الشهداء ويقدّمن الدموع والدعوات الطاهرة لهم في جميع المناسبات والأعياد.
هدية الأمهات
كباقي المناسبات يمضي يوم الأم مرتدياً الوشاح الأسود ومثقلاً بالأوجاع والحسرة في قلوب أمهات الشهداء اللواتي يبحثن عن رائحة أبنائهن في وجوه أصدقائهم وأحبائهم ممن شاركوهم جبهات القتال. فأم سمير (أم لشهيدين) فقدت أبناءها في أقل من عام، لكنّها كباقي الأمهات السوريات اللواتي ضربن أروع الأمثلة في الصبر والتحمّل والقدرة على العطاء حتى لو كان العطاء هو دم أبنائهن، تتحدث في هذا اليوم وهي تستذكر بطولات أبنائها وشجاعتهم، وتضمّ صورهم إلى صدرها معتبرة أن هدية الأمهات في عيدهن أن تبقى سورية حرة بوحدتها الوطنية، وألا تذهب تضحيات أبنائها وأبناء الوطن فداء لأمن سورية واستقرارها سدى.

وفي منزل أم أحمد تفوح رائحة البخور وتستوقفك صور الأشقاء الثلاثة الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب هذا الوطن، هذه الأم التي تحدثت عن أبنائها الذين ربّتهم منذ صغرهم على حب الوطن وحب الناس ومساعدتهم، وزرعت فيهم منذ نعومة أظفارهم حب الخير لجميع الناس ومساعدتهم والحفاظ على الوطن وسمعته وأمنه، وعندما سمعت نبأ استشهادهم لم تحزن بل فرحت كونهم نالوا شرف الشهادة التي تمنوا دائماً أن ينالوها منذ التحاقهم بالقوات المسلحة. في المقابل تصرّ أم ضياء على الاحتفال في هذا العيد في مقبرة ابنها وقراءة القرآن الكريم على روحه وأرواح الشهداء العطرة. وكذلك والدة الشهيدة سهيلة افتخرت بشهادة ابنتها التي ارتقت في ريف دمشق، مؤكدة أنّ جميع أبنائها فداء لهذا الوطن، أملاً بعودة الروح إلى أمُنا الأولى سورية بلد العزة والكرامة، داعية الله أن تكون ابنتها من أواخر شهداء هذا الوطن وأن تتوقف دوامة الدم في وطننا الأم سورية.
عظمة الأم
الأم السورية أدهشت العالم في سنوات الحرب بعطائها وصبرها، وهذا ليس بجديد عليها، فالخنساوات السوريات استطعن الوصول إلى ما لم تصل إليه الكثيرات في دول العالم. وتؤكد رشا شعبان (علم اجتماع) أن شهداءنا طلبوا الشهادة فنالوها، ولبّوا نداء الوطن حين ناداهم وكانت دماؤهم ثمن الأمان الذي نعيشه اليوم، فواجب على كل سوري اليوم البحث عن أمهات الشهداء وزيارتهن والتخفيف من حزنهن ووحدتهن في هذا العيد وباقي الأعياد التي يفتقدن أبناءهن فيها، لأن أم الشهيد هي الوحيدة التي أعطت من دون حساب ولم تنتظر مبادلة العطاء بعطاء آخر، لأنها تعطي من قلبها ومجاناً، فقد ضحت وقدّمت أغلى ما تملك ولن تعوضها أموال الدنيا عن تضحياتها، وفي عيدهن لا يمكن إلا أن يتذكرن فلذات أكبادهن، فلنبحث جميعاً عما يمكن أن يخفّف آلامهن وأحزانهن فهن جميعاً أمهاتنا، وهنّ من يليق بهن أن يكنّ أبطال هذا العيد، لأن أم الشهيد التي أنجبت أبطالاً عاشوا ليدافعوا عن أرض الوطن واستشهدوا ليسقوا أرضه عزة وكرامة تنحني لها الهامات وتطأطئ أمامها الرؤوس خجلاً من عظمتها.
لنا كلمة
إلى أمهات الشهداء الواقفات أمام قبور أبنائهن يستذكرن تضحيات وأصوات أبنائهن ممن تركوا أحلامهم معلقةً على سياج هذا الوطن، في عيد الأم وفي كل يوم، نقول لأمهاتنا: كل عام وأنتن العيد وأنتن مدارس الصمود والتحدّي.. لكل أم ضحّت وتضحي، ألف تحية إكبار، وألف قبلة على جبينكن.. كل عام وأبناؤكن منارات تهدينا إلى طريق السلام.
ميس بركات