مجلة البعث الأسبوعية

أوكرانيا: الحرب ممكنة.. فقط إذا بادرت كييف للهجوم أولا!! أمريكا والناتو يحرضان لدفن “نورد ستريم 2” ومعه العلاقات الألمانية الروسية

“البعث الأسبوعية” ــ تقارير

مع تصاعد التوترات في شرق أوكرانيا، لا يبدو أن الخطر الفعلي يكمن في عملية عسكرية روسية، بل في تفسير الحكومة الأوكرانية لإشارات الدعم الأمريكية على أنها ضوء أخضر لشن هجوم على متمردي دونباس. والحقيقة أن العالم بأسره يراقب بفارغ الصبر ما إذا كانت أوكرانيا وروسيا ستخوضان الحرب، وسط مصلحة استراتيجية هائلة للولايات المتحدة في إثارة أزمة من شأنها توقف التعاون بين موسكو وبرلين لاستكمال مشروع خط الغاز الروسي إلى ألمانيا وتشكل ضغطا سياسيا غير مسبوق على الاتحاد الأوروبي لعدم شراء لقاح “سبوتنيك 5”.

ولكن ما يثير الخوف والشفقة في وقت واحد هو أن أوكرانيا تحاول تكرار نجاح أذربيجان الأخير في استعادة الأراضي التي خسرتها خلال الحرب ضد أرمينيا؛ ولذلك، استثمرت أوكرانيا بكثافة في جيشها، فهو الآن أفضل تجهيزا وتدريبا مما كان عليه عندما تعرض للهزيمة في ديبالتسيفو، في عام 2015، فقد تشبع بالمعدات العسكرية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية والأنظمة المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية المحمولة “مانبادس”. وتعتقد كييف اليوم أنها تستطيع استعادة دونباس بالوسائل العسكرية، وقد يبدو ذلك غير مستحيل، إلا أن الهجوم العسكري في دونباس سيواجه العديد من الصعوبات، ليس أقلها الطبيعة الحضرية للتضاريس، وستكون المدرعات الأوكرانية عرضة للأسلحة المحمولة المضادة للدبابات؛ ومن المرجح أن تعتمد القوات الأوكرانية على الاستخدام المكثف للمدفعية، ما سوف يسبب دمارا هائلا؛ وقد حذر قائد الجيش الأوكراني، الجنرال خومتشاك، قبل أيام، “من وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين”.

 

المتطرفون متعطشون للمواجهة

على الأرض، تبدو النظرة قاتمة. يؤكد المتطرفون من الجانبين إن فرص تجنب الحرب “منخفضة للغاية”، وهناك من يتوقع هجوماً أوكرانياً مطلع أيار. ويصرح إيغور ستريلكوف، أحد أشد منتقدي سياسات الكرملين، وأحد أمراء الحرب القلائل الذين نجوا بعد عام 2014، أن الفرصة الوحيدة للسلام هي أن يسيطر الجيش الروسي على الأراضي الأوكرانية، على الأقل حتى نهر دنيبر؛ ويشير إلى أن الحرب “الآن” أفضل من الحرب اللاحقة. ووفقاً له، هناك احتمال بنسبة 99٪ ألا تقاتل واشنطن من أجل أوكرانيا.

من جانبه، يشرح روستيسلاف إيشينكو، أفضل محلل روسي في أوكرانيا، أن “الوضع الدبلوماسي والعسكري والسياسي والمالي والاقتصادي العام يفرض على سلطات كييف” تكثيف العمليات القتالية في دونباس، ويضيف: “بالمناسبة، لا يبالي الأمريكيون بما إذا كانت أوكرانيا ستصمد لبعض الوقت، أو ستتحول إلى غبار في لحظة. يعتقدون أن لديهم كل شيء ليكسبوه، مهما كانت النتيجة”.

 

لماذا تريد أوكرانيا الحرب؟

تريد أوكرانيا الحرب مع روسيا بسبب مجموعة من العوامل المحلية والدولية، بما في ذلك رغبة النخبة الحاكمة بالقضاء على المعارضة الشعبية المتزايدة من خلال سلسلة من عمليات مطاردة السحرة، وجذب المساعدات المالية الغربية الطارئة لتسهيل تعافي الاقتصاد الأوكراني المتعثر، وبما يكفي للتمكن أخيرا من تلقي اللقاحات التي تحتاجها أوكرانيا بشدة. علاوة على ذلك، ستكون النخبة السياسية الأوكرانية، ورعاتها الأجانب، هم المستفيدون الوحيدون المحتملون من مثل هذا الصراع في حالة نجاح الولايات المتحدة في إشعال شرارته.

في 24 آذار، وقع الرئيس الأوكراني زيلينسكي مرسوماً يرقى إلى إعلان الحرب ضد روسيا، وينص على أن استعادة شبه جزيرة القرم أصبحت الآن سياسة كييف الرسمية. وقد أخذت موسكو الأمر على محمل الجد، ودفعت لنشر قوات روسية إضافية في شبه جزيرة القرم، وأقرب إلى الحدود الروسية مع دونباس. بشكل ملحوظ، شملت هذه القوات لواء الهجوم الجوي 76، المعروف باسم لواء المظليين، بسكوف، والقادر على الاستيلاء على أوكرانيا في غضون ست ساعات فقط، تبعا للتقارير الاستخباراتية.

زعم زيلينسكي أن أوكرانيا كانت تواجه “عدوانا روسيا” قال إنه “يمثل تحديا خطيرا لأمن جميع أعضاء الناتو وأوروبا بأكملها”، وقال إن الانضمام إلى المنظمة الأطلسية سيرسل “إشارة حقيقية إلى روسيا”، وختم بأن “الناتو هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في دونباس”، ما يعني، عملياً، توسيع حلف الناتو “لوجوده” في البحر الأسود”.

قام زيلينسكي بحركة إضافية، وزار قطر على رأس وفد رفيع المستوى، وأبرم مجموعة من الصفقات التي لم تقتصر على الغاز الطبيعي المسال بل شملت أيضاً رحلات مباشرة بين كييف والدوحة، واستئجار قطر أو شراءها ميناء على البحر الأسود؛ وعلاقات “دفاعية عسكرية” قوية – يمكن أن تكون تعبيراً لطيفاً عن احتمال نقل الجهاديين من ليبيا وسورية لمحاربة الكفار الروس في دونباس!!

مباشرة بعد ذلك، التقى زيلينسكي مع أردوغان في تركيا التي تدير أجهزة الاستخبارات التابعة لأردوغان المرتزقة الجهاديين في إدلب، وحيث لا تزال الأموال القطرية جزءاً من الصورة. يمكن القول إن الأتراك ينقلون بالفعل هؤلاء “المتمردين المعتدلين” إلى أوكرانيا. وأن الاستخبارات الروسية بدقة كل هذا النشاط.

 

الولايات المتحدة

على الجبهة الخارجية، من المؤكد أن الولايات المتحدة تحاول إثارة المشاكل لروسيا مهما كان ذلك وأينما تستطيع. وفي السياق الحالي، يمكن أن تفرض أي “حرب مستمرة” في دونباس، نظريا على الأقل، تكاليف مالية غير متوقعة على الميزانية الروسية، من بين عواقب أخرى محتملة مثل استخدامها كذريعة لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية الغربية. وبشكل عام، قد تأمل الولايات المتحدة أيضا بأن تتمكن من التلاعب بمشهديات الصراع بحيث يمكن القول أنها تحاول التحريض عليه من أجل الضغط على ألمانيا للانسحاب من اتفاقها لإنهاء خط أنابيب نورد ستريم 2، مهما كانت النتيجة بعيدة المنال أو مستحيلة.

وليس هناك شك في أن روسيا ستنتصر في مثل هذه الحرب، ربما بسرعة خاطفة؛ وكان على الغرب – فيما لو كان جادا في مساعدة أوكرانيا، استخدام كل قوته الدبلوماسية للتأكد من أن الحكومة الأوكرانية لا تسعى لحل مشاكلها بالوسائل العسكرية. ولكن، ولسوء الحظ، تميل الإشارات الواردة من واشنطن، إلى الاتجاه المعاكس. ففي مكالمة هاتفية، مطلع نيسان الجاري، مع وزير الدفاع الأوكراني أندري تاران، أكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن “دعم الولايات المتحدة الثابت لسيادة وسلامة أراضي أوكرانيا وتطلعاتها الأوروبية الأطلسية”.

ورغم أن تصريحات أوستن لا ترقى إلى حد التأييد الصريح للهجوم العسكري، لكن لغة مثل “الدعم الثابت” يمكن أن يساء تفسيرها بسهولة على أنها ضوء أخضر. ففي عام 2008، لم تشجع الولايات المتحدة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي على مهاجمة أوسيتيا الجنوبية، لكن يبدو أنه فسر الدعم الأمريكي لعضوية جورجيا في الناتو على أنه دليل على أن واشنطن ستدعمه إن فعل ذلك. الخطر الآن هو أن الحكومة الأوكرانية سترتكب الخطأ نفسه في الاعتقاد بأن الغرب سوف يدعمها مهما حدث.

 

خط السيل الشمالي 2

ليس خط السيل الشمالي 2 صفقة ضخمة بالنسبة لموسكو؛ وبعد كل شيء، لم يكسب الاقتصاد الروسي روبلاً واحداً من هذا الخط الذي لم يكن موجوداً في 2010. ومع ذلك، إذا تم إلغاء خط أنابيب الغاز هذا فهناك خطط لإعادة توجيه الجزء الأكبر من شحنات الغاز الروسي إلى أوراسيا، ولا سيما إلى الصين.

من جانبها، تدرك برلين جيداً أن إلغاء نورد ستريم 2 سيكون خرقاً خطيراً للعقد الموقع مع روسيا ينطوي على مئات مليارات اليوروهات كتعويضات؛ لأن ألمانيا هي التي طلبت إنشاء خط الأنابيب في المقام الأول.

لقد كانت سياسة “تحول الطاقة” الألمانية كارثية، ويعرف المصنعون الألمان جيداً أن الغاز الطبيعي هو البديل الوحيد للطاقة النووية.. إنهم لا يحبون حقاً أن تكون برلين رهينة، ويُحكم عليها بشراء الغاز الصخري الباهظ الثمن من الولايات المتحدة – حتى بافتراض أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على إيصاله، لأن صناعة “التكسير الهيدروليكي” الأمريكية في حالة خراب.

وكما هو الحال منذ فترة، تتواصل استفزازات الناتو ضد نورد ستريم 2 بلا هوادة.. لقد احتاج هذا الخط إلى تصريح لدخول المياه الإقليمية الدنماركية تم منحه قبل شهر فقط. وعلى الرغم من أن السفن الروسية ليست سريعة في مد الأنابيب مثل السفن السابقة لشركة أولسيز السويسرية، التي تراجعت تحت ضغط الترهيب بالعقوبات الأمريكية، فإن شركة فورتينا الروسية تحرز تقدماً ثابتاً، كما قال المحلل الشهير بيتري كرون: كيلومتر واحد في اليوم في أفضل أيامها، 800 متر على الأقل في اليوم. مع بقاء 35 كم فقط، لن يستغرق الأمر أكثر من 50 يوماً.

 

السيطرة على السردية

منذ الثورة الملونة في أوكرانيا، 2014، وفي سبيل احتواء روسيا، كان على المجموعة العميقة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي السيطرة على البحر الأسود، الذي بات اليوم بحيرة روسية؛ وللسيطرة على البحر الأسود، كان عليهم أولاً “تحييد” شبه جزيرة القرم. ولكن ما هو جلي للعيان أن واشنطن وبروكسل لا تملكان خطة تكتيكية واضحة، ناهيك عن خطة استراتيجية، وهما تهدفان فقط إلى السيطرة الكاملة على السردية، والتي يغذيها الرهاب الروسي المسعور.

ولقد ظهرت علامة أمل محتملة، في 31 آذار، عندما تحدث رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، عبر الهاتف حول “الأمور ذات الاهتمام المشترك”، ليصدر بعد أيام قليلة بيان فرنسي ألماني دعا “جميع الأطراف” إلى وقف التصعيد. ولكن المشكلة هي أن ميركل وماكرون لا يسيطران على الناتو. ومع ذلك، تدرك ميركل وماكرون تماماً أنه إذا هاجمت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي القوات الروسية أو حاملي جوازات السفر الروسية في دونباس، فإن الرد سيستهدف مراكز القيادة التي نسقت الهجمات.

والمسألة هي أن روسيا لن “تغزو” أوكرانيا، وهي لن تحتاج إلى ذلك، وما ستفعله بلا شك هو دعم جمهوريات نوفوروسيا الشعبية من خلال تزويدها بالعتاد، والاستخبارات، والحرب الإلكترونية، والسيطرة على المجال الجوي، والقوات الخاصة. لن تكون منطقة حظر الطيران ضرورية حتى؛ ستكون “الرسالة” واضحة: إذا ظهرت طائرة مقاتلة تابعة للناتو بالقرب من خط الجبهة، فسيتم إسقاطها بشكل سريع.

 

حتى آخر أوكراني

إن القضية الأساسية المطلقة، والتي لا يمكن التأكيد عليها بما فيه الكفاية، هي أن روسيا لن “تغزو” أوكرانيا. فهي لا تحتاج إلى ذلك، ولا تريد ذلك. وما ستفعله موسكو بالتأكيد هو دعم جمهوريات نوفوروسيا الشعبية بالمعدات والمعلومات والحرب الإلكترونية والسيطرة على المجال الجوي والقوات الخاصة. وحتى منطقة حظر الطيران لن تكون ضرورية؛ وستكون “الرسالة” واضحة، وهي أن أي طائرة مقاتلة تابعة لحلف شمال الأطلسي ستظهر بالقرب من خط المواجهة سيتم إسقاطها سريعاً.

وهذا يقودنا إلى “السر” العلني الذي يهمس به فقط في حفلات العشاء غير الرسمية في بروكسل، والمستشاريات عبر أوراسيا: الدمى في الناتو لا تملك بطاقة للدخول في صراع مفتوح مع روسيا..

 

خلاصة

ومع ذلك، خلف ضباب الحرب، يظهر سيناريو واضح: مجموعة الدولة العميقة في واشنطن والرؤوس الحامية الأطلسية تستخدم كييف لبدء الحرب لدفن “خط السيل الشمالي2″، وبالتالي دفن العلاقات الألمانية الروسية.

في الوقت نفسه، يتطور الوضع نحو اصطفاف جديد محتمل في قلب “الغرب”: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مواجهة ألمانيا وفرنسا. ولن تنتهي المواجهة حتى لو اكتمل خط السيل الشمالي2″ إذ سيكون هناك المزيد من العقوبات، ستكون هناك محاولة لاستبعاد روسيا من نظام سويفت، وستشتد الحرب بالوكالة في سورية. والاستمرار في خلق كل أنواع المضايقات الجيوسياسية ضد روسيا.