الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

القدس..!

حسن حميد

يكاد المرء، لولا الحياء، يخرج من ثيابه، وهو يرى الحال التي وصلت إليها الحياة الأسيفة في القدس العربية، فهي مثال الطهرانية، والعقيدة، والأحلام والمكان الأكثر عزة وكبرياء في نفوسنا حين نتحدث عن العقائد، والمعاني، والنورانية، ومع ذلك فهي منهوبة، على مدار الساعة من قبل شذاذ الآفاق الذين استولوا عليها، واغتصبوا كل جميل فيها، فها هم يشترون الأبنية المقدسة التي كانت مساجد وكنائس، بعد أن عطلوا أعمالها منذ احتلوها عام 1967، وها هم يشترونها ويحولونها إلى مطاعم، وفنادق، وملاه، ومقاهي، وعلى مرأى من العالم أجمع، وكأنها لم تكن في يوم من الأيام أمكنة للقداسة والطقوس الدينية الشريفة، وها هم يستولون على البيوت بذرائع وحجج واهمة فيخرجون أهلها منها بعدما استولوا على الكثير من العقارات بحجة غياب أهلها وقيدوها على اسم بلدية القدس، وحين عاد أهلها إليها وطالبوا بها تجاهلوهم، وجعلوهم ينفقون أعمارهم في أروقة المحاكم؛ وها هم يغلقون ساحات وشوارع وأحياء في القدس من أجل تنفيذ مخططات الطرق الالتفافية التي تسرق بيوت المقدسيين وأملاكهم جهاراً نهاراً، ولا ينالون من شكاياتهم ومناداتهم بعلو الصوت أن القدس تُسرق وتنهب إلا الخيبات لأن هذا الصوت لا يصل إلى مبتغاه، إنه يلد في القدس ويموت فيها، مما جعل المحتل الإسرائيلي يزداد عربدة وعنصرية وبطشاً ودمويةً، حتى المقابر صادروها، فكشطوا القبور من فوق الأرض وجعلوها عقارات مرة، وحدائق مرة، ومتاحف مرة ثالثة.

وها هم الإسرائيليون يمنعون أفواج الحجيج للديار الإسلامية والمسيحية من الدخول إلى الأسواق الفلسطينية تحت حجج واهية وتبريرات ساذجة إن لم تكن تافهة، وذلك من أجل تخريب الحياة الاقتصادية في القدس، بل من أجل إماتتها، فهم يعاقبون تجار القدس بمنع الحجيج من الدخول إلى محلاتهم، ويمنعون الأدلاء الفلسطينيين من الاقتراب من أفواج الحجيج الذين يروجون للبضائع المقدسية، وما من أحد يلتفتُ إلى هذه المحاولات الإسرائيلية التي تهدف إلى الاستيلاء على كل شيء في القدس، وتهجير المقدسيين بعدما ازداد الخناق اليومي عليهم.

إن انتشار مكاتب العقارات الإسرائيلية، ومكاتب الدعاية الإسرائيلية التي تروج لهجرة المقدسيين إلى أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا يومياً، وفي كل ساعة،.. تؤكد أن الإسرائيلي يقوم بكل أشكال الترهيب والترغيب كي يستولي على كل شيء في القدس، أي كي تهود القدس تماماً، وهي من أعز البقاع العربية رفعة وسمواً ومكانة! لهذا يتعالى السؤال، والحال مؤلمة ومؤسية، ما العمل؟! وهل يترك المقدسيون عزلاً لا حام لهم، ولا قانون يؤيدهم، ولا صاحب نخوة يشد من أزرهم؟! أجل، ما العمل؟! حتى بيانات الاستنكار والتنديد ضد همجية الممارسات الإسرائيلية باتت نادرة، وبيانات التضامن مع المقدسيين باتت هي الأخرى نادرة وأزيد!

بلى، كيف يحدث مثل هذا؟! وكيف يسكت أهل النبل على هذا الضيم، ونحن الذين كنا نتضامن مع أصحاب الحقوق في أقاصي الدنيا، والقدس اليوم لا تجد من يؤيدها، ولو بالصوت، وهي لبابة الحق وجوهره، وأن نجدتها هي المائز ما بين العدالة والظلموت، والوقوف معها، ومع أهلها هو وقفة الحق ضد الباطل، ووقفة الشجاعة ضد الموات والخذلان ودفن الرؤوس في الرمال!

Hasanhamid55@ yahoo.com