انتخابات رئاسة الجمهورية العربية السوريةدراساتصحيفة البعث

لمحة عن الوسائل الديمقراطية في اختيار رئيس الجمهورية

د. نجـم الأحمـدأستاذ القانون العام في جامعة دمشق

يتطلّب منا، ونحن في خضم استحقاق دستوري هو غاية في الأهمية، تفصلنا عنه أيام قلائل، ونعني بذلك الاستحقاق المتعلّق بالانتخابات الرئاسية، أن نبيّن لمحة عن الوسائل الديمقراطية المتعلّقة باختيار رئيس الجمهورية، مع شيء من المقارنة بالنظم السياسية القائمة في دول العالم حيثما اقتضى الأمر ذلك، في إطار قانوني موضوعي، لنرى بالفعل فيما إذا تفرّد الدستور السوري بأحكامه عمّا سواه من دساتير دول العالم، على الأقل دساتير الدول التي تشابه ظروفها ظروفنا التاريخية والسياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية، أم أن ما احتواه من أحكام تساير دساتير الدول المتحضرة التي تعطي السيادة إلى الشعب إما بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، تجسيداً لمبدأ دستوري مستقر هو مبدأ “السيدة الشعبية”.

نودّ الإشارة إلى أن سورية عرفت فيما يتعلق بالوضع الدستوري والقانوني لرئيس الدولة صيغاً مختلفة، ففي عام 1920 كان الحكم ملكياً حتى 1922، بعد ذلك كان الانتداب الفرنسي على سورية.

بعد الاستقلال أخذت تسمية رئيس السلطة التنفيذية اسم رئيس الدولة، وبعد ثورة الثامن من آذار عام 1963 سمّي رئيس الدولة باسم رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة حتى 23/ 2/ 1966، حيث أطلق عليه اسم رئيس الدولة.

وفي ظلّ دستور 1973، جاء النصّ على أن الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية شعبية اشتراكية، ونظام الحكم في القطر العربي السوري نظام جمهوري. ومن ثم فقد استقرّت تسمية رئيس السلطة التنفيذية باسم “رئيس الجمهورية”.

وفي ظلّ الدستور النافذ الصادر بتاريخ 27/ 2/ 2012، أضحت تسمية رئيس الجمهورية على أنه رئيس دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، ونظام الحكم فيها نظام جمهوري. ويمارس رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب، ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور.

وحيث إن نظام الحكم في الدولة بمقتضى الدستور النافذ هو نظام جمهوري، نستطيع القول إن الرئيس في نظام الحكم الجمهوري يتولّى الرئاسة بطريقة الانتخاب من الشعب مباشرة.

ويحدد الدستور في كل دولة الوضع الدستوري والقانوني لرئيس الجمهورية، من حيث الترشيح، والانتخاب، والواجبات، والصلاحيات، والاختصاصات، والامتيازات.

ولكي تكون الصورة واضحة لدينا حري بنا الوقوف – ولو بإيجاز- عند وسائل اختيار رئيس الجمهورية في النظم السياسية المعاصرة:

أولاً – وسائل اختيار رئيس الجمهورية في النظم السياسية المعاصرة:

تقتضي طبيعة النظام الجمهوري الاستناد إلى إرادة الشعب في ممارسة السلطة، أي الاعتماد على إرادة المحكومين وفقاً للأساليب الديمقراطية. وفي النظم السياسية المعاصرة توجد طرائق ثلاثة لتحقيق هذه الغاية:

أ – الاختيار المباشر من قبل الشعب:

يتمّ اختيار رئيس الجمهورية وفقاً لهذا الأسلوب عبر الانتخاب المباشر على درجة واحدة، أو الانتخاب غير المباشر على درجتين، ووفاً للانتخاب غير المباشر يقوم الشعب بانتخاب هيئة هي التي تتولّى انتخاب رئيس الجمهورية.

وبموجب الانتخاب المباشر فإن من يحصل على الأغلبية المطلقة من المرشّحين يعدّ فائزاً. ومن الدساتير التي تبنّت هذه الطريقة نذكر على سبيل المثال الدستوري الفرنسي لعام 1958، ودستور البرتغال لعام 1933.

تضمن هذه الطريقة استقلال رئيس الجمهورية، ومن شأنها تربية الأفراد سياسياً عبر الاهتمام بالأمور العامة، وهي الطريقة المثلى لممارسة الديمقراطية المباشرة، والإسهام في اختيار رئيس يثق الشعب في مقدرته، وكفاءته. وهكذا تتمّ العودة بموجب هذه الطريقة إلى الشعب صاحب السيادة، ومصدر السلطة. كما تعطي هذه الطريقة قوة كبيرة لرئيس الجمهورية من أجل العمل للمصلحة العامة، وضمان استمرار رضا الشعب عنه من جل ضمان إعادة انتخابه.

أما الانتخاب على درجتين فمؤداه أن الشعب يختار رئيس الجمهورية بأسلوب غير مباشر، ومن الدول التي أخذت بهذه الطريقة الولايات المتحدة الأمريكية في الدستور الاتحادي لعام 1787، وفنلندا في دستور 1919.

وقد أخذ على هذه الطريقة أنها معقّدة، ويكون انتخاب الرئيس فيها صورياً، فحرّية الناخبين ليست مطلقة، وقد تسهم هذه الطريقة في تفشّي ظاهرة شراء الأصوات، فضلاً عن كونها تتنافى والمبادئ الديمقراطية عندما تحصر سلطة الاختيار ببعض أفراد الشعب.

ب – الاختيار من قبل البرلمان:

تسود هذه الطريقة في الدول التي تأخذ بالأسس التقليدية للنظام البرلماني، وبمقتضاها ينفرد البرلمان في اختيار رئيس الجمهورية وفقاً لضوابط معيّنة. ومن أمثلة الدول التي تأخذ بهذه الطريقة لبنان بموجب دستور 1926، والعراق بموجب دستور 2005.

ويرى الفقه أن إسناد أمر اختيار رئيس الجمهورية إلى البرلمان يحول دون هيمنة رئيس الجمهورية على مقاليد الحكم في الدولة بأكملها، كما أنه صورة من صور الانتخاب على درجتين، وقد عهد الشعب بهذه المهمة إلى من يمثّله، أي إلى البرلمان.

ولكن يؤخذ على هذه الطريقة أنها تجعل رئيس الجمهورية خاضعاً إلى البرلمان، ومن ثم إضعاف مركزه في مواجهته. كما أثبت الواقع أن البرلمانات تتجه إلى اختيار رؤساء يتسمون بالضعف كي تتمكّن من ممارسة اختصاصاتها في مواجهتهم. يضاف إلى ما سبق أن مهمة البرلمان هي سنّ القوانين لا انتخاب الرؤساء.

ج – الأسلوب المختلط:

مؤدى هذه الطريقة اشتراك البرلمان في اختيار رئيس الجمهورية مع مندوبين عن الشعب، أو أعضاء في المجالس الإقليمية في الدولة البسيطة، أو من المجالس النيابية الممثّلة للولايات في الدول الاتحادية. ومن أمثلة الدول التي أخذت بهذا الأسلوب اسبانيا في دستور 1931، وإيطاليا في دستور 1947، والهند في دستور 1947.

وقد أخذ على هذه الطريقة أنها تؤدي إلى الاستفتاء على مرشّح واحد، ولا يعدّ ذلك أسلوباً ديمقراطياً لعدم تعدد المرشّحين أمام الشعب.

ثانياً – اختيار رئيس الجمهورية وفقاً للدستور السوري النافذ:

أ – شروط الترشيح:

نصّ الدستور على أنه يُشترط في المرشّح إلى منصب رئيس الجمهورية الشروط الآتية:

1-     أن يكون متماً الأربعين من عمره.

2-     أن يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة، من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة.

3-     أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن، ولو ردّ إليه اعتباره.

4-     ألّا يكون متزوجاً من غير سورية.

5-     أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية مدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح.

وفي نظرة بسيطة إلى تلك الشروط نجد أن مبتغاها أن تكون سنّ المرشّح لتولّي رئاسة الجمهورية أربعين سنة فأكثر، بحسبان أن منصب رئيس الجمهورية يتطلّب سناً توحي بالاطمئنان لجهة توافر الخبرة فيمن سيتولّى هذا المنصب. ولا يجوز السماح للمتجنّس بالترشّح، بهدف ضمان ولائه السياسي التام، بل كان الدستور أكثر تشدداً لهذه الجهة، فاشتراط أن يكون المرشّح من أبوين سوريين، أي غير متجنسين. كما لا يجوز لمن ارتكب جرماً جزائياً الترشّح إلى منصب رئيس الجمهورية، ذلك أنه إذا كان ارتكاب الجنايات أو الجنح الشائنة يحول دون الالتحاق بالوظائف البسيطة، فمن باب أولى ألّا يغفل هذا الشرط في أهم منصب في الدولة. أما شرط الإقامة في سورية فهدفه أن يكون المرشّح على بأحوال الشعب، وظروف الدولة، مطلعاً على هموم المواطنين، ومشكلاتهم، وآمالهم.

ب – طلب الترشيح:

يكون الترشيح إلى منصب رئيس الجمهورية على الشكل الآتي:

1-     قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم، وفي مدّة لا تقلّ عن ستين يوماً، ولا تزيد عن تسعين يوماً، يدعو رئيس مجلس الشعب لانتخاب رئيس الجمهورية.

2-     يقوم المرشّحون بتقديم طلبات ترشيحهم إلى المحكمة الدستورية العليا، وذلك خلال مدّة عشرة أيام من تاريخ إعلان الدعوة إلى انتخاب الرئيس.

3-     تسجّل طلبات الترشيح في سجل خاص لدى المحكمة.

4-     لا يُقبل طلب الترشيح إلا إذا كان طالب الترشيح قد حصل على تأييد خطّي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً من أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم (250) عضواً. ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشّح واحد.

5-     تقوم المحكمة الدستورية العليا بفحص طلبات المرشّحين، وتتأكّد من سلامتها الدستورية، والقانونية، وتبتّ في الطلبات خلال خمسة أيام تلي المدّة المحددة لتسجيلها.

6-     إن الشروط المطلوبة في الترشيح يجب أن تتوافر في أكثر من مرشّح، وإذا لم تتوافر الشروط المطلوبة للترشيح سوى في مرشّح واحد خلال المهلة المحددة، وجب على رئيس مجلس الشعب الدعوة إلى فتح باب الترشيح مجدداً، وفق الشروط المذكورة ذاتها.

وهكذا نجد أن الأحكام القانونية المتعلّقة بطلب الترشيح قد تضمّنت في مجملها الإجراءات الخاصة بهذا الطلب، مع ملاحظة أن الدستور السوري لم يجعل هذه الأحكام بيد أي سلطة إدارية في الدولة، وإنما ربطها بهيئة قضائية مستقلّة هي المحكمة الدستورية العليا لجهة تقديم الطلب، أو تسجيله، أو فحصه، والتأكّد من قانونيته، والبتّ فيه.

كما أن بعضاً من هذه الأحكام يرتبط بمجلس الشعب لجهة دعوة رئيس المجلس لانتخاب رئيس الجمهورية، أو وجوب تأييد طلب الترشيح من قبل خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء المجلس، بحيث يعطي عضو المجلس تأييده إلى مرشّح واحد فقط. وقد أوجب الدستور توافر الشروط المطلوبة للترشيح في أكثر من مرشّح واحد، وإلا على رئيس مجلس الشعب الدعوة إلى فتح باب الترشيح مجدداً.

وسنلاحظ أن الركيزة الأساسية في اختيار رئيس الجمهورية وفقاً للدستور النافذ تتمثّل في انتخابه مباشرة من الشعب، لكن دور البرلمان أو مجلس الشعب يظهر عند الدعوة إلى الانتخاب، ومنح التأييد الخطّي من قبل أعضاء المجلس إلى المرشّحين.

ج – آلية الانتخاب والفوز:

يُنتخب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة. ويعدّ فائزاً بمنصب رئيس الجمهورية المرشّح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة للذين شاركوا في الانتخابات.

وإذا لم يحصل أي من المرشّحين على هذه الأغلبية أُعيد الانتخاب خلال أسبوعين، بين المرشّحين الاثنين اللذين حصلا على أكبر عدد من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم.

وهذه الطريقة في انتخاب رئيس الجمهورية قريبة الشبه من الطريقة التي يتمّ فيها انتخاب الرئيس الفرنسي.

د – نتائج الانتخاب والنظر في الطعون:

تعلن نتائج الانتخاب من قبل رئيس مجلس الشعب. وتختصّ المحكمة الدستورية العليا بالنظر في الطعون الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.

وتقدّم الطعون من قبل المرشّح خلال ثلاثة أيام تبدأ من تاريخ إعلان النتائج.

وتبتّ المحكمة الدستورية العليا في الطعون بأحكام مبرمة خلال سبعة أيام من تاريخ انتهاء مدّة تقديم الطعون.

وخلاصة القول: إن طريقة اختيار رئيس الجمهورية ذات أثر واضح على مركزه من حيث القوة والضعف، فجعل الاختيار للبرلمان يؤدي إلى اختيار رئيس ضعيف للدولة، بينما يؤدي اختياره من قبل الشعب إلى وجود رئيس قوي. كما لا يجوز إغفال الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة من الدول.

وقد تبنّى الدستور السوري أفضل أسلوب لاختيار رئيس الجمهورية، وهو انتخابه من قبل الشعب مباشرةً، أي على درجة واحدة، من خلال الاقتراع العام، والسرّي، والمباشر، والمتساوي، وبذلك ضمن الدستور إمكانية وصول رئيس جمهورية يتمتع بالقوة التي يستمدّها من الشعب مباشرةً، وذلك كلّه وفقاً لأفضل المعايير المتعارف عليها دولياً، وبما ينسجم مع الظروف التاريخية والسياسية للدولة.