ثقافةصحيفة البعث

“بورتريه” للحب والكراهية والفساد

كان مسلسل بورتريه قد خرج العام الماضي من السياق الدرامي في رمضان لأسباب تتعلق بحال الكورونا العام، لكنه وجد لنفسه طريقاً حين استكملت عمليات التصوير في الصيف الماضي، إلا أنه لم يخسر طزاجته في هذا العام كمسلسل ( قديم نسبياً)، ورغم التوقيت الذي عرض فيه على قناة سورية دراما استطاع أن يجذب إليه المشاهدين.. ليخرج ببورتريه مميز وعميق عن قصة حب معقدة بسياق درامي متفرد..

بورتريه الكاتب

العمل هو الأول كدراما تلفزيونية للكاتب تليد الخطيب الذي سبق وكتب للسينما متعاوناً مع أخيه المخرج باسل الخطيب في فيلمي (مريم ودمشق حلب).

يضع الكاتب هنا بصمته الكتابية المختلفة، فعدا عن أنه اشتغل على كل الحبكات بقصتي الحب بمرحلتيها القديمة والجديدة وبتشابكها المتقن مع جميع قصص الفساد الاجتماعي والإعلامي والسلطوي وبجوانبها النفسية المعقدة، فقد استخدم الكاتب تقنية كتابية تعتمد السرد في انتقالات ضرورية بين المشاهد، يختم بعضها بمواجهة مختلفة مع الكاميرا (الجمهور) محتفظاً بحاجز الإيهام، ولكن مقرباً الجمهور أكثر إلى فضاء الحكاية، وكانت هذه من مفاجآت العمل الكتابية.

تقنية السرد في الكتابات التلفزيونية السورية لم يبتدئها الكاتب هنا، فقد سُبقت قبلاً بأعمال سابقة مع اختلاف الراوي والطريقة كمسلسل (قانون ولكن) وبعض لوحات بقعة ضوء، لكن الكاتب هنا يستخدمها من داخل العمل من خلال عدة شخصيات، لتروي الشخصية حدثاً بجانبه النفسي أو كانتقال زمني، مما ساعد أكثر على سلاسة حركة الأحداث وتشويقها.

أما التكلم إلى الكاميرا/ مخاطبة الجمهور فهي أيضاً ليست جديدة وكان الفنان ياسر العظمة قد اشتهر بها، ولعله من بدأها في سلسلته الشهيرة (مرايا)، إلا أن الكاتب هنا فاجأ الجمهور بها في عمل له طابع درامي، إذ أنها تكسر الإيهام عادة لدى المتفرج، فكسر الإيهام في العمل الكوميدي يعزز السياق الكوميدي، لكن في العمل الدرامي قد لا يحب المتفرج أن تُكسر فرجته كشخص متماه مع الفضاء الحكائي الكلي، مع ذلك (مخاطبة الجمهور) هنا، لم تكسر الإيهام بل أعطت المتفرج حيزاً أقرب من الحكاية ومن الشخصيات، وساعدت من جهة أخرى على ختم المشاهد بشكل منطقي وبطريقة جاذبة..

بورتريه حكاية الحب والكراهية

لابد من القول إن خيار القصة مميز بتشابكها المعقد ما بين قصتين من مرحلتين مختلفتين، وفضائين متناقضين، ليحدث الخطف خلفاً أمام الحكاية المستجدة بشكل متماسك ممتع، إذ تتكرر الحكاية الأولى في الحكاية الثانية ومن الحكاية الثانية تفهم الأولى وتمر بشكل مشوّق.

مركز القصة هو أيهم بك الذي أدى دوره ببراعة فادي صبيح، فهو الفاصل ما بين القصة القديمة والحديثة. أيهم بك الذي أفسد قصة الحب السابقة بين (إياد ورندا)، واستمر بفساده كرجل سلطة على كل مستوى ليفسد مجدداً ذات القصة بشكلها المتجدد بين (حازم بن إياد وريما ابنة أيهم وابنة أخت رندا)، وهكذا تمر قصة الحب ويمر معها الزمن بما فيه من تراكمات إنسانية، ويمر مع قصة الحب قصص الفساد التي تأخذ عدة أشكال السلطوي والإعلامي والاجتماعي..

بورتريه الممثلين

في عمل معقد كهذا العمل، وفي هذه الشخصيات المركبة وبحالاتها الانفعالية المتنوعة، يبدو من الضروري أن يكون خيار الممثلين دقيقاً، ومع ذلك كان خيار الممثلين الأساسيين ممن لم يقف أمام الكاميرا قبلاً، أو ممن ليس له النجومية التقليدية، ونجحوا..

ولعل اللافت هو خيار شخصيتي رندا وإياد وقد أدى دورهما كل من الممثلة مديحة كنيفاتي والممثل أكثم حمادة.

الممثلة مديحة كنيفاتي لم تأت من خلفية أكاديمية، اكتسبت خبرة في التمثيل من خلال أعمال متنوعة لم تبرز قدراتها كما يجب، أو لم تنل الأدوار التي يمكن أن تصقل موهبتها، ويبدو هذا العمل فرصة لها لتبرز ما لديها وليكون درساً لها في التمثيل، لم يستفد من مثله بعض قريناتها من الممثلات اللاتي دخلن هذا المجال من باب الشكل لا الموهبة، وبقين في حيز الشكل ومع الأسف (ومع ذلك) حصدن نجومية سهلة.

في هذا العمل نجحت الممثلة كنيفاتي في تقديم شخصية رندا بمراحلها المختلفة من فتاة لعوب إلى عاشقة إلى سيدة إعلامية محترمة، وقد وقفت أمام ممثل له باع طويل وخبرة أكاديمية، ومع أنه لم يعمل على نجومية تلفزيونية، لكنه (أكثم حمادة) فنان دقيق، أظهر التفاصيل النفسية لشخصيته كعاشق وكأب وكزوج، وهو الشريك في التعاون الفني وإدارة الممثلين.. هذا الأداء الذي أعطي حقه من جميع الممثلين كشخصيات رئيسية وثانوية أو حتى ككومبارس..

وقد تكون تولين البكري (شخصية الزوجة) من الجيل القديم– نسبياً- ولين غرة (الإعلامية الرخيصة) من الجيل الجديد  أكثر شخصيتين معقدتين في هذا العمل.

في هذه الدراما أخذت هاتان الشخصيتان – وبالذات شخصية الزوجة – عدة مستويات نفسية متناقضة أجادت الممثلتان تقديمها.

بورتريه للحياة الآن..

وهكذا يكون هذا العمل صورة عميقة مركبة بتناقضات الحب والكراهية.. الشرف والفساد، وإذا كنا ننتظر صورة رومانسية لقصة حب، يكسر الكاتب الصورة أمام بشاعة الواقع، وإن تكن النهاية مفتوحة.

ميسون عمران