دراساتصحيفة البعث

“التدخل الإنساني” ستار لإخفاء جرائم الحرب الفعلية

سمر سامي السمارة

بهدف الحصول على تأييد لإعتداءتها المستمرة، تزعم الولايات المتحدة أن منافسيها مذنبون بارتكاب جرائم أشد فظاعة. ولأسباب ليس أقلها ضخامة أجهزة المعلومات المضللة وارتباطها المباشر والوثيق بالمجمع الصناعي العسكري وإعلام الشركات الأمريكية، أصبح فك شفرة الحقيقة مهمة صعبة بالنسبة للأمريكيين العاديين.

فعلى مدار العقد المنصرم، بذلت الإمبريالية الأمريكية جهداً كبيراً للتصعيد التدريجي لحرب باردة جديدة مع الصين، وذلك من خلال وسائل إعلامها التي روجت لسياساتها العدوانية. وقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤخراً  مؤسسة “غالوب” أن 80 ٪ من الأمريكيين يحتفظون برأي سلبي تجاه الصين، كما ينُظر لإيران وكوريا الديمقراطية على أنهما “الدولتان الأكثر شراً” بحسب آلة الدعاية الأمريكية.

وهذه النتائج تؤكد تعرض الرأي العام الأمريكي لوابل من عناوين وسائل الإعلام المناهضة للصين والذي تغذيه مختلف الأطياف السياسية، حيث تمثل أكاذيب التدخل الإنساني أخطر أشكال المعلومات المضللة التي تغذي حالياً الحرب الباردة الأمريكية الجديدة، ولعل أبرزها أكذوبة شينجيانغ الأويغورية، ذاتية الحكم في الصين. ومؤخراً نشرت  “سي إن إن”، تقريراً لمعهد “نيوز لاين” الذي يدعي التحقق بشكل مستقل في شينجيانغ، لكن التقرير لم يقدم أية رؤية بخلاف الادعاءات التي ترددها، منذ عدة سنوات، مصادر مشبوهة مثل إذاعة آسيا الحرة و الباحث الألماني “أدريان زينز”.

كما أن معهد” نيوز لاين” نفسه مصدر معلومات غير موثوق، فرئيس مركز الأبحاث في واشنطن “أحمد علواني” هو المستشار السابق للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا. ومن الجدير بالذكر، أن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا، كانت القوة الأساسية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في تدمير ليبيا عام 2011 ، وهو التدخل الذي اعتمد على نفس الوكلاء المدعومين من جماعة “الإخوان المسلمين” المرتبطين بـ علواني.

إستراتيجية بث الفوضى

سواء أكانت عشرات الملايين من الدولارات التي ضخها الصندوق الوطني للديمقراطية في مؤتمر الأويغور العالمي، أو المبالغ المجهولة المتدفقة من المتعاقدين العسكريين إلى خزائن معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي، فمن الواضح أن المصادر التي تنشر روايات التدخل الإنساني في وسائل الإعلام الأمريكية، غير جديرة بالثقة.  لكن، هذا لم يمنع إدارة جو بايدن من تأييد رواية “الإبادة” لتجديد الحرب الباردة الجديدة.

وفي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن بايدن سيخفف من حدة التوتر مع الصين، ارتفعت درجة حرارة الحرب الباردة الجديدة في الأسابيع الأخيرة، بعد المناورات العسكرية الأخيرة للإدارة الجديدة، حيث طلبت مؤخراً، القيادة الأمريكية لمنطقة للمحيطين الهندي والهادي، تخصيص ميزانية قدرها 27.4 مليار دولار أمريكي لنشر شبكة صواريخ مضادة للصين، تمتد على طول الجزر الرئيسية على حدود الصين مثل أوكيناوا وتايوان والفلبين.

انضم بايدن إلى التحالف “الرباعي” المناهض للصين مع اليابان والهند وأستراليا في 12 آذار الجاري لحضور القمة الدولية الأولى خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة، ومن الجدير بالذكر، أنه تم تجديد التحالف في ظل إدارة ترامب بعد أكثر من عقد من الخمول.

من الواضح، إن اختيار بايدن تجديد التحالف “الرباعي” كأول قمة له، يبعث برسالة واضحة تؤكد استمرارية الحرب الباردة الجديدة بقيادة الولايات المتحدة على الصين تحت ذريعة تعزيز التحالفات ومعالجة المخاوف “الإنسانية”. لكن الحقيقة، فإن “التدخل الإنساني” ليس إلا ستار لإخفاء جرائم الحرب الفعلية التي ارتكبتها الولايات المتحدة وأتباعها الإمبرياليون، فبينما تُنشر المزاعم المتكررة بشأن “الإبادة” في الصين، يتم تجاهل الإبادة الجماعية الحقيقية التي يمكن التحقق منها والتي يرتكبها الكيان الإسرائيلي الحليف الأكبر للولايات المتحدة ضد الفلسطينيين، وكذلك عشرات الآلاف من الفنزويليين الذين ماتوا بسبب العقوبات الأمريكية.

ومع ذلك، لا تعطي الصحافة الأمريكية دقيقة من وقتها للإضاءة على جرائم الحرب التي ارتكبتها الأنظمة التي ترعاها الولايات المتحدة في رواندا وأوغندا بحق الملايين ممن لقوا حتفهم جراء الغزو الذي استمر ربع قرن لجمهورية الكونغو الديمقراطية، أو لمقتل أو تشريد لعشرات الملايين في أعقاب العدوان الذي قادته الولايات المتحدة على ليبيا ودول أخرى منذ عام 2011.

سيظل وصف التدخل الإنساني بأنه مجرد غطاء لجرائم الحرب كخدمة للهيمنة الأمريكية سهلاً للغاية، فالمزج بين الإنسانية والعمل الحربي نفسه يخرج من الاستثنائية الأمريكية، حيث يتم توجيه الشعور المشترك إلى أنه لا يوجد شيء في سجل الإمبراطورية، في الماضي أو الحاضر، يمكن أن يثير التدقيق في طموحاتها الإنسانية. إذ لا يقتصر “التدخل الإنساني” على إعادة تسمية جرائم الحرب على أنها عمليات لحقوق الإنسان فحسب، بل يمحو أيضاً الدوافع الحقيقية الكامنة وراءها.

لقد اعتادت الولايات المتحدة على خوض حروب إنسانية في لحظات تتعرض فيها مصالحها للتهديد، ففي عام 2014، كثف أوباما دعم الولايات المتحدة لشخصيات المعارضة اليمينية العنيفة والعقوبات ضد فنزويلا، بمجرد أن أصبح واضحاً أن وفاة هوغو تشافيز لن تكون بمثابة نهاية للثورة البوليفارية. كما اتُهمت الحكومة السورية عدة مرات باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين منذ عام 2016 في الوقت الذي كانت فيه بأفضل وضع لهزيمة الولايات المتحدة وغيرها من الوكلاء المدعومين من الخارج منذ بدء الحرب قبل أكثر من عقد.

نجحت الصين في احتواء جائحة كوفيد 19، وأصبحت الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي يسجل نمواً إيجابياً وسط الكساد العالمي. علاوة على ذلك، استطاعت التغلب على عم الاستقرار الذي عصف بمنطقة شينجيانغ بفضل جهود الحكومة في الحد من الإرهاب وتخفيف حدة الفقر. كما سمح الاستقرار والنمو للصين بالمضي قدماً في خططها لتطوير شبكة تجارة عالمية ضخمة ممولة من الحكومة من خلال مبادرة الحزام والطريق.

من المؤكد، أن الدعوات إلى التدخل الإنساني تزداد مع استمرار تراجع الولايات المتحدة بالتوازي مع صعود الصين على المسرح العالمي، وليس من الواضح ما إذا كانت الحرب الباردة الجديدة ستتحول إلى حرب ساخنة.