ثقافةصحيفة البعث

“نساء لوركا” باكورة عروض “قومي” حمص

أغرتْ نصوص الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا معظم المشتغلين في المسرح حول العالم، فقُدّمت هذه النصوص ضمن توليفات ورؤى مختلفة تعبّر عن حالات إنسانية واجتماعية تصلح لمحاكاة الواقع في كل مكان.

إحدى هذه التوليفات اختارها المخرج المسرحي حسين ناصر لتكون باكورة أعمال المسرح القومي في حمص بعد التأسيس المتأخر، وهي مسرحية “نساء لوركا” التي جمعت شخصيات أربعة نصوص تراجيدية كتبها لوركا في فترات متباعدة، وهي “عرس الدم”، “يرما”، “بيت برناردا إلبا”، و”الآنسة روزيتا العانس”، أو “لغة الزهور”، والنصوص الأربعة تعالج قضية حرية المرأة واستقلالية قرارها في اختيار الشريك العاشق والزوج، ومعاناتها مع أسر العادات الاجتماعية التي تقيّد روحها وجسدها.

شاء المخرج المعدّ جمعها في فاجعة واحدة ضمن بيت برناردا إلبا المغلق والعصيّ على الانعتاق، والذي تخيّم عليه طقوس الحداد بعد رحيل الأب، جمع تلك الشخوص الأنثوية تحت سقف بيت برناردا الغاية منه تسليط الضوء على صراع محتدم بين جيل متسلّط متمسّك بقيود العادات الاجتماعية، وجيل يبحث عن نافذة مشرعة على المدى، وهو ما حاول المخرج الإيحاء به عبر الحركات التعبيرية الراقصة والموسيقى الحيّة المرافقة.

لم يقدّم ناصر في عرضه الذي بدأ الاثنين الفائت على خشبة مسرح ثقافة حمص، بنية درامية جديدة ومتناسقة بعناصرها الحكائية البنيوية المتكاملة، بل قام بنقل شخصيات من نصوص متعدّدة أضافها إلى نص بيت برناردا، وغيّب شخصيات من النص ذاته، فاستعار العروس وحبيبها فرناندو من نص عرس الدم، وروزيتا من نص حكاية العانس، وحضورها اقتصر على نطق المقطع الأخير من النص الأصلي، ويرما العاقر من نص يرما.

غاب الحوار المتماسك في العرض، لتبدو كل شخصية تحاور نفسها ضمن مونولوجات طويلة تحاكي حوارات مسرح العبث باستثناء العروس وحبيبها، وخاصة بالنسبة للمتفرج الذي تغيب عنه تفاصيل حكاية النصوص الأصلية، حيث سيقع في شرك متاهة لا نهاية لها، لأن المخرج والمعدّ لم يقم بتطوير شخصياته ضمن قالب درامي واحد يرتبط بحكاية تقليدية ذات بداية ونهاية، بل تركها كما رسمها لوركا ضمن تنويعات درامية متعدّدة جمعها المخرج، بطريقة النسخ واللصق إلى حدّ ما، على الخشبة دون الاشتغال عليها لإيصال رسالتها إلى المتلقي بيسر وسهولة!.

ثيمة تحطيم الجدار الرابع التي درج عليها عدد من مخرجي المسرح في حمص أصبحت نوعاً من العدوى والتقليد أكثر منها توظيفا دراميا يخدم العرض ويضيف عليه حالة تفاعلية مع الجمهور، يلجأ إليها بعض المخرجين دون الفهم العميق لماهيتها والوقت واللحظة المناسبين للاشتغال عليها، لذلك لم يكن نزول الممثلين عن الخشبة وتجوالهم بين الجمهور سوى تشتيت للانتباه في البحث عنها في عتمة الصالة التي تفتقر إلى الإضاءة الضرورية للاشتغال على العناصر المسرحية المساعدة، وقد كان حريّاً بالمخرج بناء عرضه وفق الإمكانيات المكانية المتاحة، لتعطي مفعولها ودورها في خدمة العرض، وليس بناء نص خارج المكان والفضاء المسرحي الذي سيشهد انبعاث الروح في النص.

ركّز المخرج حسين ناصر على تكوين الممثل كحامل للعرض دون اللجوء إلى العناصر الأخرى المساعدة، فقد وضع الممثل ضمن فضاء مفتوح فقير بمكملات السينوغرافيا سوى الأزياء التي أرادها ملائمة لوضع كل شخصية، وكذلك الموسيقا التي لجأ فيها إلى عازفين مشاركين بالعرض على الخشبة يرافقون الممثل بالحركة والكلمة، وقد أثبت أغلب الممثلات مقدرة على الخلق والإبداع وتقمّص الشخصية بفهم عميق لماهية دورها والانفعالات المعبّرة عن ملامح طبيعتها.

شارك في العرض مجموعة من الممثلين الموهوبين منهم: امتثال جمول، مايا الحسن، يارا رضوان، لمى شحادة، سلام الخضر، وجورج الحايك، واليسار إسبر. رافقهم في الموسيقا: حميد حاماتي “بيانو”، علي الصالح “كلارينيت”، وائل درويش “ايقاع”، علي الشيخ “غيتار”، كما شارك في العرض “رقص” سالي أحمد، و”غناء” حلا طراد.

آصف إبراهيم