مجلة البعث الأسبوعية

عمر حجو في الذكرى السادسة لرحيله.. “درس في الحارة وجسّد ما تعلمه منها على المسرح”!

“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس

يعدّه كثيرون من مؤسسي المسرح السوري، ويُجمِع النقاد على أنه لم يكن يطمح إلى النجومية بقدر ما كان يطمح لأن يكون صانعاً للمسرح، ومحركاً لنهضة الفن في بلده، فأخذ منه العمل خلف الكواليس الكثير من المجهود على حساب تفرغه لتحقيق النجومية.. ولكن عمر حجو كان يقول عن نفسه: “لا أعرف شكسبير ولا غيره، ولم أتلقَّ العلم الكافي.. درستُ في الحارة وجسّدتُ ما تعلمتُه منها على المسرح، حيث تبدأ الأفكار تتوالى أمامي، فالمسرح يوعز لي بالكثير من الأفكار، أفكر كيف بإمكاني أن أنقل الحياة إلى المسرح لأنه مرآة المجتمع”.

 

شغف المسرح

عاندته الحياة فلم يستطع إكمال تعليمه وهو الذي ولد في مدينة حلب، عام 1931، من أم وأب أميين. ورغم معارضة والده، توجه إلى العمل في المسرح الذي كان يحبه، والذي استسلم لشغفه، فكانت البداية من خلال تأسيسه مع الفنان عبد المنعم اسبر “فرقة الفنون الشعبية”، في حلب، والتي قدمت مسرحيتين جادتين هما: “الاستعمار في العصفورية” و”مبدأ أيزنهاور”، في العام 1956، بالتزامن مع العدوان الثلاثي على مصر. وفي العام 1959، كان أول من أدخل التمثيل الإيمائي إلى الوطن العربي ليقدمه للمرة الأولى، في العام 1959، على مدرج جامعة القاهرة.

 

“مسرح الشوك” تجربة متقدمة

بعد تجربته في المسرح الإيمائي، أسس حجو “فرقة مسرح الشوك” التي كانت تقدم لوحات كوميدية ناقدة. يقول حجو: “مسرح الشوك تجربة متقدمة في المسرح السوري”، ومن أول العروض التي قدمها “مرايا” على خشبة مسرح المركز الثقافي السوفييتي في دمشق، عام 1969، لينضم إلى الفرقة – لاحقاً – الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي، حيث قدموا جميعهم “جيراك”، و”براويظ”، وشاركوا في مهرجان دمشق للفنون المسرحية. وكان الراحل د. رياض عصمت قد وصف تجربة مسرح الشوك بالقول: “كانت تجربة نضرة، صادقة، ذكية وشديدة البساطة؛ تجربة تنأى بنفسها عن عناصر الإبهار والإثارة والفرجة لتجعل من التقشف وسيلة اتصال حيوية ومباشرة مع جمهور من عموم الناس العاديين، لأنه يعكس واقعهم ومعاناتهم الاجتماعية والسياسية بجرأة ساخرة ولاذعة”؛ ولهذا اتفق المسرحيون العرب على أنها تجربة جديدة وواحدة من الظواهر الصحية القليلة في حياتنا المسرحية العربية المعاصرة.

 

أسرة تشرين

تابع حجو مسيرته من خلال فرقة “أسرة تشرين” التي أسسها دريد لحام في السبعينيات، والتي قدمت أعمالاً حققت نجاحاً كبيراً من أبرزها: “ضيعة تشرين” (1974)، و”غربة” (1976)، و”كاسك يا وطن” (1979)، و”شقائق النعمان” (1987)، وغيرها.. وبعد غياب عن خشبة المسرح، اختتم حجو مشواره المسرحي مطلع العام 2011 بمشاركته إلى جانب دريد لحّام في مسرحية “السقوط” التي قدّمت على خشبة مسرح قطر الوطني، واعتُبرت هذه المسرحية محاولة لاستلهام مرحلة مسرح الشوك قبل أن يطلق عمر حجو مشروع “مسرح الهواة الدائم”، في حلب عام 2011، مع مجموعة من الفنانين المسرحيين؛ ومن المعروف أن حجو ساهم في تأسيس “المسرح الجوال” التابع لوزارة الثقافة.

 

في التلفزيون

أيضاً يُعدّ حجو من مؤسسي التلفزيون السوري، حيث شارك مع المخرج سليم قطايا في أول مسلسل من إنتاج التلفزيون هو “ساعي البريد” 1962، ومن ثم قدم مع المخرج غسان جبري “حكايا الليل” (1968)، وشارك في مسلسل “حمام الهنا” في ذات الفترة. وفي العام 1969، قدم عمر حجو أول عمل درامي من تأليفه وحمل اسم “مساكين” (أخرجه سليم صبري)، ليشارك لاحقاً في مسلسلَي “تلاميذ المدرسة” و”دولاب” (1970 – 1971). ومع بداية البث الملون، قدم مع دريد لحام مسلسلَي “وين الغلط” و”وادي المسك”، كما شارك في مسلسلات عديدة منها: “أهل الغرام”، “وجه العدالة”، “أحقاد خفية”، “الهاربة”، “قانون ولكن”، “البيوت أسرار”، “الانتظار”، “قلبي معكم”، “صدق وعده”، “الثريا”، “مبروك”؛ كما كان الراحل أبرز وجوه سلسلة “بقعة ضوء”، وقد صرح أكثر من مرة، بعد أن وصفه بعضهم بالكوميديان، بأنه لم يتصنع أو يتقصد تقديم الكوميديا كما كان يراها بعضهم، ولكنه كان مؤمناً أنه كممثل عليه أن يتقن أي عمل يسند إليه، سواء كان في الأعمال الكوميدية أو التراجيدية.

 

علاقة احترافية

وقف عمر حجو كممثل أمام كاميرا ابنه في عدة أعمال، نذكر منها: “الانتظار” (2006)، “الخربة” (2011)، و”سنعود بعد قليل” الذي أُنتج عام 2013. وكان يصف دائماً علاقته بابنه الليث كمخرج أنها علاقة ممثل بمخرج وأنه كان يأخذ راحته أكثر مع المخرجين الآخرين، أما أمام الليث فإنه كان يخاف، في حين وصف الليث العلاقة بين الأب وابنه خلال التصوير بأنها علاقة احترافية بين ممثل ملتزم بتقاليد المهنة وأخلاقياتها ومخرج.

 

عرّاب الدراما الحلبية

كان عمر حجو عرّاب الدراما الحلبية والقاسم المشترك في معظم الأعمال التي تناولت البيئة الحلبية، حيث شارك في “خان الحرير” (1996)، و”الثريا” (1998)، و”حي المزار” (1999). وفي العام 2007 كانت له مشاركة متميزة مع بسام كوسا في “كوم الحجر”، وفي العام 2008 شارك حجو في “باب المقام”، وقدم عام 2000 “سيرة آل الجلالي”.

 

في السينما

في رصيده 11 فيلماً سينمائياً معظمها مع دريد لحام، فبعد نجاح أعمالهما المسرحية أطل حجو في السينما مع لحام في العديد من الأفلام منها: “صح النوم” (1975)، و”إمبراطورية غوار” (1982)، و”الحدود” (1984)، و”التقرير” (1986)، و”كفرون” (1990)، كما خاض الفنان الراحل تجربة التأليف من خلال فيلم “غرام المهرج”.

 

البساطة والشفافية

حين وصفه ابنه المخرج الليث حجو، قال: “كان من الصعب أن نميز تماماً بين عمر حجو الفنان وعمر حجو الأب والصديق والإنسان، فمن صفاته الشهيرة – حتى لدى الذين لم يتعرفوا إليه شخصياً – البساطة والشفافية والوضوح إلى درجة أنه طبع جميع الشخصيات التي جسدها بشخصيته هو، فعمر حجو الفنان كان هو نفسه في المنزل أو الشارع وبين الأصدقاء، وكان يحمل في قرارة نفسه كمّاً كبيراً من الفطرية والتلقائية التي كانت بمثابة البوصلة في تعامله مع المسرح والتلفزيون والسينما، ولا يهتم كثيراً بمجده الشخصي أو بجمع ما أمكن من المكاسب، بل كان يعتقد أن الكلمة الطيبة والعمل المتفاني في خدمة الفن ليس بحاجة إلى يافطات وتبجح”. وفي ذكرى رحيله نشر الليث حجو عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” مقطع فيديو يظهر فيه صوت والده الراحل، وهو يتحدث عن مدينة حلب مسقط رأسه، وعلّق الليث على الفيديو: “٨٣ عاماً لم تغب فيها حلب عن وجدانك.. كنتَ صوتها وصارت صورتك.. ست سنوات على الرحيل لم تغب صورتك عنّا يوماً.. الأب والمُعلّم عمر حجو، لروحكَ السلام”.

 

بعيداً عن حلب

رحل عمر حجو في 4 آذار 2015 – وهو الذي ولد في مدينة حلب في 31 آذار 1931 – قبل أن يحقق حلمه بتأسيس مهرجان مسرحي للشباب في مدينة حلب، وأن يتولى الإشراف عليه بنفسه، وكان يأمل أن يعيد الشباب تقديم مسرحيات، مثل “غربة” و”المهرج”، وتوجيه تحية إلى الكاتب الراحل محمد الماغوط، وضخّ دماء فنية في حلب.. وتخليداً لذكراه أطلق اسمه على مسرح المركز الثقافي في العزيزية بحلب.