اقتصادصحيفة البعث

تفاءلوا..لكن تنبهوا..؟!

قسيم دحدل

لعلها حتمية الأشياء وطبيعة الأمور التي تضبط النشاط الاقتصادي، المحكوم حكماً بديناميكية التغير والتجدد الدائم، والصيرورة المستقبلية، سواء استند على خطط أو على توقعات تدعمها مؤشرات حقيقية.

ولكوننا على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخ سورية، سيُبنى عليها الوازن من توجهات اقتصادية واستثمارية، نرى ومن موقعنا كإعلاميين متابعين للحراك الاقتصادي المحلي، ثمة تساؤل ذي حساسية عالية، وطالما أخذ حيزاً هاماً من تفكيرنا، ونحن نحاول تصنيف المستثمرين والاستثمارات في سورية بين الريعي والإنتاجي.

خلاصة تساؤلنا تنصب حول إمكانية فرز المستثمرين الفاعلين في خانتين لا ثالث لهما: خانة المستثمرين “الريعيين” وخانة المستثمرين “الإنتاجيين”، علماً أن نسبة هامة من المستثمرين السوريين يجمعون شيئاً من الخانتين، أي يتداخل لديهم الريعي والإنتاجي، وهذا أمر – الذي من المفترض أن يكون له إيجابياته المطلقة – نجده إلى حد بعيد سلبياً…

فعلى سبيل المثال، لا نجد مستثمراً يُصنِّع سلعة ما  – حتى ولو كانت مادتها الأولية محلية – يعمد إلى تحديد سعر تسويقي متوازن تستطيعه الشريحة الأكبر من المستهلكين، لا بل نجد أن السعر يترك ليأخذ أقصى مدى في الارتفاع، نتيجة لتحكم المستثمر المُصنع نفسه الذي هو أيضاً التاجر في الآن معاً..!

نعود لعملية الفرز لنسأل أيضاً: هل هناك أية دراسة أو إحصائية تحدد كم هو عدد “المستثمرين الريعين” و”المستثمرين الإنتاجين”، وبالتالي عدد الاستثمارات في كلا القطاعين، وبشكل واضح وصريح؟

لعلنا لا نجد مأربنا المحدد والدقيق لدى أية جهة عندنا، لأن تعريف مفردة “المستثمر”، بالأصل، تتنازعها الكثير من الاشتراطات والمتطلبات..، وهذه متداخلة لدينا وملتبسة.

ولو حاولنا التسمية أو التوصيف للمستثمرين المتواجدين في سورية حالياً في الأزمة، وحتى سابقاً قبلها، فربما نخفق في التحديد والفرز ما بين “المستثمر التقليدي” و”المستثمر الجريء” و”المستثمر المخاطر”، إلى غيرها من تسميات، تشير كل واحدة منها إلى سلوك المستثمر عند توظيفه لماله.

وإن تفحصنا الأنشطة التي يحاول المستثمرون اقتحامها، فإنها متشعبة ومتعددة، فهناك “المقامرون” الذين يدخلون في نشاط اقتصادي ويخرجون منه بسرعة لغرض الربح السريع، وهناك “المضاربون” وهم نشيطون في شتى النشاطات الاقتصادية والمالية ولكنهم يركزون على “البورصة” وتجارة السلع وشراء وبيع العملات.

ولكون الاستثمار اليوم لم يعد مقتصراً على فئة محددة من الناس، بل أصبح بإمكان أي إنسان الولوج في إي نشاط استثماري، فإننا نود التركيز على خاصيتين تميزان النشاط الاستثماري في عالمنا المعاصر، حيث يبدو أننا أصبحنا ندور في فلكه، دون الأخذ بالحسبان الخصوصية السورية، وخصوصيات المرحلة ومتطلباتها الاستثمارية بعد سنوات الأزمة غير المسبوقة.

الخاصية الأولى، حسب عالم الاقتصاد الشهير توماس بيكيتي صاحب الكتاب المؤثر والذائع الصيت “رأسمال المال في القرن الـ 21″، لها علاقة مباشرة بنوعية الاستثمار. يقول بيكيتي: إن كثيراً من الاستثمار اليوم ما هو إلا مضاربة ومقامرة غايتها تكديس الأموال وحسب.

والخاصية الثانية أيضا نستقيها من بيكيتي الذي يبرهن، من خلال دراسته الرصينة، أن هذا النوع من الاستثمار يزيد نخبة قليلة من الناس، هي بحدود 1% من السكان، غنى، ولكنه يخفق في تراكم ثروة المجتمع ككل، لأنه في الغالب لا علاقة له مع تنمية الموارد من صناعة وزراعة وكذلك الخدمات.

خاصتان إن حاولنا إسقاطهما على نشاطنا الاستثماري الحالي والسابق فسوف نجد في ضوء المعطيات والمعلومات “المتواضعة” لدينا، أنهما “حفر وتنزيل” على ما عندنا!

في ضوء ما سبق، وفي ضوء المؤشرات الاقتصادية المتفائلة، يغدو التنبه لما نريده استثمارياً أمراً فائق الأهمية، لأن عليه ستُحدد مدى انفتاح بوابات التفاؤل الاقتصادي التي أضحت تُعلن ومن قبل الغريب قبل القريب، رغم كم التشويش وتزييف للحقائق والوقائع.

وبالقدر الذي نكون فيه عالمين ومدركين لما نريده استثمارياً، نكون متمكنين من تحديد هويتنا الاقتصادية أولاً، ومن ثمَّ العائدية التنموية لتلك الهوية علينا جميعا.. وطنا ومواطنين.

Qassim1065@gmail.com