ثقافةصحيفة البعث

الشاعر طلال الغوّار: أنحاز إلى الآخرين من خلال الذات

“خرجتُ من الحرب

وليس معي

سوى بضع قصائد”

هذه المفردات خطّها الشاعر العراقي طلال الغوّار على غلاف مجموعته الجديدة “أُسمّي جرحي شجرة” الصادرة عن دار العرّاب، والتي وقعّها أثناء زيارته سورية مؤخراً في مقر اتحاد الكتّاب العرب في دمشق، فكان معه هذا الحوار.

وردت مفردات موسيقية في مجموعتك الجديدة فما دلالة ذلك وبماذا تختلف عن باقي مجموعاتك الشعرية؟

هذه المجموعة امتداد لمجموعاتي السابقة، لكنها تتميز عنها بحالات كثيرة، إذ اعتمدتُ على تناول المفردة الحياتية البسيطة المتداولة في يومياتنا، ومن ثم بنيتُ عليها عالم القصيدة مثل قصيدة العنوان وقصيدة بنات الناي وغيرها، والناي مفردة صوفية لها دلالة روحية تعني صدى الروح، فأخذت سيرة هذه النغمة كيف تسري؟ وماذا تفعل؟ وإلى أين تنتهي؟ ثم أضفتُ المضمون الإنساني بأنسنة الأشياء، وكذلك الإيقاعيات، فالآلات الإيقاعية ارتبطت بجلسات الذكر الملازمة للجانب الروحي المتمثل بالنقاء والصفاء والحب الإلهي بعيداً عن كل الدلالات المادية. أيضاً تتميز باستخدام اللغة فحاولت أن أتجه أكثر نحو الانزياح، وأعطيت للمفردات معاني أخرى غير المعنى التقليدي مثل “آه كم هو جميل، أن تتكئ على صخرة، عند ضفاف النهر، تنتظر موجة”.

المجموعة حافلة بتنويعات الأشكال الشعرية فما أقربها إليك؟؟

المجموعة تحتوي على عدة أشكال شعرية، منها الشكل العمودي الذي بدأت به تجربتي الشعرية ثم كتبت التفعيلة ومن ثم قصيدة النثر، لكن في هذه المجموعة اعتمدت على توظيف القصيدة العمودية مثل ظمأ “غيابك يخضر بي ظمأ، وقد نسبتني إليك الحقول”، التي تكتب بصدر وعجز وكتبتها بشكل من أشكال التفعيلة أو قصيدة النثر، إلا أنها تمتلك خصائص القصيدة العمودية من حيث القافية والروي والوزن مثل شجن وشرفات وظمأ، والشكل الآخر قصيدة التفعيلة مثل مزاح وبنات الناي، أما القصائد الأخرى مثل قصيدة غياب “أحبابي، وأصحابي، بعد أن اختطفتهم، أجنحة الغياب” شبيهة بقصيدة النثر، وأنا اختلف عن الآخرين بمفهوم قصيدة النثر التي أكتبها بشكل مختلف، أيضاً توجد ومضات شعرية دون عناوين وهي إيحاءات  تبوح أو تومئ بحالة تعتمد على تكثيف الفكرة والضربة الشعرية وتختزل معنى، مثل “لا شاعر، على المنصة، لكنهم،” فهي تحث القارئ على تخيّل الصورة والمشهدية الشعرية..وثمة تقاطعات بينها تشبهني وأجد نفسي في كل أشكالها.

مارأيك بالحوار كعنصر أساسي بالقصيدة للتعبير عن تساؤلات الشاعر؟

الحوار ضروري حسب الحالة الشعرية فمن خلاله تقول للآخر ماذا تريد، ويبرز الشاعر الفكرة التي يريدها هو توظيف شكلي ويوجد لي الكثير من القصائد التي تضج بالحوارية وفي هذه المجموعة الحوار موجود لكنه قليل مقارنة مع بقية مجموعاتي، الأهم هو تكثيف المتخيل الشعري فهذا يعود إلى بناء الرؤية واللغة وإن لم تتوافر المخيلة لن تصل إلى الصورة الشعرية، فالمتخيل عنصر أساسي لخلق الصورة الشعرية وبغيابه تهبط الحالة الشعرية.

تعقيباً على المتخيل ماردك على الاتجاه الواقعي بالشعر؟

هي اتجاهات وفي الوقت الحاضر لا يجزئون الشعر، لأن القصيدة تحتوي على الكثير من العناصر،  وبرأيي الشعر هو استخدام اللغة بشكل غير مباشر فحينما تتحول اللغة الشعرية إلى لغة إخبارية تفقد الشعرية.

الطبيعة حاضرة عبر لغتك الشعرية بتداخل دلالي وإيحائي فما دلالة ذلك؟

كثير من النقاد توقفوا عند توظيف عناصر الطبيعة في شعري فالنهر رمز الحياة الخصبة، والشجرة هي العطاء، والجبل والعشب والزهرة، كلها موجودة حتى في بدايات القصائد مثل قصيدة العنوان “أخرج من شجرة” هي إيحاءات لمأساة الإنسان العربي من خلال أوضاعنا في ليبيا وسورية واليمن والعراق، تعبّر عن جراحات الإنسان عن المسيرة الشاقة للحرب والقتل والتهجير، لذلك أدعو في شعري إلى الخلاص، “وأنت أيها الناي، اجعلني نغمتك، كي أبتكر طريقي” كلها تبشيرات بحياة أجمل.

ضمير المتكلم هو السائد في المجموعة “أخرج، أسير، مضيتُ” وكأنك تقترب من لغة الروائي الذاتي، فما ردك؟

الشعر فن ذاتي يبرز الذات الخاصة بالقصيدة وهذه ليست الذات الأنانية وإنما الذات المعبّرة عن الذوات الأخرى، فحينما أتكلم عن جرحي أعبّر عن جراح الآخرين، وحينما أكتب عن حزني لما أصاب الوطن فأنا أكتب عن مأساة الإنسان العربي وعن مأساة الجميع وتطلعاتهم وأحلامهم، أنا أنحاز إلى الآخرين من خلال الذات.

كيف ترى المشهد الشعري العربي؟

من خلال متابعاتي وزياراتي أتابع الحالة الشعرية في البلدان العربية التي أزورها، وأرى أن النشاط الشعري المكثف في العراق وسورية فقط، وأقرأ للكثير من الأصدقاء ليس على صعيد الشعر فقط وإنما الرواية، لكن يستهويني شعر صقر عليشي يكتب بلغة مميزة. وتوجد في الساحة الشعرية في سورية أصوات عدة تركت بصمة في عالم الشعر، كما لاحظتُ أن المشهد الثقافي عامة حافل بالنشاطات والفعاليات فالمراكز الثقافية تقيم فعالياتها رغم الأوضاع الصعبة التي كانت خلال سنوات الحرب والحصار الآن، وكذلك الأوبرا فالمسرح والموسيقا والأدب وكل الفنون التي تقدم عروضها تشكّل نوعاً من التحدي للإرهاب والحرب المدمرة على سورية، وأشيد بالاهتمام الثقافي من قبل وزارة الثقافة وعلى مستوى اتحاد كتّاب العرب، في العراق توجد نشاطات إلا أنها قليلة مقارنة مع سورية.

ملده شويكاني