اقتصادصحيفة البعث

لن يتوقفوا عن التدخل السلبي!

لم تتوقف بعض الجهات الحكومية، وعلى رأسها وزارة التجارة الداخلية، عن الرهان على الجانب الإنساني لكبار التّجار ورجال المال. وقد حرص وزراء التجارة على مدى السنوات العشر الماضية على زيارة مقار غرف التجارة لعقد حوارات مباشرة (من القلب إلى القلب) حول دور الفعاليات التجارية في المساهمة بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الظروف الصعبة والعقوبات الاقتصادية من جهة، ودورهم في تخفيض أسعار المواد الاستهلاكية من جهة أخرى!.

تُرى ماذا كانت نتائج الاجتماعات والحوارات خلال السنوات العشر الماضية؟..

باستثناء مبادرات فردية لقلة من التّجار، لم تشرف غرف التجارة على أي مبادرة اجتماعية أو تظاهرة اقتصادية جادة وفعّالة لخفض الأسعار، كما فعلتها ولا تزال تفعلها غرف الصناعة مثلاً.

على العكس تماماً لم يتوقف كبار التّجار وحيتان المال عن التدخل سلباً في حياة ملايين الأسر السورية، والأسعار التي ترتفع يوماً بعد يوم أسوأ مثال على التدخل السلبي واللا اجتماعي!.

لقد أخطأت وزارة التجارة بقولها إن من يتحمّل هموم الناس هي الدولة والفعاليات التجارية، وكما نقولها دائماً: الرهان على الفعاليات التجارية خاسر.. خاسر. الرهان كان ويجب أن يكون دائماً على المنتجين الفعليين الذين يوفرون للمواطن سلعاً بديلة عن المستوردة ويقيمون المعارض للبيع المباشر للمواطن بلا سماسرة أو وسطاء. بل إن الرهان الأكبر يجب أن يكون على أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر الذين ينتجون سلعاً بمواصفات تنافس مثيلاتها الأجنبية وبأسعار رخيصة جداً.

ونشدّد هنا على أن المساعدات الاجتماعية على الرغم من أهميتها في ظروف استثنائية وقاهرة ليست بديلاً ولا أكثر أهمية من مساعدة الأسر المحتاجة على تنفيذ مشروع صغير يدرّ عليها دخلاً يغنيها عن السؤال أو انتظار سلّة غذائية من فلان أو علتان من التّجار.

وإذا كانت وزارة التجارة مقتنعة فعلاً بأن غرف التجارة تشعر بهموم الناس وبمصاعبهم، وبأن صرخة أي مواطن تحملهم المسؤولية .. فهي واهمة جداً.

التّجار لا يسمعون سوى رنين الذهب والنقود، ويتركون أنين الناس للدولة فهم يرون أنها الوحيدة التي يجب أن تساعدهم وتدعمهم. ومن قام بتهريب أمواله إلى المصارف اللبنانية على مدى السنوات العشر الماضية لن يهتمّ بمعاناة الناس ولا بأصواتهم، ولولا بقية من الحياء أو خشية من تشفي الشامتين، لطالب بعضهم الحكومة بمساعدتهم لاسترداد دولاراتهم المهرّبة التي تبخرت في المصارف اللبنانية.

ولعلّ الجملة الوحيدة التي أصاب فيها وزير التجارة الداخلية بعد الهبة ما قبل الأخيرة للأسعار هي مخاطبته للتجار بحسم وجزم: أنتم قادرون على التدخل في الحياة المعيشية للمواطنين.

نعم.. التّجار ليسوا قادرين فقط على التدخل بل يفعلونها يومياً ولكن سلباً لا إيجاباً، وكان على الوزير أن يسأل التّجار: متى ستكفون عن التدخل السلبي في حياة ملايين الأسر السورية، وتنغصون عليها معيشتها؟.

ولو كان التّجار يهتمون بالناس لاهتموا بعمالهم، فهل يمنحونهم أجراً يكفيهم لتأمين معيشتهم؟.. بل هل قاموا بتسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية وبشركات التأمين الصحي؟!.

بالمختصر المفيد.. لم ولن يتوقف قطاع كبار التّجار وحيتان المال عن التدخل السلبي، ليس في حياة الناس فقط وإنما أيضاً في الاقتصاد الوطني، وهم غير مستعدين للمشاركة بأي مسؤولية اجتماعية إن لم تدرّ مالاً أو وجاهة أو سمعة إعلامية!.

علي عبود