مجلة البعث الأسبوعية

ماذا تنتظر شركات التطوير العقاري للانخراط في الإعمار وحل أزمة السكن؟ ومن حرم العاملين بأجر من مشاريع التعاون السكني؟

“البعث الإسبوعية” ـ علي عبود

أما وقد أصبحت وزارة الإسكان والأشغال المسؤول المباشر عن عمليات تنفيذ المشاريع السكنية على امتداد الخارطة الجغرافية، فإن السؤال: ما مستقبل قطاع التعاون السكني؟

لم يكن السؤال مطروحا قبل تأسيس عشرات الشركات الكبيرة وفق قانون التطوير العقاري، والتي أعلنت أنها جاهزة لتنفيذ الضواحي السكنية الحديثة في جميع المحافظات. كما لم يكن السؤال مطروحا قبل إلغاء اتحاد التعاون السكني الذي جعل الجمعيات السكنية تابعة مباشرة لوزارة الإسكان!!

وإذا كان عدم توفر الأرض المعوق الأكبر لتقصير الجمعيات السكنية بتنفيذ مشاريعها الصغيرة جدا، فهل ستؤمن الوزارة المقاسم الكافية للتعاون السكني مثلما فعلت مع شركات التطوير العقاري؟

لا يمكن تجاهل ما صرحت به هيئة التطوير العقاري قبل أسابيع من إلغاء الاتحاد التعاوني: شركات التطوير العقاري جاهزة للحلول مكان الاتحاد!

صحيح أن وزارة الإسكان والأشغال أكدت أن الجمعيات السكنية التعاونية مستمرة، ولن تتأثر بإلغاء اتحادها، لكن هل سيتحسن وضع التعاون السكني، أم سيموت سريريا بمنع المقاسم المعدة للبناء عن جمعياته كما كان الوضع في السابق؟ وما مستقبل التعاون السكني بعد انطلاق شركات التطوير العقاري؟ تراجع، أم منافسة، أم تكامل، أم مواجهة غير متكافئة؟

 

لا لدعم التعاون السكني!

منذ تسعينيات القرن الماضي وقطاع التعاوني يعاني من إهمال لاحدود له إلى حد أصبحت الجمعيات التعاونية السكنية مجمدة تماما، باستثناء الجمعيات التي تتعامل كمتعهد، أو كتاجر، كي تستطيع تأمين الوحدات السكنية لأعضائها. فإذا كان الجمعيات تشتري منذ ثلاثة عقود الأراضي من القطاع الخاص بأثمان باهظة، وتشتري مستلزمات البناء من السوق دون أي مساعدة من المؤسسات الحكومية، فعن أي قطاع تعاوني نتحدث اليوم؟

نعم منذ تسعينيات القرن الماضي، تحوّلت الجمعيات التعاونية إلى جمعيات توفر المنازل للمقتدرين ماليا حصريا، وليس لذوي الدخل المحدود، ما أفقد التعاون السكني أهدافه، وأدى بالمؤتمرات السنوية للاتحاد العام للتعاون السكني لمناقشة القضايا نفسها ورفع المقترحات والتوصيات نفسها للجهات الوصائية دون جدوى، سوى تسجيل المزيد من التراجع لهذا القطاع الذي عقدت عليه طموحات كبيرة.

إلا أن النتائج كانت مخيبة لآمال الكثيرين، وبما أن الاتحاد أصبح في خبر كان، فإلى من ستشتكي الجمعيات التعاونية، ومن سيوصل صوتها إلى الحكومة؟

وزارة الإسكان تعد بأنها ستدعم التعاون السكني لكن خططها تهتم بشركات التطوير العقاري وبمؤسستها الإسكان وليس بالجمعيات السكنية التعاونية. وإذا كانت جهات عدة وعلى رأسها وزارة الإسكان بررت حلها لاتحاد التعاون السكني بتقصيره، فإن مجلس الشعب لم يستطع حتى أن يقنع الحكومات السابقة بدعم التعاون السكني. ولقد ناقش المجلس عدة مرات تقارير لجانه الخاصة حول أساليب عمل الجمعيات التعاونية السكنية لتأمين السكن المناسب والملائم للمواطنين ذوي الدخل المحدود، وانتهت إحدى اللجان إلى 28 توصية بالإضافة إلى عشرات التوصيات التي تقدّم بها أعضاء مجلس الشعب، ولكن دون جدوى. فلا شيء تغير حتى الآن!

 

أسباب ارتفاع شقق التعاون السكني

كانت المشكلة الأساسية في تراجع دور التعاون السكني عدم توفّر الأراضي المخصصة للجمعيات السكنية، ما أدى إلى تراجع حصة التعاون السكني من البناء السكني الإجمالي، ما كان بدوره سببا لانتشار المخالفات حول المدن في المحافظات كافة تقريبا، لأن مناطق المخالفات باتت البديل العملي لما عجزت عنه الجمعيات السكنية.

وبالطبع، لا يمكن تحميل الجمعيات السكنية المسؤولية عما وصلت إليه من واقع غير سار، فهي تعجز عندما ترفض الجهات المسؤولة تأمين الأراضي الرمزية بأسعارها والمجهّزة بالمرافق العامة، كما تعجز عندما ترفض شركات القطاع العام تعهّد مشاريعها أو بيعها مستلزمات البناء بحسومات تخفّف من تكاليف الوحدات السكنية؛ وهذا الواقع دفع بالكثير منها إلى شراء الأراضي بأسعار السوق، وتلزيم مشاريعها للقطاع الخاص، ما أدى إلى ارتفاع كلفة الشقة السكنية إلى مبالغ ليست بمقدور ذوي الدخل المحدود تأمينها، حتى لو اقترضوا الحد الأعلى المحدد لهم من المصرف العقاري، لذا أصبحت مشاريع الجمعيات السكنية، وبخاصة في مدينة كدمشق، للقادرين على الدفع!! وهؤلاء قلة لأن من يملك المال لن ينتظر مشاريع الجمعيات، بل يشتري من السوق مباشرة، ونادرا جدا أن تنجز جمعية تعاونية مشروعا للسكن بأقل من عشرة أعوام!

 

26 ضاحية سكنية

إن الشغل الشاغل لوزارة الأشغال العامة والإسكان منذ أشهر تجهيز أضابير 26 منطقة من مناطق التطوير العقاري لتنفيذها كضواحٍ سكنية في جميع المحافظات من جهة، وبناء 30 ألف وحدة سكنية من جهة أخرى. والملفت أن مسؤولي الوزارة يكررون في تصريحاتهم عن مشاريعهم الطموحة عبارة “تنفيذ المشاريع السكنية لذوي الدخل المحدود”، دون أي تفاصيل حول كيف يمكن للعامل بأجر بالكاد يستطيع أن يؤمن احتياجاته اليومية أن يسدد ثمن شقة لا يقل حدها الأدنى عن 15 مليون ليرة سورية؟

وإذا كانت الوزارة مهتمة بتقنيات التشييد السريع لإعادة الإعمار مع عدد من الدول، فإن الأمر يصلح لمبان ومنشآت حكومية وليس للضواحي السكنية!

ولاحظوا أن حديث وزارة الإسكان عن “مشاريع السكن الشبابي” تحولت إلى مزحة من النوع الثقيل، بل والمبكي.. ترى!! أين هو الشاب الذي لديه دخل للتخصص بشقة لا يقل ثمنها عن 15 مليون ليرة، حتى لو حصل على قرض متواضع من المصرف العقاري؟
تعرف الوزارة جيدا أن مصير السكن الشبابي هو المكاتب العقارية، أي هي تبني للمتاجرين بالسكن، وليس المحتاجين إليه من ذوي الدخل المحدود؛ ومع ذلك لا تنفذ الحلول المتاحة لتحويل المستحيل إلى ممكن.. فلماذا؟

 

مليارات للسكن التجاري

وبما يشبه التباهي، أعلنت وزارة الإسكان أن إضبارات مشاريع 7 مناطق تطوير عقاري أصبحت جاهزة لإقامة الضواحي السكنية عليها، وهي تشمل ريف دمشق في منطقتي عدرا الصناعية والسكنية، وحماة في منطقة وادي الجوز، وحمص في حسياء، والقنيطرة في منطقة وعرة المقروصة الصناعية والسكنية، ومنطقة الحيدرية في حلب، إضافة إلى محافظتي دير الزور والسويداء.

والملفت أن 18 منطقة من أصل 26 منطقة تطوير عقاري تعود ملكيتها للدولة، فأين حصة القطاع التعاوني السكني من مناطق التطوير الحكومية؟

وإذا كانت 6 مؤسسات حكومية تعمل في مجال التطوير العقاري (المؤسسة العامة للإسكان، ومؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية، ومؤسسة الإسكان العسكري، والشركة العامة للطرق والجسور، والشركة العامة للبناء والتعمير، والشركة العامة للمشاريع المائية)، فهل ستتخصص الشركات الحكومية ببناء ضواح سكنية مخصصة حصرا لذوي الدخل المحدود في حين تتخصص الشركات الخاصة ببناءالضواحي لفاحشي الثراء؟

نعرف جيدا أن لدى الشركات الإنشائية تجارب ناجحة جدا ببناء الضواحي في حلب وحماة وريف دمشق، لكنها كانت تفتقر إلى رؤية تجعل هذه الضواحي متاحة للعاملين بأجر، وليس للمقتدرين، وهي لم تبخل بتقديم بعض فللها الفاخرة للمتنفذين مجانا، أو بأسعار شبه مجانية!!

ومع ذلك فإن حصة القطاع الخاص من مشاريع الوزارة لا تقل عن 70% من إجمالي الخطة السكنية، وهذا يعني أننا سنشهد قطاعا عقاريا ناشطا محوره الاتجار بالمساكن الفاخرة. وهذا هو المتوقع عندما لا تقل التكلفة التقريبية لكل مشروع عن 50 مليار ليرة، وبالتالي فمن سيستثمر أكثر من 250 مليار في السوق العقارية لسبع ضواح سكنية سيستردها مع هامش كبير جدا من الربح.

 

 ماذا يغري شركات التطوير العقاري؟

ومع أن السوق العقارية راكدة بسبب ارتفاع أسعار المساكن الناجم عن انخفاض القوة الشرائية لليرة – علما أن قيمة أسعارها بالدولار قد تكون أرخص مما كانت عليه عام 2011 – فإن هناك إقبالا على تأسيس شركات تطوير عقاري تجاوز عددها 100 شركة؛ ولا سبب لذلك سوى المراهنة على المغريات التي ستقدمها لهم الحكومة من مناطق جاهزة فنيا لإقامة الضواحي، وقروض ميسرة من المصارف.

وكانت الحكومة تعول على أن تنطلق الشركات بمشروع كبير – واحد على الأقل لكل منها – بعد عام من تأسيسها، وهو ما لم يحصل لأنها تنتظر المغريات والتسهيلات، وليس لديها رؤى لبناء مشاريع سكنية تناسب ملايين السوريين.

وحسب تقرير صادر عن هيئة التطوير العقاري، فإن مجموع مساحة مناطق التطوير العقاري المحدثة وصل إلى حدود 4233.31 هكتارا، تستوعب نحو 817144 نسمة، ويوجد حاليا منطقتان قيد الإحداث في محافظتي ريف دمشق وحلب.
وأوضح التقرير بأن عدد المناطق قيد الدراسة هو 9 مناطق موزعة على عدة محافظات، كما تم الإعلان عن تنفيذ 4 مناطق محدثة في حماة، وحمص، وريف دمشق، وحلب، وبأن عدد مناطق التطوير العقاري المحدثة 26 منطقة، منها 18 على أراضي أملاك الدولة، و8 على أرض خاصة لشركات التطوير العقاري.

والملفت قول وزارة الإشغال: “تقوم مشاريعنا على إنشاء مجمّعاتٍ ومدنٍ صغيرةٍ، تتيح لقاطنيها العيش في مستوى جيد، وجميع الخدمات اليومية اللازمة مؤمّنة ضمنها”!

لكن الملفت اكثر أن الوزارة لم تجب على السؤال : من سيسكن في مناطق التطوير العقاري. الموعودة؟

 

لا مشاريع إسكانية كبيرة

قبل أن تعلن وزارة الإسكان عن مناطق لإقامة ضواح سكنية فإن شركات التطوير العقاري لم تباشر بأي مشروع إسكاني كبير!

والملفت أن وزارة الأشغال تعول على شركات التطوير العقاري لأن حصة المؤسسة العامة للإسكان لايمكن أن تتجاوز 10 % من سوق العقارات بسبب ضعف التمويل!

ومع أن شركات الإنشاءات العامة سبق وأن أنجزت عدة ضواح سكنية فإنها عاجزة اليوم عن بناء ضواح جديدة بسبب ضعف التمويل أيضا!
والمشكلة تتكرر لدى شركات التطوير العقاري فهي ايضا تشكو من التمويل!!
وإذا كان المواطن غير قادر على استلام السكن التعاوني إلا بعد سداد كامل قيمته. فإن التمويل العقاري يوفر فرصة للمواطن بأن يدفع نسبة أولية ويأخذ المسكن ليستكمل الدفع على أقساط على مدار 20 أو 30 سنة!

ولكن من سيمول مشاريع التطوير العقاري؟

لايوجد سوى المصارف أو من خلال إحداث مؤسسة وطنية للتمويل العقاري، وهذا لم يحدث حتى الآن، ويحتاج إلى مبادرة من وزارة المالية التي تبدو غير مكترثة بالأمر، وستبقى كذلك مالم يصدر قرار من مجلس الوزراء.
ماذا عن الدور المصرفي ؟

وتسعى وزارة الإسكان لدى وزارة المالية من اجل تحفيز المصارف العاملة في سورية لتمويل المساكن، وكانت الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء طلبت من وزارة الأشغال العامة والإسكان البدء بالبحث عن محاور التمويل وتأمين المصادر المطلوبة لتنفيذ 100 ألف شقة سكنية.
وبناء على ذلك طلبت الوزارة من المصارف العاملة في سورية تقديم مقترحاتها حول إمكانيات تمويل قطاع الإسكان بالسرعة الممكنة، باعتبار المصارف أحد مصادر التمويل الأساسي.
وتطالب الوزارة أيضا بدعم شركاتها الإنشائية التي كانت خلال الفترة الماضية ذراعا للحكومة.
وبينت الوزارة أنه تم العمل على تأمين المخططات التنظيمية لكل المناطق العشوائية في المحافظات، مؤكدة أن عمل الوزارة في مشاريع السكن العشوائي هو تخطيطي، أما التنفيذ فهو من مسؤولية الوحدات الإدارية بالتعاون مع الوزارة بالعمل على السماح للمطور العقاري بالدخول إلى مناطق السكن.

وقد صرّح وزير الأشغال العامة في مطلع العام 2019 بأن الوزارة تبحث إمكانية تمويل المشاريع السكنية القادمة مع بعض المصارف الحكومية وخاصة بعد توفر الأراضي اللازمة لها، ونوه إلى إمكانية دراسة صيغ تعاون مع هذه المصارف على اعتبار أن المؤسسة العامة للإسكان تقوم بتقسيط المساكن على مدى 25 عاما وفق قوانين خاصة بالمؤسسة الأمر الذي لا تسمح به الأنظمة والقوانين المعمول بها في المصارف العامة
وأشار إلى نية الوزارة البحث عن صيغ توافقية تحقق التلاؤم بين أنظمة وقوانين المؤسسة العامة للإسكان والقوانين المعمول بها في المصارف العامة على اعتبار أن الفوائد على المساكن المقسطة لصالح المؤسسة لا تتعدى 5 بالمئة بينما تصل إلى 17 بالمئة في المصارف العامة.
ولكن حتى المصرف العقاري لايمكنه منح قروض للمكتتبين تتناسب مع سعرها الجديد وهويسعى لرفع قرض شراء السكن إلى 25 مليون ليرة!

ويعترف المصرف أن المشكلة الحقيقية أمام تسديد الأقساط المستحقة للقرض السكني تكمن في مستوى الدخول، مبينا أن المصرف معني بالقرض كجهة تمويل أما القدرة على السداد فهي تتعلق بمستوى الرواتب بشكل عام!

وبما أن القانون لايجيز للمصرف أن يقتطع من دخل المقترض أكثر من 40 بالمئة% فهذا يعني أن رفع القرض غير مجد ولايستفيد منه سوى العاملين في القطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة والحرف. الخ.

ونشير إلى أن العقاري سبق وأقرض مؤسسة الإسكان 4.5 مليار ليرة بمعدل فائدة قدره 8% سنويا، لمدة 10 سنوات وذلك في إطار التعاون المشترك بين المصرف والمؤسسة لاستكمال إنشاء ضواحٍ سكنية.
ولا شك بأن مثل هذه القروض ستتيح إنجاز الشقق بمواعيدها أو قبل ذلك. ولكن لمن ؟