أخبارصحيفة البعثمع الحدث

بوتين يحجّم بايدن وينعى إمبراطوريته

طلال ياسر الزعبي

يكاد الرئيس الأمريكي جو بايدن يستنسخ سياسات سلفه الديمقراطي بارك أوباما في كثير من المسائل، حتى إن المرء يعتقد للوهلة الأولى أن بايدن يتقمص شخصية أوباما إلى حد التماهي..

فساكن البيت الأبيض الجديد يصر على العودة بكثير من الملفات إلى المكان الذي توقفت عنده في عهد أوباما ابتداء بإعلان العودة إلى الاتفاق النووي حتى لو حاول تزيين ذلك بمحاولة التفاوض مع إيران على ملفات أخرى، مرورا بملف “داعش” الذي يعمل على إعادة تنظيمه واستخدامه لزعزعة الاستقرار في كل من سورية والعراق ولبنان، ومعلوم أن أوباما استثمر هذا التنظيم أثناء ولايته إلى أبعد الحدود، وليس انتهاء بإعادة ابتزاز الخصم الروسي وشيطنته عبر اتهامه إياه بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة أو بملف حقوق الإنسان والحرب السيبرانية، وغيرها من الاتهامات التي يحاول الأمريكي تثبيتها في سبيل تحقيق مراده بشيطنة روسيا الصاعدة.

ومن هنا استمرأ بايدن في حديثه الأخير اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوحشية، الأمر الذي أثار حفيظة بوتين واستدعى رداً مباشرا منه ليس على بايدن فقط، وإنما على الإمبراطورية الأمريكية كلها، وذلك في رسالة واضحة لبايدن وحكومته خاصة وللعالم عامة، بأن العهد الذي كانت فيه واشنطن تستخف فيه بالدول قد ولى، وبأن هناك من يستطيع في هذا التوقيت أن يوقف الإدارة الأمريكية عند حدها ويذكرها بماضيها، وأن العالم قد تغير، ولم يعد بمقدور واشنطن أن تقرر وحدها عن العالم فيما يتعلق بالقضايا الكبرى.

إذن حاول بايدن التسلق قليلا على أكتاف بوتين في محاولة لاستعراض قوته، ولكن الرئيس الروسي أبى إلا أن يسقطه ويعيده إلى حجمه الطبيعي، بل أعاده إلى الماضي القريب الذي تشكلت به الإمبراطورية الأمريكية على جماجم الهنود الحمر السكان الأصليين، وإلى حقيقة أن الحضارة الأمريكية ليست حضارة أصيلة، بينما الحضارة الروسية عريقة وضاربة في القدم والأصالة، وقد دعاه إلى مناظرة على الهواء مباشرة ليؤكد له ذلك، غير أن الأخير تذرع بجدول أعماله للتهرب، الأمر الذي أكد ما قاله بوتين ردا عليه…

فإذا كان بايدن قد غلف امتعاضه من قيام روسيا بالتحكم بملفات حاسة في الاقتصاد والسياسة حول العالم بهذا الهجوم على الرئيس بوتين، فإن الأخير استطاع بأسلوبه الهادئ والرصين أن يحجمه ويفضح السبب الرئيسي الذي دفعه لفعله هذا، وهو الشعور المتعاظم لدى الساسة والمنظرين الأمريكيين بأن العد التنازلي للإمبراطورية قد بدأ فعلا، وأن الزمن الذي كانت فيه واشنطن تقرر عن العالم قد ولى، وينبغي عليها أن تقرأ المشهد جيدا وأن تعمل بمقتضاه.