ثقافةصحيفة البعث

“مدينة مطرزة بالحكايات” و”الرهان الأخير” مساحة مفتوحة للتجديد

لا أحد يستطيع تقديم إجابة دقيقة تفسّر سرّ تعلق معظم المشتغلين بالمسرح، بالنص الأجنبي الجاهز والممسرح عشرات المرات، لكن هي حقيقة يصعب تجاهلها أو إخفاؤها وراء تبريرات مختلفة. فالمسرحيون، الأكاديميون والهواة، يجدون أنفسهم أكثر ثقة عند الاتكاء على نصوص لأسماء عالمية كبيرة رغم وجود نصوص محلية وعربية كثيرة تنهل أفكارها وبناءها الدرامي من القضايا العربية والمحلية.

في احتفالية نقابة الفنانين في حمص بيوم المسرح العالمي رصدنا عدداً لا بأس به من العروض مأخوذة عن نصوص عالمية، منها تشيخوف وشكسبير ولوركا، لكن في المقابل كانت هناك تجربتان يمكن القول عنهما إن فيهما اجتهاداً شخصياً واضحاً على صعيد الحكاية بالدرجة الأولى. التجربة الأولى قدّمها سامر إبراهيم أبو ليلى مع فرقة مسرح العمال بعنوان “حمص مدينة مطرزة بالحكايات”، وفيها تابعنا لوحات قصصيّة عدة منفصلة حكائياً متصلة مشهدياً، أتاح فيها مساحة للممثل للارتجال وإبراز مواهبه وفهمه لمفاتيح الاشتغال على الشخصية، فكل ممثل قدّم حيَّه كما يحب أن يراه، عبر قصص عاشوها خلال سنوات الحرب، تميّز العرض بالتجديد والابتكار على صعيد إدارة الممثل على الخشبة، وتوظيف السينوغرافيا لخدمة النسق العام للعرض.

التجربةُ الأخرى هي عرض “الرهان الأخير” لفرقة سوا ومؤسّسها رواد الإبراهيم مؤلف ومخرج العرض.

رغم أن الفكرة ممجوجة ومكرّرة إلى حدّ ما، لكن تصدي شاب مهتمّ بالمسرح، لكتابة وإخراج نص يتناول الواقع الاجتماعي وتدريب الممثلين لإقناع المتلقي بواقعية المعايشة والتقمص، كما حاول الممثلون الثلاثة على الخشبة تأكيده، هو إنجاز بحدّ ذاته.

يتأثر رواد في حكاية عرضه “الرهان الأخير” بقصص الدراما السورية، وسينما التسعينيات المصرية، إذ طغى الحوار والكلام والصراخ على أجواء العرض، ولم تبدّد الموسيقا والإضاءة التي حاول توظيفها بشكل متناسق إلى جانب الديكور المشغول بدقة ليخدم العرض ويساعد الممثلين في مقاربة النص، لم تبدّد حدة الحوار الانفعالي عالي الوتيرة.

هناك شحنة انفعالات بذلت الممثلة الوحيدة في العرض جهداً واضحاً لإظهارها من خلال معايشة الحالة الانفعالية للدور لأبعد حدّ ممكن، إلى جانب الشابين اللذين أديا دور نوار، وصديقه شاهر الذي يساومه على عرضه وأملاكه.

تدور الحكايةُ حول زوجين “فرح ونوار” هجَّرتهما الحرب بعد أن دمّرت منزلهما وتحولا إلى ضحية غرور وقسوة صديقهما القديم شاهر ونزعة الانتقام لديه الذي لم ينسَ حبه القديم لفرح ورفضها له، فيقوم باستجرار نوار إلى صالات القمار والخمر، ليدفعه للمراهنة على المطبعة التي يملكانها ثم المراهنة على فرح نفسها، لينتهي العرض بمقولة: لا حياة بعد التفريط بالأرض والعرض.

آصف إبراهيم