ثقافةصحيفة البعث

بولغاكوف وماتوس.. تصادم مؤلفين وعصرين

يعدّ الأسلوب الأدبي الغريب الذي استخدمه الكاتب الكرواتي الشهير أنطون غوستاف ماتوس في القرن التاسع عشر في أوبراه نقطة انطلاق صالحة لإجراء مقارنة بينه وبين المؤلف الروسي العظيم ميخائيل بولغاكوف.

وإذا كان بولغاكوف اسماً ذائع الصيت، فإنه لا يمكن قول الشيء نفسه عن ماتوس، الذي كان أديباً وأحد أساطين الحداثة الكرواتية، وشخصية رئيسية في ثقافة البلاد، ولم يكن كاتباً فحسب، بل كان شاعراً وصحفياً أيضاً.

وعلى الرغم من وجود فارق زمني بين المؤلفين، من المناسب إجراء مقارنة بينهما، إذ امتدت مسيرة ماتوس المهنية في القرنين التاسع عشر والعشرين، بينما أصدر بولغاكوف كتبه في القرن العشرين فقط، حيث أصدر روائع مثل “المعلم ومرغريتا” و”قلب كلب” و”بيوض القدر”، وفي هذه الأوبرات كان بولغاكوف كاتباً واسع الخيال أقرب إلى ماتوس.

يهجر كلا المؤلفين الحداثة الواقعية في سبيل إثراء القصة بعناصر خيالية كانت غالباً تميل إلى السحر والفن الزخرفي، وخاصة في أعمال بولغاكوف. وفي القطعة النثرية القصيرة التي كتبها ماتوس بعنوان “كامو”، التي نُشرت لأول مرة في عام 1900، كانت الشخصية الرئيسية حيواناً اسمه كامو، وهو ببغاء يحمل اسم طائر أسطوري يموت عندما تخون الزوجة زوجها، وسيثبت هذا الببغاء طبيعته المشؤومة لأنه سيكون سبب النهاية المأساوية للقصة. ويصوّر لنا بولغاكوف أيضاً حيواناً كأحد الشخصيات الرئيسية في رواية “المعلم ومرغريتا”، وهو قط أسود ضخم يتصرف ويتحدث كالإنسان ولديه ولع بالطعام. تمتزج كلتا الروايتين بين واقع وخيال صيغا بمهارة، من خلال تناوب آسر للأحداث. وتنتهي كلتا القصتين بموت أبطالهما، وهذا قاسم مشترك آخر.

وهذان حدثان متباعدان ومتقاربان في الوقت نفسه، إذ لن يموت المعلم وزوجته مرغريتا بشكل تراجيدي كما مات كامينسكي وعشيقته مجهولة الاسم، ففي حين يموت بطلا ماتوس بطريقة قاسية بعد أن يجدهما زوج المرأة متلبسين (وخانهما الببغاء)، يُسمم بطلا بولغاكوف بأمر “البروفيسور” وولاند، فيحظيان بميتة “رحيمة”، ولكن بعد تدخل إلهي، يقدّر الله للمعلم ومرغريتا العيش في عالم بديل يمكّن الزوجين من الاستمرار في حب بعضهما بعضاً، وفقاً لرغبة مرغريتا.

وهكذا فإن موضوع الموت، الذي جرى تحليله بعمق في كلتا الروايتين، يتطوّر بشكل مختلف، أما موضوع الحب فاختلافاته أقل، بالرغم من أن قصة بولغاكوف أكثر رومانسية، وأسلوب ماتوس أكثر رمزية. وإذا كان الحب الذي يجمع المعلم ومرغريتا “حقيقياً وخالداً ومبنياً على الإخلاص”، فإن حب كامينسكي تجاه شريكته هو حب ممنوع ومليء بالخيانة، لأن عشيقته متزوجة من رجل آخر. إنه حب لا ينتهي إلا بمأساة، وهو ما سيحدث في نهاية القصة من غير إبطاء. كما يُنظر إلى المرأة في تحفة بولغاكوف على أنها رمز الشعر الرمزي وأنها تفصيل غير حاضر.

للرمزية تأثير في روايتي المؤلفين، إذ تظهر العناصر الرمزية في كلتا الروايتين، وخاصة مواضيع نهاية العالم والخراب وعبادة الشيطان، فنرى ماتوس ينجذب مرات عديدة لاثنين منها، حيث ينتهي حب كامينسكي الممنوع بالموت والخراب، في حين يتجسّد الشيطان في رواية بولغاكوف بشخص البروفيسور الغامض وولاند، لذا ليس من المستغرب أن يكون وولاند أحد الأسماء الألمانية الأسطورية لإبليس.

وحتى لو اختلف بولغاكوف وماتوس في الأسلوب، يمكننا أن نقارن بينهما، إذ يتوخى كلا المؤلفين الوصف الدقيق لسيكولوجية الشخصيات، والذي يمثل جوهر الأوبرا الحقيقي أكثر من الحبكة أو الأحداث، خاصة في نثر ماتوس. ولكي يتعمّق أكثر بمواضيع الموت والحب الممنوع والنشاط الليلي، يربط الروائي الكرواتي الحبكة وتطور الأحداث، فيصبّ تركيزه على وصف الأبطال، وعلى تأثير الأحداث الرائعة على السرد نفسه.

ولا تنقص الروايتين تلميحات تشير إلى حياة مؤلفيهما، إذ يشترك ألفريد كامينسكي في العديد من السمات مع مبتكره: فكلاهما يعيش حياة “بوهيمية”، وغير مرحب بهما في المنزل بشكل خاص، وكلاهما فنانان. ويمكن قول الشيء نفسه على بولغاكوف، إذ يمكن رؤية العديد من صفات المعلم في بولغاكوف نفسه، بدءاً من الاضطهاد الاجتماعي والسياسي الذي طغى على المعلم في الرواية وبولغاكوف في روسيا السوفييتية، إلى طقوس المخطوطة المحروقة، مثلما سيحرق بولغاكوف نفسه بعض الكتابات الأولى للمعلم ومرغريتا، وهو مشهد أعيد إنشاؤه في الرواية، وحبانا بالعبارة الشهيرة “المخطوطات لا تحترق”.

ترجمة: علاء العطار