زواياصحيفة البعث

عودة إلى “الحرب الباردة” بأسلوب ساخن

طلال ياسر الزعبي

التحذيرات الروسية الأخيرة من أن موسكو لن تنجرّ إلى حرب في أوكرانيا إلا إذا فرضت عليها، تشير بوضوح إلى أن الغرب يحاول ابتزاز روسيا ودفعها إلى التنازل عن بعض الملفات الدولية، وذلك باستخدام سياسة العقوبات والحصار التي لا تجدي نفعاً في هذا المكان.

فجميع المؤشرات تؤكد أن حلف شمال الأطلسي “ناتو” يسعى جاهداً، بقيادة الولايات المتحدة، إلى استنزاف روسيا عسكرياً في منطقة القرم، التي عادت إلى روسيا مؤخراً، مستفيداً في ذلك من وجود خاصرة رخوة لروسيا في جمهورية أوكرانيا، التي دعم فيها الانقلاب على الشرعية السابقة، الأمر الذي أدّى إلى انفصال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وسكانهما من الأغلبية الروسية، فضلاً عمّا تعنيه عودة القرم إلى السيادة الروسية من إثارة ذكريات الحرب الروسية العثمانية في شبه جزيرة القرم.

أسلوب الخاصرة الرخوة هذا يعتبر من أساليب الحرب الباردة التي كانت سائدة في نهايات القرن الماضي، وهو أسلوب استخدمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إثارة النزاعات حول العالم، ومثاله أفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفييتي السابق، وتايوان بالنسبة للصين حالياً، فضلاً عن لبنان بالنسبة لسورية، وليبيا بالنسبة إلى مصر والجزائر، وهي أمثلة واضحة على هذا الأسلوب.

على أن هذا الأسلوب لا يُراد منه على وجه الحقيقة إشعال حرب مباشرة، لأن ذلك لا يعبّر صراحة عن الرغبة في استنزاف الطرف الآخر، بل يراد منه تحويل هذه الخاصرة إلى حاضن طبيعي للإرهاب عبر تغذية الصراع داخل هذا البلد من خلال إنشاء مجموعات وميليشيات مسلحة داخله تكون نواة لعمليات إرهابية، وهذا بالضبط ما حذر منه سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، الذي أكد أن حلف “ناتو” يسعى إلى تدريب مجموعات إرهابية لزعزعة الاستقرار في المنطقة، مؤكداً أن تسخين جبهة أوكرانيا على هذا النحو ستكون له ارتدادات خطيرة على أمن أوروبا بأكملها، وربما تكون أوكرانيا ذاتها ضحية لهذا العمل.

إذن، تؤكد موسكو أن لا مصلحة لأحد بتسخين النزاع في أوكرانيا، وخاصة رئيس النظام التركي، الذي يعتقد أن باستطاعته الآن، بتحريض أمريكي، التملّص من معاهدة مونترو التي ضمنت سيطرة تركيا على مضيقي البوسفور والدردنيل بعد احتلالهما من الحلفاء إبان الحرب العالمية الأولى، فأي سعي لاستعمال هذه الورقة في وجه روسيا ربما تكون له تداعيات كارثية على تركيا لا يستطيع النظام في أنقرة استيعابها، فهل تدرك جميع هذه الأطراف ما هو السيناريو الذي يقودها إليه حليفهم الأطلسي من وراء المحيط، أم أن الأمر ما زال خارج قدرة هذه الأطراف على استيعاب المشهد؟!.

روسيا حذرت جميع دول الناتو من مغبّة اللعب بخاصرتها الغربية، فهل وصلت الرسالة، أم أن أوروبا يمكن أن تكون مسرحاً لحرب عالمية جديدة من البوابة الأوكرانية، وربما التركية؟.