دراساتصحيفة البعث

“الإخوان المسلمون” والنظام التركي

محمد نادر العمري

رأى النظام التركي -متمثلاً بحزب العدالة والتنمية- أن علاقاته الإيديولوجية مع تنظيم “الإخوان” الإرهابي يمكن توظيفها داخل الإقليم أو خارجه، لذا قدّم للجماعة دعماً غير محدود على اعتبار أنها يمكن أن تكون حلقة وصل مع كل الجماعات في العالم من أجل تصدير صور إيجابية عن أنقرة، وتأمينها العمق الاستراتيجي من خلال خلق ولاءات تؤمن بإحياء الإرث العثماني، والنفاذ من خلالها إلى دول إقليمية مثال ليبيا والصومال ومصر والسودان واليمن، وحتى دول آسيا الوسطى، فضلاً عن وجود نسبة 97% من المسلمين في تركيا، وهؤلاء تشكّل نسبتهم كتلة انتخابية ثقيلة يمكن استرضاؤها وجذبها من خلال العلاقة مع الإخوان، في ظل الصراع القائم منذ إقامة الدولة الحديثة “الأتاتوركية العلمانية” مابين العلمانيين والمتدينين.

من هنا أغدق النظام التركي بالدعم غير المحدود للجماعة، وكان على الشكل التالي:

– منح الجنسية والإقامات: وفرت أنقرة لعناصر الجماعة الاستضافة والملاذ الآمن، وحين بدأت الطلبات تتوالى لتسليمهم لأجهزة استخبارات الدول التابعين لها، منحت غالبيتهم (خاصة القيادات) الجنسية التركية، لتمثل تركيا المحطة الأهم والأبرز لاستضافة هؤلاء، حيث يبلغ عدد المصريين منهم وفق بعض التقديرات 37 ألفاً، بعدما كان عددهم 7 آلاف مطلع عام 2017.

– إتاحة التمويلات: وجود الجماعة المتمركز في اسطنبول وفر لها الحصول على تمويلات وتحويلات مالية دون مراقبة أو حظر، مما ساهم في تكثيف استثمارات الجناح الاقتصادي للتنظيم، وكان ذلك أحد العوامل التي ساعدتها على تمويل عملياتها، المتمثلة في رعاية أسر مسجونيها، أو دعم أجنحتها المسلحة.

– رعاية اجتماعات التنظيم الدولي: كانت أنقرة تصرّ على دور الراعي لكل اجتماعات الجماعة سواء فرعها المصري أو السوري أو الليبي، أو اجتماعات التنظيم العالمية في الفترة من 2013 وحتى الآن، وذلك للتأثير على توظيف مخرجات هذه الاجتماعات بما يخدم الإستراتيجية التوسعية للنظام التركي.

– إقامة منصات إعلامية بشكل آمن: ساهمت تركيا في منح الجماعة منصات إعلامية، فضائية أو إلكترونية، بشكل آمن ودون رقابة، للترويج لأفكارها واستقطاب الدعم المادي والبشري لها، وتوظيف الإعلام كوسيلة حرب ناعمة في استهداف الدول الخصمة لتركيا، على غرار ما تقوم به الجزيرة.

– توفير الحماية: حمت تركيا الجماعة ليس فقط أمنياً، بل تمكّنت من إبعاد تصنيفها كجماعة إرهابية من خلال دعم لوبيات في الداخل الأميركي لها مستغلة وجود تيار من النخب في دوائر صنع القرار الأمريكي تتمسّك بالعلاقة مع تركيا باعتبارها جزءاً من الناتو، واستغلال قوة العلاقات التركية الأميركية، وهذا ماساهم إلى حدّ كبير في تجميد مشروع القانون الذي قُدّم للكونغرس عام 2019، والذي يطالب بتصنيف الإخوان في العالم بما فيها تركيا على قائمة الإرهاب.

ورغم استفادة الجانب الإخواني مما سبق، فإن الإقامة بتركيا كملاذ آمن وعلاقتها مع رئيس النظام التركي، قد لا تعدو سوى محطة مؤقتة رغم ضخامة الدعم والإيواء، وذلك نظراً لأسباب موضوعية مستجدة، وهناك اليوم العديد من الأسباب التي تتعلق بمؤسسات الدولة التركية وقد تكون ذاتها نواة انشقاق بين الإخوان والنظام السياسي التركي، أهمها:

– أحزاب المعارضة وعناصر داخل الحكومة ترى أنه لا بد من عودة العلاقات مع مصر، وهذا يتطلّب تجاوز ملف الإخوان، كما أن المخابرات التركية قدّمت تقريراً مفصلاً نهاية عام 2020 تضمن أن العنف والإرهاب في تركيا، يستوجب التعاون مع مصر ودول الخليج، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلا بعد التخلي عن دعم تركيا للإخوان.

– تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي بما لا يصبّ في مصلحة أنقرة، من ناحية المصالحة الخليجية، وتغيّر موازين القوى في ليبيا، وتعالي الأصوات داخل الحزبين الأمريكيين للمطالبة بمحاسبة تنظيم الإخوان وداعميه.

– ترسيم الحدود البحرية، وملف غاز شرق المتوسط، والتعاون الثلاثي المصري “الإسرائيلي” القبرصي، الذي لا يخدم الدولة التركية.

– التكلفة الكبيرة التي سبّبتها مصر للنظام التركي في جميع الملفات بالمنطقة، وخاصة في ليبيا، التي رفضت أي دور تركي فيها.

وبدأت للسبب الأخير محاولات الاستجداء التركية لإعادة العلاقات مع مصر، وجاء الردّ المصري بطريقة أكثر تحفظاً، حيث ردّ سامح شكري وزير الخارجية، أمام البرلمان قائلاً: “إن الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلّب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي”.