ثقافةصحيفة البعث

نوال السعداوي: أيقونة التمرّد النسوي

لُقّبَت بأيقونة التمرّد النسويّ وأمّ النسويّات وحين وصفت بأنها امرأة متوحشة وخطيرة، كتبت”أنا أقول الحقيقة.. والحقيقة متوحشة وخطيرة”.. إنها نوال السعداوي التي تعتبر أحد أهم منظّري “الموجة النسوية الثانية” وكانت قضيةُ المرأة هي شاغلها الأكبر، فظلَّتْ تكتب عنها وإليها فعرفت بالطبيبة المشاكسة والأديبةً المثيرة للأسئلة وقد اختارتها مجلة “تايم” الأمريكية ضمن أكثر 100 امرأة تأثيراً في العام فصممت غلافاً لها عنونته بـ”1981 نوال السعداوي: لا يمكنك أن تحظى بقوة من دون نساء”.

أنثى في عالم لا يريد إلا الذكور

كانت السعداوي أحد أكبر المطالبين بحقوق المرأة في المجتمعات العربية وفي العالم كله، وقد رحلت في يوم احتفالات البلدان العربية بعيد الأم، ولطالما اعتبرت الراحلة أمها زينب ملهمتها والشخص الذي أعطاها القوة والكرامة والإنسانة، فتقول وهي التي اشتهرت بمقولتها إنها ولدت “أنثى في عالم لا يريد إلا الذكور”: «كشفت في كتاباتي عن بعض المتناقضات الصارخة في حياة مجتمعنا، وفي حياة الأفراد من الرجال والنساء، لكن الأغلبية الساحقة من القرَّاء في مصر والبلاد العربية يعلمون أن ما أكتبه وما أعرضه ليس إلا القليل من الأمراض المتفشية عندنا، والتي لا يمكن علاجها إلا بمزيد من الشجاعة والصدق في كشفها وتشخيصها ومعرفة أسبابها الحقيقية”.

الخطر جزءاً من حياتها

كانت السعداوي ضد الحجاب، وتعدد الزوجات وعدم المساواة بين حقوق الرجل والمرأة في الميراث وعُرفت بانتقادها الصريح لظاهرة ختان الإناث التي تطاول الأكثرية الساحقة من المصريات بعدما خضعت لهذه العملية في سن السادسة، وعلى مدار حياتها ناضلت ضد ختان الإناث، واصفة إياه بأنه أداة لقمع النساء وقد تم تجريم عادة ختان الإناث في مصر عام 2008، بينما أدانت السعداوي استمرار انتشارها وكان من أشهر أقوالها «لقد أصبح الخطر جزءاً من حياتي منذ أن رفعت القلم وكتبت، لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب» وقد وصفتْ الكتابة في حياتها كحضن الأم، مثل الحب الذي يحدث بلا سبب، ومع ذلك لم تكفَّ عن البحث عن السبب. لماذا تكتب؟ في حين قالت عنها خديجة سيساي المؤلفة والناشرة البريطانية التي عملت وكيلة لها في لندن “أعي تماماً أن الناس لا يتفقون دوماً مع آرائها السياسية، لكن أكثر ما كان يلهمني بشأنها هو كتاباتها وما حققته وما مثله ذلك بالنسبة للنساء”.

صفة للرجل

من أشهر أقوالها أن الإنسان ليس مجرد جسد بل هو جسد وروح وعقل وفكر، وأن شرف الإنسان سواء رجلاً أو امرأة هو الصدق، صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال. الإنسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة، واحدة في العلانية وأخرى في الخفاء وإن المجتمع لا يستطيع أن يعترف أن المرأة تتفوق وتنبغ دون أن تتحول إلى رجل، فالتفوق والنبوغ في نظر المجتمع صفة للرجل فحسب، فإذا ما أثبتت امرأة ما نبوغها بما لا يدع مجالاً للشك اعترف المجتمع بنبوغها وسحب منها شخصيتها كامرأة وضمها إلى جنس الرجال.

مذكرات في سجن النساء

بدأت نوال السعداوي الكتابة مبكراً، فكانت أولى أعمالها عبارة عن قصص قصيرة بعنوان “تعلمت الحب” في عام 1957، وتكلمت في هذا الكتاب عن شخصها بشكل مباشر وعن الانعكاسات التي عاشتها كمؤلفة وأيضا كطبيبة، وشرحت أن المجتمع بحاجة أكيدة للحب، في حين كانت أولى رواياتها هي “مذكرات طبيبة” عام 1958، وجسدت فيها تجربة إنسانية تضمنت مشاهداتها لبؤس الوضع الصحي لفقراء المصريين، وفي عام 1972 نشرت كتاباً بعنوان “المرأة والجنس”، مواجهة بذلك جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان والطقوس الوحشية التي تُقام في المجتمع الريفي ضد المرأة، وفي عام 1983 أصدرت كتاب “مذكرات في سجن النساء” يمثل تجربة إنسانية حية عاشتها بعدما تعرّضت للسجن في فترة حكم الرئيس أنور السادات بسبب آرائها، ويبلغ مجموع ما صدر لها من كتبٍ أكثر من أربعين كتاباً أعيد نشرها وترجم بعضها إلى أكثر من عشرين لغة، وتدور الفكرة الأساسية لكتابات نوال السعداوي حول الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية، وتحرير الوطن من ناحية أخرى، في نواح ثقافية واجتماعية وسياسية.

حصلت السعداوي كما الفرنسية سيمون فاي والبلجيكية فري ليسين مبتكرة مهرجان كونستن الفني على وسام الدكتوراه الفخرية من جامعة بروكسل “أ ف ب” كما حازت على العديد من الجوائز، منها جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي عام 2004، وجائزة إينانا الدولية من بلجيكا في عام 2005، وجائزة ستيغ داغيرمان من السويد عام 2011، و رشحت لجائزة نوبل للآداب في 2015 وقد

شغلت العديد من المراكز المرموقة في الحياة الأكاديمية سواء في جامعة القاهرة داخل مصر أو في هارفرد، جامعة ييل، جامعة كولومبيا، جامعة السوربون، جامعة جورج تاون، جامعة ولاية فلوريدا، وجامعة كاليفورنيا، وكانت عضوا بالمجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية في القاهرة، وقد أسست جمعية التربية الصحية وجمعية للكاتبات المصريات. وعملت فترة كرئيسة تحرير لمجلة الصحة بالقاهرة، ومحررة في مجلة الجمعية الطبية.

لم أعد أخشى الموت

درست نوال السعداوي الطب البشري في جامعة القاهرة وتخرجت منها عام 1955، وتخصصت في الأمراض الصدرية. وبدأت حياتها المهنية كطبيبة صدرية في مستشفى القصر العيني وبدأ بعدها اهتمامها بالطب النفسي، كما انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتنال درجة الماجستير في علوم الصحة من جامعة كولومبيا في عام 1966. عملت في وزارة الصحة كمدير مسؤول عن الصحة العامة وكأمين مساعد في نقابة الأطباء، إلا أنه تمت إقالتها إثر كتابها “المرأة والجنس” عام 1972 في حين نشرت السعداوي روايتها الأخيرة بعنوان الرواية في القاهرة عام 2004، وكان آخر ظهور لها يوم 18 كانون الثاني 2021، حيث شاركت متابعيها صورة لها عبر حسابها الرسمي “تويتر”، مرفقة بتعليق:       “لقد انتصرت على كل من الحياة والموت… لأننى لم أعد أرغب فى العيش، ولم أعد أخشى الموت”.

أمينة عباس