دراساتصحيفة البعث

هل ينهي بايدن أطول حرب خاضتها بلاده؟

ترجمة وإعداد: هناء شروف

في بدايتها، كانت حرب أمريكا ضد أفغانستان تدور حول مزاعم الانتقام من أحداث أيلول. ثم كان الأمر يتعلّق بدعم حكومة ضعيفة وجيشها الضعيف حتى لا يتمكّن تنظيم “القاعدة” بقيادة الإرهابي أسامة بن لادن من تهديد الولايات المتحدة مرة أخرى، الآن انتهى الأمر. مع مقتل بن لادن منذ فترة طويلة وعدم تعرّض الولايات المتحدة لهجوم كبير آخر، وعد الرئيس جو بايدن بإنهاء أطول حرب أمريكية والانتقال إلى ما يدّعي أنها تحديات أكبر وأكثر أهمية تفرضها روسيا والصين الصاعدة.

ومع ذلك، من خلال سحب الآلاف المتبقية من القوات الأمريكية في أفغانستان بحلول الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من أيلول، يخاطر بايدن بمخاطرة تتمثل في إمكانية مواجهة المتطرفين في أفغانستان من قبل القوات الأمريكية والقوات الشريكة في أماكن أخرى في المنطقة. أخبر مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز الكونغرس يوم الأربعاء الفائت أن الولايات المتحدة ستفقد حتماً بعض نفوذها الاستخباراتي ضد التهديد المتطرف، على الرغم من أنه أشار إلى أن الخسائر يمكن السيطرة عليها. وأضاف: “إن قدرة الحكومة الأمريكية على جمع التهديدات والتصرف حيالها سوف تتضاءل.. هذه حقيقة”.

كان هناك 2500 إلى 3000 جندي أمريكي في أفغانستان عندما تولّى بايدن منصبه، وهو أقل عدد منذ بداية الحرب. بلغ العدد ذروته عند 100000 خلال الولاية الأولى للرئيس أوباما. ومع تلاشي خسائر الحرب الأمريكية قلّ انتباه الرأي العام الأمريكي أيضاً، وبالكاد تمّ ذكر الحرب خلال السباق الرئاسي العام الماضي.

ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة، يقول ستيفن بيدل، الأستاذ في جامعة كولومبيا الذي قدّم المشورة للقادة الأمريكيين في أفغانستان، إنه من المحتمل أن تتمكن “القاعدة” من إعادة تأسيس هيكلها الأساسي في أفغانستان بمجرد مغادرة الأمريكيين وشركائهم في التحالف. تعهدت حركة طالبان في أفغانستان في اتفاق شباط 2020 مع إدارة ترامب بأنهم لن يسمحوا للقاعدة أو الجماعات المتطرفة الأخرى باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الولايات المتحدة. لكن هذه الصفقة قد تتعرّض للخطر بسبب قرار بايدن عدم استكمال انسحاب القوات بحلول الأول من أيار كما وعدت إدارة ترامب. إن الخطر الأكبر هو أن الانسحاب قد يؤدي إلى انهيار قوات الأمن الأفغانية وحرب أهلية متعدّدة الجوانب تشارك فيها فصائل طالبان وغيرها في نسخة أكثر فتكاً من الحرب الأهلية في التسعينيات، ستكون هذه كارثة إنسانية للأفغان.

في لحظة محورية سابقة في الحرب، اتخذ أوباما وجهة نظر مماثلة. عندما أعلن عن زيادة 30 ألف جندي أمريكي في أفغانستان في 2009، جادل ضد محاولة احتواء التهديدات المتطرفة في المنطقة الأفغانية الباكستانية، وقال: “التخلي عن هذه المنطقة الآن والاعتماد فقط على الجهود ضد القاعدة من مسافة بعيدة  من شأنه أن يعيق بشكل كبير القدرة على مواصلة الضغط على القاعدة ويخلق خطراً غير مقبول بهجمات إضافية على وطننا وحلفائنا”. لذلك مضى أوباما قدماً في تعزيز القوات بهدف ضرب طالبان بشدة لدرجة تجعلهم يوافقون على التفاوض على اتفاق سلام. لم ينجح في ذلك واستمرت طالبان في القتال. حتى بعد أن سمح الرئيس دونالد ترامب باتباع نهج عسكري أكثر قوة لطالبان في عام 2017، لم تستسلم الجماعة ووافقت على التفاوض مع الحكومة الأفغانية لكن تلك المحادثات تعثرت. من الصعب الحكم على ما تمّ تحقيقه في 12 سنة منذ أن صعّد أوباما الحرب، لذلك من المحتمل أن تكون قوات الأمن الأفغانية أقوى على الرغم من أن مرونتها ستختبر اليوم في غياب الدعم الأمريكي، خاصةً وأن الحكومة الأفغانية لم تعزّز سلطتها في جميع أنحاء البلاد.

يقول البنتاغون: إن تركيز الولايات المتحدة المكثف على مواجهة المتمردين هناك وفي الشرق الأوسط كان بمثابة استنزاف للموارد، لدرجة أن الولايات المتحدة تفقد قوتها ضد الصين وروسيا، حسب تعبيره. وبالفعل لقد أودت الحرب بحياة أكثر من 2300 من أرواح الأمريكيين ومعاناة لا حدّ لها بين الأفغان منذ غزو الولايات المتحدة في تشرين الأول 2001. بعد عشر سنوات من الحرب في أيار 2011 قتلت القوات الأمريكية بن لادن في باكستان ولفترة قصيرة بدا من الممكن أن عند واشنطن فرصة لإنهاء الحرب.

بعد أسابيع قليلة من مصرع بن لادن سأل جندي أمريكي شاب في موقع مترب في شرق أفغانستان وزير الدفاع روبرت غيتس عن تأثير وفاة متزعم القاعدة على الحرب والأمل في أن نهايته ستسرع بعودة القوات إلى الوطن. أجاب غيتس: “من السابق لأوانه القول”.

الآن بعد عشر سنوات قرّر بايدن، بعد أشهر من المداولات، إنهاء أطول حرب خاضتها بلاده وإجراء انسحاب غير مشروط للقوات الأمريكية من أفغانستان في مواجهة حركة طالبان. ومن المقرّر أن تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان قبل الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول، بعد حملة كلفت أمريكا نحو 2 تريليون دولار و2400 جندي أمريكي!.