دراساتصحيفة البعث

التوجه الأمريكي نحو إفريقيا

محمد نادر العمري

من الواضح أن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية بدأت التخطيط للقيام بعملية إعادة انتشار في إفريقيا وتقوية علاقاتها بحكومات القارة، مستغلة في ذلك الأزمات الأمنية الناجمة عن نشاط حركات التمرد والإرهاب في بعض الدول _إن لم نقل بأنها تقف خلفها_ والأزمات الاقتصادية التي فاقمها فيروس كورونا وحاجة هذه الدول لأخذ اللقاح من واشنطن.

مع نهاية العام الماضي وبينما أعلنت واشنطن في عهد ترامب انسحاب قواتها من الصومال، كانت موسكو تعلن عن اتفاق بخصوص تدشين قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان، وهو الأمر ذاته الذي تتحرى تنفيذه بكين، التي أنشأت أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي قبل نحو ثلاثة أعوام.

ولذلك تزايدت المخاوف لدى الدول الحليفة لواشنطن، كان أبرزها تخوفات فرنسا الجمة فيما يتصل بخطوات واشنطن، التي اتجهت إلى سحب قواتها أو خفض عناصرها من المنطقة، حيث أن واشنطن، التي لديها قوات عسكرية في حوالي 30 دولة إفريقية فكرت مؤخراً، في الاكتفاء بالدور الاستخباراتي واللوجستي عوضاً عن التواجد العسكري.

وبحسب مراكز الأبحاث الأمريكية، فإن الدور الأميركي في إفريقيا مهم وحساس وذلك لعدة اعتبارات، من بينها إحداث توازن في تلك المنطقة المتوترة أمنياً وسياسياً، فواشنطن، وحسب ادعاء تلك المراكز، تقوم بتوفير كافة الموارد المتعلقة بعملية مكافحة الإرهاب، وكذلك المعلومات الاستخبارية، كما أنها تملك الطائرات المسيرة ولديها قدرات فائقة في عمليات الاتصالات وتحديد مواقع الإرهابيين وحمل القنابل الثقيلة، التي تستخدم في ضرب أهداف أمنية وعسكرية دقيقة للتنظيمات الإرهابية والمسلحة.

مع قدوم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كان واضحاً أن السياسة الأمريكية تتجه إلى الاستمرار في سياسة الإدارة السابقة بالاكتفاء بدعمها اللوجستي والمادي والاستخباراتي للدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، وذلك في ظل عملية سحب قواتها الموجودة في عدة دول بالمنطقة ثم إعادة انتشارها وتمركزها في غيرها “الشرق الأدنى وبحر الصين الجنوبي”، لا سيما وأن الولايات المتحدة ساهمت بتدريب القوات الفرنسية في مالي وبوركينا فاسو.

وعن سبب هذه السياسة الأميركية الجديدة، يمكن تلمسها بمجرد قراءة وثيقة الأمن القومي الأميركية 2021: “الإدارة الديمقراطية سوف تركز على الصين وروسيا باعتبارهما منافسين تقليديين، و سيكون من الملح عليها أن تواجه تمددهما الذي يقلق واشنطن في عدد من المناطق، وقد صرح الرئيس  جو بايدن بأن لن يسمح بتخطي الخطوط الحمراء في هذا الشأن”.

كما أن إدارة بايدن سوف تعتمد في إستراتيجيتها الجديدة على التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين والشركاء في إفريقيا بخصوص الدعم الأمني والعسكري، ويرجح أن تكون هناك زيادة عدد الطائرات المسيرة لدعم القوات الفرنسية، وبالرغم من أنه الدول الأوروبية تحاول أن تقنع الولايات المتحدة بالعدول عن موقفها، لكن واشنطن لديها إصرار في تنفيذ خطتها أو بالأحرى إستراتيجيتها الجديدة، حتى مع عودة التقارب الأوروبي الأميركي بعد فترة العزلة التي تسبب فيها ترامب.

الدور الأميركي الرئيس في القارة السمراء يكمن من خلال قيادة أفريكوم – القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا- للرد على التوغل التجاري الصيني في القارة، حيث تشترك الصين في علاقات تجارية كبيرة هناك، جاءت على حساب الدور الفرنسي والأميركي، لذلك تعمد واشنطن من خلال أفريكوم إلى منع التدخل الروسي دبلوماسياً وعسكرياً في ليبيا، أو الولوج إلى إفريقيا، حيث تتوجه أميركا ليس لمحاربة الإرهاب كما تدعي، بل ستنسحب من مناطق معينة في إفريقيا لتستخدم قواتها في مكان آخر في نفس القارة، ويعتبر ذلك إعادة انتشار وانتقال من مسرح صغير وهو الصومال، إلى مسرح أكبر في جميع دول الساحل لضمان إستراتيجية أوسع، وقد تستغل واشنطن مسألة مساعدة للدول الإفريقية لتزويدها باللقاحات للضغط عليها في المقابل لعدم التعاون مع روسيا والصين، وقد تلعب سياسة اللقاح الأميركية في إفريقيا دوراً بارزاً لدى دول الساحل، وقد يكون الإرهاب وتوظيفه أيضاً هو أحد هذه الأدوات الضاغطة.