مجلة البعث الأسبوعية

بعد فضيحة المنتخب الكروي.. ما حدث ضحك على اللحى وهدر للمال العام والمسؤولية يتحملها الجميع!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

قدرّ الله أن تكون أزمة المنتخب الوطني لكرة القدم أزمة جديدة مضافة إلى مجموع أزماتنا اليومية، ولكن إذا قلنا أن كل الأزمات من صنع خارجي من خلال الإرهاب والعقوبات، فإن أزمة المنتخب الوطني هي من صناعتنا بامتياز، وهي جزء من أزمة كرتنا بشكل عام، فعندما تكون كرتنا بخير، يكون المنتخب الوطني بألف خير؛ لكن المقدمات الخاطئة دوماً تنتهي بنهايات كارثية، تماماً كما حدث مع المنتخب الوطني!!

وعلينا ألا نخفف من هول ما حدث، فما حدث أمر لا يبشر بالخير، إنما ينذر بالسوء، وهذا الموضوع يجب أن يتم وضع حدّ له قبل فوات الأوان!!

والمشكلة ليست مشكلة مدرب، إنما مشكلة منظومة رياضية يقودها من أثبتوا فشلهم في قيادة كرة القدم.. فشل واضح وصريح في المسابقات الرسمية، وإخفاق متواصل على الصعيدين الإداري والتنظيمي، والنهاية كانت بالمنتخب الذي أعطى الصورة الواضحة الحقيقية لكرتنا.

وقد تكون الخسارة أمرا واردا ومقبولا في عالم كرة القدم، وهي أحد وجهي هذه العملة الرياضية.. كذلك أن تخسر أمام إيران فهو أمر طبيعي جداً ومنطقي، وأن تخسر مع البحرين يمكن قبوله كحالة رياضية، رغم إن التاريخ يصبّ بمصلحتنا باللقاءات معهما، لكن غير المقبول أن يكون أداؤك صفراً، وأن تشاهد منتخباً يرثى له، وأن تتابع مستوى لا يرقى لنا، ولا يشبهنا، وأن تجد فريقاً متهالكاً مفككاً لا روح فيه، وأن تخجل أن تقول أن هذا المنتخب يمثلنا، وأن تضع رأسك في الأرض وكأنك تحاول أن تنسى ما حدث!!

فالمدرب التونسي، نبيل معلول، ليس المشكلة، وقد يكون جزءاً منها، لذلك فإن موضوع استمراره أو تغييره لن يحل المشكلة، كون مشكلتنا الرئيسية في اتحاد كرة القدم، فهو المسؤول الأول والأخير، لأنه اختار المدرب، ووضع الخطة، وتكلم كثيراً، لكنه فشل في نهاية المطاف..

إن عمل اتحاد كرة القدم يظهر في النتائج، ويتجسد عملياً على أرض الواقع، وفي الميدان؛ وما وجدناه أنه لم يستطع أن يقود النشاط المحلي إلى برّ الأمان؛ وهناك الكثير من المشكلات التي رافقت الموسم الرياضي، ولو استمر الحضور الجماهيري في الملعب لحدث ما لم يكن في الحسبان، وهذه ضمن دائرة التوقعات، لكن قرار منع الحضور الجماهيري جاء رأفة بكرة القدم، ورأفة بالجماهير، ورأفة بالأندية!!

هناك الكثير من القرارات الارتجالية غير المدروسة صدرت وعممت، ولم تكن في المصلحة العامة.

هناك الكثير من العقوبات الظالمة التي صدرت، وكثير من الحالات كانت تستحق العقوبات، أدار لها اتحاد كرة القدم ظهره وبقيت طي النسيان.

هناك أخطاء فنية وأخطاء تحكيمية كثيرة لم تجد الحلول المناسبة، وهناك صراع كبير داخل قبة الفيحاء تدفع كرتنا ثمنه غالياً.

لذلك، لا بد وأن يتحمل اتحاد كرة القدم المسؤولية، ويعلن استقالته، لأنه بصراحة فشل فشلاً ذريعاً بقيادة كرتنا.

 

فقاعة إعلامية

في البداية، لم نشهد، أو نسمع، أن اتحاد كرة القدم يسافر مع المنتخب الوطني في كل معسكراته ومبارياته، وكأن هذا الموضوع في اتحادنا فرض عين، فكل سفرة لمنتخبنا يجب أن نرى فيها الكثير من المرافقين، بدءاً من رئيس اتحاد كرة القدم ومن يلوذ به من إداريين ومرافقين، وفي كل سفرة لهذا المنتخب يتعطل اتحاد كرة القدم تماماً، فتراه خالياً من المراجعين، لأنه خال من الموظفين وأصحاب القرار، فتتعطل كل المصالح الكروية.

وعندما جاء هذا الاتحاد فإن أول قرار اتخذه هو تغيير المدرب، وقال رئيس اتحاد كرة القدم وقتها: صحيح أن منتخبنا يتصدر مجموعته، إلا أن صدارته أمام منتخبات مغمورة، والأداء الذي يقدمه المنتخب أداء غير جيد، ولا يتناسب مع سمعة كرتنا، لذلك لا بد من مدرب يطور أداء منتخبنا.

وعندما اختار اتحاد كرة القدم نبيل المعلول، وقدم سيرته الذاتية، لم يعترض عليه أحد، وتفاءل المراقبون والجمهور خيراً، لكن عندما شاهدنا منتخبنا في المباريات الأربع بقيادة المعلول ندمنا على الأيام الخوالي.

ولن نقبل بعذر الكورونا كمبرر لسوء الأداء وسوء الاختيار، فهذه الجائحة لم تغز بلادنا وتترك العالم؛ فكل العالم لديه كورونا، وبعضه بشكل أقسى مما وصلنا منها، وكل العالم تسير كرة القدم عنده بتطور إلا عندنا فهي بتراجع.

والأسباب – برأيي – عديدة: أولها أن المدرب يعاين منتخبنا عن بعد، وهو غير قريب من كرتنا، وكلامه أنه متواصل مع كرتنا مردود عليه، لأن التواصل عبر المواقع ورؤية المباريات عبر الفيس لا يكفي لبناء انسجام على الأقل، ولبناء جاهزية بدنية في أضعف الحالات، لذلك جاءت اختياراته للاعبين غير موفقة في معظمها.

في السابق – على سبيل المثال – كان يقام معسكر داخلي أثناء الدوري، فتقام المباريات يوم الجمعة، وهناك خمسة أيام يتدرب فيها اللاعبون مع المنتخب ثم يعودون لأنديتهم؛ وهذا الأمر مفيد لأسباب عديدة، أهمها أننا نؤهل منتخباً قوياً من اللاعبين المحليين، ثم نضيف إليه المحترفين أيام “الفيفا”، لكن ذلك لم يحدث، فبقي منتخبنا منذ مباراة الأردن وحتى لقاء البحرين، مدة أربعة أشهر، بلا تمرين، فكيف يتحقق الانسجام؟ وكيف يصل المدرب إلى قناعة كاملة باللاعبين؟ ولو أقام لهم هذه المعسكر في شباط وآذار على الأقل لكان الوضع أفضل بكل المقاييس!!

فلم نشهد في تاريخ كرة القدم أن مدرباً يحضر فقط في المباريات الودية إلا نبيل معلول مع منتخبنا؛ والحق ليس عليه، إنما على اتحاد كرة القدم الذي لم يفرض على المعلول أي شيء، وتركه يغرد وحيداً في بلاده، أو محللاً في بلاد الخليج، ونسأل هنا: على أي أساس سندفع المال بالعملة الأجنبية؟ على عروض المنتخب؟ أم على نتائجه؟ أم على وجوده الدائم في سورية؟

ثاني الأمور المهمة هو موضوع اللاعبين المحترفين، إذ لم نجد أي جديد في عمل استمر – كما قيل – أكثر من سنة، وما زلنا على لاعبينا المحترفين والمعروفين؛ وهذا يدل على تقصير كبير في هذا الأمر، فما زال لدينا العديد من اللاعبين الجيدين في أوروبا القادرين على تمثيل المنتخب الوطني.

والطامة الكبرى تكمن في التعامل مع لاعبينا بطريقة فجة وغير لائقة، ومهما يكن من أمر فهناك أسلوب في التعامل من المفترض ألا يصل الأمر به إلى القطيعة، فمنتخبنا محروم من عمر خريبين أحسن لاعب في آسيا لأسباب صارت معروفة، وهي شخصية؛ ومحروم من عمر السومة لأسباب مماثلة، وإن كان ظاهرها الإصابة؛ وسبق أن أبعدنا فراس الخطيب لعنجهية المدرب، رغم أنه كان – بوقته – أفضل اللاعبين، ومن الضروري أن نعلم أن التعامل مع اللاعبين يختلف حسب وضع اللاعب وإمكانياته، ومن الغباء أن نتصرف بمبدأ التربية العقيم “نعاقب الأفضل ليتعظ البقية”.

حتى الاختيارات – الخارجية منها أو المحلية – لم تكن الأفضل، ونحن سنحسن الظن في هذا الموضوع، ولن نقول أن هناك أسماء مفروضة، وهناك واسطات، لكن نقول: عدم قرب المدرب من الدوري سبب مهم بعدم استدعاء الأفضل.

ولا يمكننا أن نحكم على العمل إلا من خلال نتائجه. وعلى سبيل المثال، فإن اتحاد كرة القدم كان يبرر سفرات رئيسه، والأعضاء والمرافقين الكثر، بأنها تأتي لحل مشاكل كرتنا مع الاتحادين الآسيوي والدولي؛ وحتى الآن لم نجد بصيص أمل في حل بسيط لمشكلة من المشكلات، وعلى ما يبدو فإن اتحادنا يعتمد “البروباغندا” الإعلامية وسيلة لتمرير السياحة والسفر.

أيضاً، لم يظهر أي دور لمدير المنتخب، عبد القادر كردغلي، في كل هذه الأمور، وإذا كان اسم بحجم الكردغلي غير قادر على إضفاء بصمة إيجابية على المنتخب، فماذا استفدنا من هذا الاسم؟ ومن هذا التاريخ؟ فإما أنه لم يعمل شيئاً وهذه مصيبة، وإما أنه شاهد زور، والمصيبة هنا أكبر!!

وعدم وجود مدرب وطني مساعد أمر لا مبرر له، فلماذا احتفظ التونسي بفريقه المساعد، وتخلى عن الوطني؟! كان من الممكن أن يقود هذا المدرب المساعد، رفقة مدير المنتخب، معسكراً داخلياً يجهز فيه اللاعبين كأضعف الإيمان، ولكن على ما يبدو أن في الأمر “إنّ”..!!

من جهة أخرى، لم نعدم مدربي الحراس في بلدنا لنستقدم أحد كوادرنا العاملة في الخليج مدرباً للحراس؛ والموضوع هنا ليس اسماً، إنما هو فائدة، وخصوصاً أن مدرب الحراس التحق بالمعسكر بعد يومين؛ ولو كان مدرب الحراس موجوداً بدمشق لقام بتدريب الحراس بشكل دائم دون انتظار. ونحن هنا نتساءل: ما فائدة ذهاب أربعة حراس إلى مباراتي البحرين وإيران، ولم يشرك المدرب إلا حارسين؟ هل هي فائدة تدريبية فقط؟ هذه الفائدة كان يمكن أن نحصل عليها في دمشق!!

 

تبريرات غريبة

الجهد الكبير الذي قام به اتحاد كرة القدم هو التبرير واختراع الأعذار، وهذا ما شاهدناه في عملية “الماكياج” التي قام بها المكتب الإعلامي لاتحاد الكرة بلقاء المدرب الذي تحدث بكلام غير منطقي.. كلام كله تفاؤل بالمستقبل!! كلام الخاسر الذي حفظ “كليشهات” جاهزة عن أسباب الخسارة والأداء، والدروس التي تعلمها المنتخب، والتطور الذي حققه!! ولو أن المباراتين لم تكونا منقولتين فضائياً لربما صدقنا هذا الكلام!!

التبريرات التي صدرت تنطبق عليها مقولة “عذر أقبح من ذنب”، وعلينا ألا نخدع بالكلام المعسول عن تضحية المدرب الذي لم يقبض أجره حتى الآن، لأنه سينال كل شيء عاجلاً أم أجلاً، برضانا أم عن طريق “الفيفا”، لذلك علينا أن نبحث عن فائدة منتخبنا.. أولاً وأخيراً.

من جهة ثانية، فإن العقد الموقع مع المدرب التونسي من المحرمات، ولا أحد يعرف تفاصيله أو بنوده، أو أي شيء عن شروطه الجزائية وحقوق منتخبنا؛ وقد سرّب أحدهم لنا أن هناك مبلغ مائة ألف دولار للمدرب كمكافأة إن تأهل المنتخب إلى الدور الثاني من التصفيات. وحقيقة الأمر، إن كان هذا الكلام صحيحاً فهو مضحك للغاية، لأن من أوصلنا إلى الدور الثاني هو المدرب السابق، وقد نال منتخبنا معه العلامة الكاملة؛ ولكي نبقى في الصدارة المطلقة دون أي إزعاج يلزمنا أربع نقاط من ثلاث مباريات، وهي مضمونة، وأي مدرب قادر على تحصيلها بسهولة، فمن يستحق هذه المكافأة؟

 

المسؤولية العليا

المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام يتحمل جزءاً من المسؤولية، فعندما يوقع قرار الإيفاد لأكثر من عشرين شخصاً من الفنيين والإداريين، وممن لا عمل لهم (لدينا نسخة من قرار الإيفاد)، فإنه موافق على ما يجري، مع العلم أننا لا ندري بقرار الإيفاد الخاص برئيس اتحاد كرة القدم، وكم شخصاً يضم!!

نتساءل: هل نحن في فسحة مالية حتى نصرف كل هذه النفقات على “من هب ودب” من أجل السياحة؟ وهل تم تدقيق كل اسم وما مهامه؟ ولو كانت لهم مهام فعلاً في المنتخب لظهرت هذه المهام بأداء المنتخب على الأقل؟

الاتحاد الرياضي غير قادر على دعم الأندية، وقد أعلنها صراحة، وانسحب فريق الجزيرة من الدوري لعدم توفر سيولة مالية لأداء ثلاث مباريات فقط، فهل وجدنا المال لنهدره على الأصحاب والخلان وفقدناه في حالات تستوجب وجوده، كحالة نادي الجزيرة؟

بعيداً على كرة القدم، لا نجد المال الكافي لألعاب قادرة على صنع مجد سورية الرياضي، ونبخل عليها بالتجهيزات والمستلزمات، ولا نجد أي مخرج لرفع الأجور الزهيدة وأذن السفر، ونجده في هذه السفرات السياحية.. أليست هذه مفارقة عجيبة!؟

المكتب التنفيذي وضع شرطاً لاتحاد كرة القدم بالتأهل إلى كأس العالم وإلا عليهم الاستقالة، ونحن نقول: أقيلوهم من الآن، لأن “المكتوب مبين من العنوان”، وحتى لا نضيع الوقت وننتظر المونديال القادم.. وفي هذه الحالة، الوقاية خير من العلاج!!