دراساتصحيفة البعث

الثقافات الضيّقة سبب مشكلات اليمن

نايف القانص

سفير اليمن السابق في سورية 

اليمن يتعرض لتدمير شامل، إنساني وسياسي، واقتصادي، وثقافي، وتعليمي، وصحي، وتاريخي، وقبلي، لذلك يجب علينا جميعاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال الابتعاد عن دوائر الثقافات الضيقة التي لم نجنِ منها سوى الدمار الشامل، والبداية من ثقافة التناحر التي تعتمدُ أساساً على الإقصاء للاستئثار والهيمنة، وتتسم بالخطاب المنغلق على الذات لكل فرقاء العملية السياسية والذي يؤدي إلى فقدان إي جسور للتواصل، وإلى الانعزالية بكافة صورها، وهو ما كلفنا دفعَ ثمن باهضٍ وكان له تأثيره طيلة العقود الماضية التي نتج عنها العدوان والحرب الدائرة، والتفنن في تكنولوجيا العداء تجاه “مكونات أخرى” كانت سائدة ومسيطرة، الأمر الذي دفعها إلى الاستعانة بأطراف خارجية ضد الأطراف الداخلية. وتسيد الانفعال والاشتباكات الكلامية وغيرها، وهي من أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن. واستخدام حجج وبراهين لا للتدليل على قوة الحجة بما فيه خدمة الوطن، بل للتدليل على خطأ الآخرين وتوجهاتهم الفكرية والأيدلوجية والعقائدية، ما تسبب بتوسيع دائرة الخلاف.

والأمر الثاني يتعلّق بثقافة التسلط والتي من أكثر الثقافات “تداخلاً” مع ثقافة التناحر، حيث تمخض عنها الشخصية الاستبدادية الفردية والجماعية للمكوّن المسيطر على القرار، واستغلال السلطة، وإقصاء الآخرين.

والأمر الثالث فيما يتعلّق بثقافة التآمر أو “نظرية المؤامرة” وتتمثّل بهيمنة صور التفكير التآمري والتخوين على مستوى إنتاج أي حوار قد يقرب وجهات النظر ويوجِّد آليةً مشتركة لتسوية الخلاف والشراكة في ادارة الدولة.

والأمر الرابع ثقافة غيبوبة الماضي والحنين للماضي وللذكريات وللتاريخ شي من الايجابية إذا ما وُظِّفَ بشكل جيد، فقد تستلهم القوة والعزم من أمجاد الماضي، بينما السلبية الخطيرة هي أن يتحوّلَ الأمرُ الى غيبوبة نعيشها وننسى الأخذ بأسباب التغيير، وأسباب استعادة المجد ومواكبة الحاضر والتفكير في المستقبل.

والأمر الخامس ثقافة الاستلاب والإحباط هذه الثقافة لها عدة ملامح منها الشعور بالتنويم المغناطيسي من خلال استلاب إرادة عامة الشعب لدرجة لا تُصدق، من خلال الإنغلاق التام على نظام معين بصورة جامدة، وعدم تمكن المستلبون من رؤية البدائل، لعدم شعورهم بالأمان، بل نجد لديهم الاستعداد للدفاع عن الوضع الذي وضعوا فيه حتى لو كان على خطأ، وتجسّد حالة الإحباط الشديد أفقدهم القدرة على إيجاد أي صيغة فاعلة للخروج من هكذا وضع.

والأمر السادس ثقافة الصمت والغموض السلبي، وطبقاً للمعطيات السلبية لهذه الثقافة نجد الكثيرين يوظفون آليات الصمت والغموض لصالحهم، لأن الأغلبية يفتقرون لشجاعة المواجهة الصحية، ويلجأون لـ “اللعب على الحبلين” والانتهازية طبقاً لظروف سير الأمور.

ومن المؤكد أننا إن لم نتجاوز تلك الثقافات ونتخلص من تأثيراتها، وإن لم نكن بالمستوى المطلوب من الوعي والشعور بالمسؤولية، فلا يمكن أن نصل إلى حل، لذا، يجب علينا في كل منعطف للحوار أن نستدرك تلك الأمور ونضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح إن أردنا فعلاً التوصل إلى حل ينقذ ما يمكن إنقاذه، ويضع حداً لهذا العدوان والحرب المدمرة، ويرفع الوصاية والتدخلات الخارجية.