اقتصادصحيفة البعث

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بين التشريع والتنفيذ

يهدف المرسوم التشريعي الجديد رقم (8) لعام 2021 المتضمّن قانون حماية المستهلك، إلى حماية حقوق المستهلك وضمان سلامة الغذاء ومنع الاحتكار، من خلال وضع ضوابط لممارسة التجارة والتسعير وفرض الرقابة على جودة المواد والمنتجات، مع تشديد العقوبات والغرامات على الاحتكار والبيع من دون فاتورة وعدم إعلان الأسعار والتلاعب بالوزن والمكاييل والبيع بأسعار زائدة، والمتاجرة بمادة الدقيق التمويني ومواد الإغاثة والسرقة والاختلاس والغش، وجاءت مواده مدروسة بإحكام لمصلحة شريحة المستهلكين، وقد تميّز بأن جاءت العقوبات المفروضة متناسبة مع خصائص المخالف ونوع المخالفة، بعيداً عن أي تعاطف مع مرتكبي المخالفات أياً كانت أنواعها، والتي هي قائمة منذ سنوات في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ونهم الجشعين لمزيد من الربح بغضّ النظر عن شرعيته، بدليل أن تلك المخالفات كانت تتكرّر رغم العقوبات التي كان معمولاً بها.

المادة /39/ من القانون تعاقب بائع المفرق الذي يبيع المواد أو المنتجات أو السلع غير الحائز على فواتير لها، أو امتنع عن إعطاء فاتورة للمستهلك، أو أعطى فاتورة غير صحيحة، وتعاقب تاجر نصف الجملة والجملة بعقوبة أعلى، وتلزم كل تاجر باستخدام الفاتورة، وهذا غير معهود عند نسبة غير قليلة من تجار المفرق الذين سيجدون في ذلك عبئاً مالياً وإدارياً عليهم، فهل سيتمّ إلزام والتزام جميع التجار بالفاتورة، بما فيهم شريحة التجار الصغار وتجار الأرصفة والشوارع والساحات والجوالين الذين يشكّلون نسبة غير قليلة من العاملين في التجارة، ومثلهم المنتجون الصغار. والمادة /45/ تفرض على التاجر احتواء فواتير الشراء، والسؤال هنا: هل قامت الجهات المعنية بإعداد واعتماد نظام فوترة بشكل دقيق يضمن تمكين إعطاء فاتورة حقيقية (شراء ومبيع) تتناسب مع مواصفات السلع ومجمل الكلفة وحقوق الربح للمنتج والمستورد وتاجر الجملة وتاجر المفرق وحقوق المستهلك، إذ أن هذا الأمر غير محقق بالشكل المطلوب حتى تاريخه، رغم ما أثير سابقاً عن اعتماد نظام الفوترة، ولن يكون من السهل تحققه بالسرعة المطلوبة.

إن العقوبة على عدم وضع تسعيرة أو تسعيرة زائدة، تقتضي امتلاك التاجر لفواتير شرائه، المسجل عليها النسبة التي يستحقها من الربح لكل مادة، لكي يثبت تقيده بها، إضافة إلى إحاطته علماً بنشرة الأسعار الدورية الصادرة عن لجنة التسعير المركزية ولجان التسعير الفرعية في المحافظات، وهل من وسيلة تضمن وصول هذه النشرات لجميع التجار؟، علماً أن هذه اللجان لا تسعِّر حالياً إلا عدداً محدوداً من السلع، وقد أثبت الواقع أن كثيراً من أسعارها لا تتناسب مع واقع السلع في السوق، وغالباً ما يكون سعر السوق الفعلي أكثر منها أو أقل، حسب العرض والطلب والزمان والمكان، وقد لوحظ ذلك مراراً في سعر اللحوم وأسعار الكثير من الخضار والفواكه وأسعار الألبسة والأحذية ومئات المواد الأخرى…، عدا عن أن المنتجين والتجار يحتجون بأن لجان التسعير تسعّر في ضوء كلفة المستلزمات الرئيسية، ويندر أن تلحظ ما يتحملونه من نفقات النقل والإيجارات والصيانة والإصلاحات وقطع الغيار وأجور مهنيين لا ضابط لأسعارها، كما أن توفر أنواع عديدة من كل مادة وتجدُّد هذه الأنواع بشكل دائم، لا يتيح سهولة تحديد مواصفات وتسعير كل نوع، كما أن تقلبات السعر اليومية تتيح للتاجر البيع بموجب فاتورة الشراء الأعلى لديه، فواقع الحال يظهر عدم تقيد الكثيرين بالسعر المحدّد من لجان التسعير ولا بنسبة الربح القانونية للسلع غير المسعرة، وهل من يضمن عدم لجوء مراقبي التموين لمساومة مرتكبي المخالفات لقاء مبالغ مالية ضخمة، كانت أقل سابقاً.

والمادة /46/ تعاقب كل من تاجَرَ بالمساعدات الإغاثية المقدمة من قبل إحدى الجهات العامة أو الجمعيات والمؤسسات الخاصة، والمادة (56) تعاقب بعقوبة صارمة كل من قام بالاتجار بالدقيق التمويني، أو أي من المواد المدعوم سعرها لغير الغاية المخصّصة لها، فهل يؤخذ في الحسبان أن بعض مواد الإغاثة والسلع المدعومة تعطى لمن لا يستحقها أو تفيض عن حاجته أو لا يستخدمها، ويجد مصلحته في بيعها ليشتري بثمنها سلعاً أكثر أهمية له، ما يفرض وجود تداول بيعها في السوق، ويوجد من يحتاجها ويجد مصلحته بشرائها بسعر أعلى، فهل من إجراءات رسمية موازية تضمن عدم تحقق ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس بمقدور كثير من المعاقبين تحمّل عقوبة السجن سبع سنوات أو أقل لظروف صحية أو معنوية، وكيف ستستوفى الغرامة المالية الكبيرة من المخالف الذي لا يملك هذا المبلغ الكبير، فهل من إجراءات وتشريعات رسمية تضمن إعداد واعتماد نظام فوترة حديث، يحقق حالة عدالة للمنتج والتاجر والمستهلك، وتحصر المواد المدعومة ومواد الإغاثة بمستحقيها ومحتاجيها ومستخدميها فعلاً، منعاً لإعادة بيعها من قبلهم، بالتوازي مع تشريعات وإجراءات تحدّ من ادعاءات مبررات اللجوء إلى الغش ونقص الوزن والكيل تحت أية حجج، وهكذا بالنسبة لجميع المخالفات الواردة في المرسوم.

من المؤكد أن المرسوم الجديد حاجة وطن ومواطن، ولكن مصلحة الوطن تقتضي أن يتمّ تطبيقه بالتوازي مع قيام الجهات المعنية بإعداد مجمل مقدمات وإجراءات وتشريعات، تمكن من اجتناب ارتكاب المخالفات الواردة فيه، فحماية المستهلكين يجب أن تكون مقترنة بحماية منتجي السلع ومستورديها وناقليها والمتاجرين بها، وللعاملين في هذه القطاعات حقوق، وأي تغافل عنها سينعكس على حقوق المستهلك، لأن الجميع تحت سقف الوطن.

عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية