انتخابات رئاسة الجمهورية العربية السوريةرأيصحيفة البعث

الاستحقاقات الدستورية: فعل بناء ومقاومة

أحمد حسن

ثمة علاقة طردية، كاشفة وفاضحة، بين إشعال مجلس الشعب الضوء الأخضر للمسار الانتخابي الدستوري في سورية واشتعال الضوء الأحمر عند البعض بدرجة سطوع توازي، أو تفوق، درجة سطوع الضوء الذي كان يلمع في غرفهم الميدانية بعد كل تقدم ميداني سوري.

عام 2014 في الانتخابات الرئاسية حدث هذا الشيء. كان عاما 2016 و2020 في الانتخابات البرلمانية نسخة كاملة عنه، والسبب ببساطة تم الكشف عنه عام 2014 – أي قبل الانتخابات الرئاسية السابقة – حين تسرّب تقرير للمخابرات الأمريكية جزم وحذّر، في الآن ذاته، من أن إجراء الانتخابات يعني فوز الخيار السوري بصورة حاسمة بالرغم من كل ما فعلوه لدعم الخيار الآخر.

التقرير كان دقيقاً في “جزمه” ومحقّاً في “تحذيره”، فسورية التي تجري انتخاباتها في مواعيدها رغم الحرب الطاحنة، إنما تحترم بذلك دستورها أولاً، وتسقط ثانياً، ورقة غياب الاستحقاقات، أو عدم احترامها، لوصمها بالدولة الفاشلة، وهو هدف مزمن، ومعلن، لغايات أكبر وأعمق غوراً ومدى.

هذا يعني خسارة صافية لواشنطن، و”من لف لفّها”.

بذلك يبدو “سعار” اليوم، والأيام القادمة، مفهوماً، لأن نتيجة الاستحقاق الحالي تشبه نتيجة السابق، دون الحاجة إلى الاطلاع على تقرير جديد للمخابرات الأمريكية يجزم ويحذّر.

المفارقة أنه حتى الاعتراضات الحالية تشبه تلك السابقة، لكن ربما كان أغربها وأكثرها تناقضاً هو التهديد بعدم الاعتراف بالاستحقاقات ونتيجتها بحجة “الخشية على الدولة”!!، وكأن الدولة، مطلق دولة، تكون كذلك إذا رهنت مواعيدها الدستورية لقرار خارج وترتيباته ومصالحه المعروفة.

بيد أن بعض الاعتراضات تحتاج إلى المزيد من القول، منها مطالبة البعض بالانتظار وتأجيل الانتخابات حتى تتوفر شروطاً أفضل..!!، ومنها انتظار تطبيق مفردات القرار الدولي 2254.

في الرد على الاعتراض الأول يمكن إحالة هؤلاء إلى اعتراف “أحدهم” عام 2014 بأن “المثال الليبي خلق وهماً أنه سيمكن التخلص من النظام عبر التسليح والغطاء الجوي”. إذاّ هذه هي شروطهم الأفضل!!، وبالطبع لا تستطيع الدولة السورية انتظار يأس هذا الفريق، وبالأحرى شفاءه من رهاناته وأحلامه التي تجاوزتها الوقائع والأحداث منذ فترة طويلة.

وبالنسبة للاعتراض الثاني يمكن القول ببساطة: إن القرار المذكور لا يتحدث عن إلغاء هياكل الدولة السورية، ولا عن إيقاف استحقاقاتها الدستورية، بالتالي ليس للقرار المذكور أي شأن هنا. بهذا تصبح الاستحقاقات الدستورية فرضاً، وواجباً عليها، سواء بالمواعيد أو الإجراءات.

والحق فإن هدف الاعتراضين السابقين، وغيرهما أيضاً – بعضها لا يستحق الذكر – استبدال الاحتكام لإرادة الشعب السوري، بفرض الرغبة والإرادة والقرار الخارجي عليه. هذا ما حاولوه بالميدان، وما يسعون إليه اليوم بالسياسة والاقتصاد. هنا يمكن إدراج محاولة إغراق الموضوع السوري بمشاريع القرارات الإنسانية والسياسية و”الكيميائية”، تمهيداً لإعلانها دولة فاشلة، وبالتالي وضعها تحت رحمة مجلس الأمن الذي يقرر حينها المسار والمصير.

بهذا المعنى يصبح الاحتكام للدستور، واستحقاقاته، فعل مقاومة علني، يعضده ويسنده إجراء الانتخابات في جو شفّاف ونزيه يعلن فيه كل مرشح انحيازاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي انحيازات مصيرية يحتاج السوريون أن يسمعوا أنها تندرج في مسار سياسي اجتماعي مستنير، باعتبار التنوير ومشتقاته قدر سورية وسند وجودها الأساس، وسط هذا المحيط المضطرب بالمشاكل الطائفية والمذهبية والعرقية، وهذا يحتاج بالضرورة المطلقة إلى انحيازات اقتصادية لصالح الزراعة والصناعة والفئات العاملة ورأس المال المنتج وليس الطفيلي، والأهم لصالح الفقراء الذين قدّموا في هذه الحرب، وكل حرب سابقة، دماءهم وحياتهم كي تبقى سورية وتستمر، فهم ملح هذه الأرض وسمادها في الآن ذاته.