مجلة البعث الأسبوعية

الحضور الخجول لتشرين والوحدة في البطولة الآسيوية كشف المستور.. ومنتخبنا في الإمارات في رحلة سياحية!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

انتهى الموسم الكروي بما له وما عليه، وبدأت الأندية استراحة المحارب في مراجعة ذاتية لما قدمته في الموسم الكروي، وبدأت عمليات الانتقال الخفي وتغيير المدربين وغير ذلك من الأمور الكلاسيكية المعتادة بعد كل موسم.. وبدأت الأنظار تتجه إلى إدارات الأندية بمختلف مواقعها، فإدارات قدمت استقالاتها، وأخرى تنتظر الإقالة، وهكذا دواليك.

ناديا تشرين والوحدة استمرا في الموسم الكروي دون انقطاع، فذهبا مباشرة للمشاركة في بطولة كأس الاتحاد الآسيوي كل في مجموعته، فلعب تشرين في مجموعة الفيصلي الأردني والكويت الكويتي وشباب الأمعري الفلسطيني، بينما غادرنا الوحدة إلى البحرين ليلعب إلى جانب الحد المستضيف والعهد اللبناني بطل النسخة الأخيرة من المسابقة.

بطل الدوري تشرين استعان بلاعب جبلة مصطفى الشيخ يوسف، وخيراً فعل، لأن مجموعته كافية ووافية، ولا يوجد لاعبون أفضل مما يملكه الفريق. أما الوحدة فقد استعان بخمسة لاعبين، وليته لم يفعل، لأن الفريق لم يستفد من هؤلاء الجدد على صعيد المستوى والأداء ولم يحقق النتائج المطلوبة.

وبالمحصلة النهائية، خرج الفريقان صفر اليدين من البطولة دون أن يحققا أي بصمة، ولو أن الفرق المشاركة كانت قوية أو أفضل من فريقينا لهان الأمر، لكننا تابعنا بطولة أشبه ببطولة الدوري المحلي دون أن نلمس من مستوى الفرق المشاركة أي بصمة آسيوية أو كرة احترافية، لذلك جاء اللوم على فريقي تشرين والوحدة من هذا المبدأ، وكنا نتوقع أن يقدما ما يسر عشاقهما على الأقل لكنهما خيّبا كل الآمال.

واليوم يتفنن البعض باللوم على المدرب أو اللاعبين المعارين، دون أن يصيبوا الحقيقة، فالحقيقة تحتاج إلى صراحة لأنها مفتاح معالجة النواقص والأخطاء.

وإذا كان بعض المدربين ما زالوا يخوضون في مبررات الأزمة والمحترفين، وغير ذلك، لتبرير فشلهم، فإننا نذكر هؤلاء بأن كل لاعبيهم أعضاء في المنتخب الوطني، أولمبي ورجال، وهذا الكلام يجب أن يستوعبه المدربون، وكم كنا نتمنى لو أن أحدهم يتحمل المسؤولية لكننا اعتدنا على عدم تحملنا للمسؤولية واعتدنا بالوقت ذاته أن ننسب الإنجاز إلى أنفسنا أيّاً كان موقعنا ومنصبنا.

وهنا نتذكر كلام المدرب التونسي نبيل معلول لمنتخبنا الوطني، عندما وصف الدوري المحلي بأنه الأضعف بين الدوريات العربية، وللأسف لامه البعض، وبالمقابل أيضاً نتذكر هشاشة الدوري وخصوصاً في أسابيعه الأخيرة، وكيف تحول الدوري إلى سوق عكاظ، ففاز من فاز وخسر من خسر دون قيد أو شرط أو رقيب وحسيب.

تشرين والوحدة دفعا ضريبة الدوري الضعيف غير المتوازن، ودفعا ضريبة الثقافة الكروية البالية، ودفعا ضريبة اللاهواية واللااحتراف، ودفعا ضريبة اتحاد كرة القدم الضعيف في قيادته وخبرته ومعالجته للأمور، ودفعا ضريبة المصالح الشخصية؛ وها نحن نجد أن الإدارتين دفعتا بجيش من الإداريين وغيرهم بعدد يوازي عدد أفراد اللاعبين وأكثر، ولا ندري ما عمل هؤلاء، ولو كان لهم عمل فعلاً لحقق الفريقان الصدارة والتأهل ولبصما في البطولة الآسيوية.

لكن الشيء المهم الذي يجب أن نتحدث به أن ما تم إنجازه هذا الموسم – محلياً وخارجياً – لا يعادل ثمن الإنفاق، وما دفعه الناديان. وإذا كان تشرين فاز ببطولة الدوري – وهو أمر جيد – فإن الوحدة لم يحقق أي شي وخرج صفر اليدين من كل شيء، بل إن نفقاته كانت أكبر وأكثر من نفقات تشرين لأننا لم ننس أنه استقدم لاعبين من نيجيريا ليعزّز خطوط فريقه بلاعبين محترفين وعددهم أربعة وبقوا في سورية شهراً وكلفوا النادي العير والنفير ليخرج علينا المسؤول الفني بأنهم لا يصلحون لكرة القدم! وهذا أمر يدل على “نضوج” الإدارة التي استقدمت لاعبين مجهولي النسب الكروي، ولا أحد يدري لأي ناد يلعبون، ومن أين هم، وما إنجازاتهم أو سيرتهم الذاتية؟

وليست هذه وحدها المشكلة، فمن يطلع على الأرقام الحقيقية لعقود اللاعبين في نادي الوحدة يشعر أن الأرقام لا تساوي بالمطلق مستوى اللاعبين، وهذا ما شعرناه في الدوري، وفي البطولة الآسيوية، لذلك من حق الجميع أن يسأل عن الآلية التي تم فيها تسعير اللاعبين، وإذا كان لاعب ما في الفريق قبض قرابة السبعين مليوناً، ولم يشارك في آسيا، فأي مبرر لذلك، وهل الإدارة قادرة على سحب المال منه لأنه رفض المشاركة الآسيوية. وإذا وجدنا لاعباً لعب مع الفريق سبع مباريات فقط، وقبض سبعين مليوناً، أي إن كل مباراة لعبها قبض عليها عشرة ملايين، فهل هذا منطقي؟ لذلك نسأل: كيف تقيس إدارة نادي الوحدة الأمور؟ وهل هي فعلاً عاجزة عن إدارة النادي بشكل صحيح وسليم، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

إن ما حصل بنادي الوحدة، على سبيل المثال، يجب ألا يمر مرور الكرام، ولا بد من المحاسبة حتى لا تكون الأمور خبط عشواء، وحتى لا يبقى هدر المال العام “على عينك يا تاجر”، دون أدنى مساءلة.

المشكلة أن القائمين على الأندية عندما يأتون يعدون مشجعيهم بالكثير من الأمور التي يتبين لنا أنها خلبية ويهاجمون الإدارات السابقة، ويا ليتهم حققوا ما حققته الإدارات السابقة. ومن هذا الأنموذج نادي الوحدة ونادي الاتحاد، ليتبين لنا أن غاية هؤلاء هي الجلوس على الكرسي وما فيه من منافع فقط لاغير.

 

مدير الفريق

ما سبق أن تكلمنا عنه نجد له مثالاً في نادي ليل الفرنسي، بطل الدوري هذا الموسم.. لم يحقق ليل البطولة من فراغ أمام أندية عريقة في فرنسا لها تاريخ كبير وبصمة في الدوري الفرنسي والبطولات الأوروبية. كان المخطط لهذه البطولة، مدير الفريق، كامبوس، الذي استقال هذا الموسم.

كامبوس تولى مهامه قبل أربع سنوات، وأجرى عقود بيع وشراء، فاشترى سبعة لاعبين وباع ثمانية لاعبين، وحقق وفراً على النادي مقداره 178 مليون دولار من عمليات البيع والشراء دخلت صندوق النادي. من الناحية المالية نادي ليل ربح المال، ومن الناحية الفنية فاز بالدوري، ومن الناحية المعنوية ارتفعت أسهم النادي، ومن الناحية الرياضية دخل كبرى البطولات الأوروبية من أوسع أبوابها.

ماذا كانت خطة كامبوس؟ لم يهرول إلى اللاعبين الكبار والنجوم المعروفين.. بحث عن المواهب وعن اللاعبين القادرين على حمل مهام البطولات وتحقيقها. كان يشتري اللاعب بثمن بخس، ثم بيعه بعد موسم أو اثنين بأضعاف مضاعفة، ووصل فريقه هذا الموسم ليكون مكتمل الأركان قادراً على الفوز ببطولة الدوري، وكان له ما أراد، وهذه البداية.

إذا حاولنا إسقاط هذه الحالة على واقعنا كأندية أو منتخب، ماذا نجد؟ أولاً: مهمة مدير الفريق غير معروفة عندنا. ثانياً: يحصل على هذا اللقب المتنفذ في النادي أو رئيس النادي، والمشكلة قد يكون هذا أو ذاك لا علاقة له بكرة القدم أو بالرياضة أصلاً، أو بالإدارة، وخصوصاً إذا علمنا أن الإدارة علم بحد ذاته، لكننا نعاني من عقدة المسؤولية ومن كلمة مدير، فأوجدنا – من باب تقاسم السلطات – منصب مدير إداري ومدير فريق ومدير عام ومدير فني. والمشكلة أن كلمة مدير فني، مثلاً، لا يستحقها أي مدرب في الدوري، وما هي إلا تسميات نقلناها حرفياً من الخارج دون أن نعي معناها.

للأسف، هذه حقيقة، وهذا الكلام ليس فيه أي مبالغة، ولا نتهم به أحداً، إنما نتهم كرة القدم التي حوت كل من هب ودب، بحيث بات “أهل الكار” على المدرجات يرثون حال كرتنا. ولأن هذا الواقع صحيح فإن حجتنا وأدلتنا من الأندية ذاتها، فأغلب الأندية اختارت لاعبيها ودفعت لهم عقودهم ورواتبهم. والكثير من الأندية – كما يعلم الجميع – دفع مبالغ تفوق مستوى بعض اللاعبين أضعافاً مضاعفة، والسبب في ذلك عدم خبرة المدير الإداري أو الفني أو مدير الفريق، لأنهم وضعوا ثقتهم بأشخاص انتهازيين أرادوا الاستفادة من هذه العقود مالياً، أو كانت غايتهم تسويق بعض اللاعبين. وبالطريقة ذاتها كان اختيار المدربين، ولم ينتهج أي ناد الأسلوب العلمي في انتقاء اللاعبين. وليس من الضروري أن نبحث عن النجوم والمشهورين، فالنجوم في أندية الوحدة والاتحاد وحطين والكرامة لم يحققوا ما يريدون، ولو أن أحداً أراد بناء كرة قدم صحيحة لبحث عن المواهب والشبان الصغار مع بعض المخضرمين. وقد لا يحقق بطولة الدوري وقد لا يشارك في آسيا، لكنه لن يكون عرضة للابتزاز، ولن يكون مطية لينتفع الآخرون منه، ولن يرهق صندوق النادي ويبدأ البحث عن المال من هنا وهناك. وبالمقابل سيحصل على فريق محترم قد يحقق بطولة الدوري بعد أربع سنوات كفريق ليل مثلاً.

 

سياحة دبي

أمر أخر لفت الأنظار في كرتنا خلال الأيام الماضية، وهو سفر منتخبنا الوطني لإقامة معسكر تدريبي في الإمارات، لكن لأول مرة في تاريخ كرة القدم يذهب منتخب في معسكر خارجي بسبعة لاعبين وإداريين يفوق عددهم ثلاثة أضعاف أو أكثر. هذا الأمر لم يحدث سابقاً، وهي طعنة في صميم كرة القدم، لذلك نتساءل: ما الفائدة من معسكر الإمارات، خصوصاً أننا لن نلعب فيه أي مباراة استعدادية للتصفيات المزمع استكمالها في الصين؟ واتحاد كرة القدم يعرف مسبقاً أن أغلب لاعبي المنتخب لن يلتحقوا إلا بآخر يومين من معسكر دبي بسبب ارتباطاتهم مع أنديتهم، سواء مع الوحدة وتشرين أو غيرهما من الأندية عربياً وأوروبياً، فأيام المعسكر ليست للفيفا، ولا يمكن لأحد أن يفرض على اللاعبين الالتحاق بالمعسكر.

ولو أن اتحاد كرة القدم أبقى على المعسكر الداخلي بدمشق ليتجمع اللاعبون فيه، ثم يطير المنتخب إلى الصين لهان الأمر، ولكن حباً بالاستجمام والسياحة، وخصوصاً بعد موسم عكّر المزاج، لا بد من الراحة النفسية في الإمارات.

وإذا علمنا أن منتخبنا متأهل إلى النهائيات الآسيوية مسبقاً، وإلى الدور الثاني من التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال قطر 2022، وأننا لن نحتاج إلا للفوز على منتخبين مغمورين آسيوياً، لعرفنا أن اتحاد كرة القدم سيعود إلينا مرفوع الرأس بأنه حقق التأهل من هذه السياحة، فلا لوم عليه لأنه يجتهد ويضحي، ومن مثل هذا الكلام المعسول، وإذا كانوا مقتنعين أنهم أصحاب إنجاز التأهل فنحن لا ننسى من هم أصحابه، ولا يمكن أن نتناسى ذلك!!

ونحن اليوم ننظر إلى خيارات المدرب التونسي من اللاعبين، لنجد أن خياراته ليست صحيحة بالحد المطلق، وهاهم اللاعبون قد أرونا مستواهم الحقيقي في بطولة الاتحاد الآسيوي، لذلك نسأل: لماذا يريد المدرب التونسي التضحية بعمر خريبين من أجل أمر شخصي بحت، والاستعاضة عنه بمهاجمين هواة؟ هل هذا من مصلحة كرتنا؟ نحن لسنا مسرورين بالخلاف، ولا نرضى بأن يتطاول لاعب على مدرب، لكن بالمقابل فإن المدرب لم يقصّر بحق الخريبين، بل هدده أكثر من مرة، وإذا كان المدرب التونسي لا تهمه مصلحة كرتنا – كما دلّت تصرفاته – فإن المعنيين عن كرتنا يجب أن يهتموا للأمر، لأن التاريخ سيسجل لهم هذا الموقف، بينما المدرب يكون قبض، وذهب إلى مكان آخر.