مجلة البعث الأسبوعية

مليارات الشيطنة والتضليل والإرهاب تبخرت في صناديق الاقتراع.. وما أرعب المحور الأمريكي تحقق: الانتخابات تحولت إلى استفتاء على شعبية الأسد

“البعث الأسبوعية” ــ علي عبود

الرسالة التي وجهها الناخبون السوريون من خلال صناديق الاقتراع للعالم مختصرة جدا: أسقطنا مشروعكم الإرهابي للسيطرة على سورية.

ويخطىء من يظن إن محاولات الهيمنة على سورية لتطويعها وإلحاقها بالغرب الاستعماري بدأت عام 2011، فالتآمر على سورية قديم جدا، بدأ بعد أيام قليلة من استقلالها، واستمر بأشكال مختلفة، وكانت الأداة المباشرة دائما جماعة “الإخوان”، صنيعة الإنكليز، وبخاصة في عقدي الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

والتدخل في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في سورية كان مشروعا أمريكيا عصيا على التنفيذ خلال العقود الماضية، وكانت أبرز المحاولات الفاشلة للتأثير في الانتخابات تلك التي تم التخطيط لتنفيذها، عام 2008، ليكتشف المتدخلون سريعا أن سورية عصية على أي اختراق في أي عملية اقتراع سواء برلمانية أو رئاسية.

وكان أكثر ما يُغضب الغرب الاستعماري الـ “لا” السورية التي تجسد السيادة والإرادة الحرة، فسورية كانت ولا تزال من الدول القليلة جدا التي تقول دائما “لا” للأمريكاني، ولأي قوة في العالم تستهدف سيادتها والهيمنة على شعبها وترابها، وكانت ولا تزال الخنجر الذي يمزق مشاريع ومخططات المتآمرين على المنطقة العربية.

ولأنها كذلك، شن الغرب على سورية حربا إرهابية بدأت في عام 2011، مدعومة بحرب إعلامية غير مسبوقة استهدفت شيطنة “النظام” وشخصنة الأزمة، وتضليل الرأي العام والتلاعب بعقول الناس بمعلومات وتقارير كاذبة لم تتوقف حتى الآن.

حاولوا فرض دستور جديد يكسبهم ما خسروه في الحرب ففشلوا، فانتقلوا إلى حملة إعلامية وسياسية أكثر تركيزا من حملة منع الانتخابات البرلمانية عنوانها: الانتخابات الرئاسية غير شرعية.

لكن ما جرى خلال الأيام الماضية إن غالبية السوريين هزموا المتآمرين وصوتوا لسورية حرة وسيدة ومستقلة، وأكدوا مجددا أن الـ “لا” السورية ستبقى المخرز في عيون المتآمرين.

وهكذا تبخرت المليارات التي أنفقها الغرب وأدواته الخليجية على الإرهاب والإعلام لإخضاع سورية في صناديق الاقتراع.

 

ليست مفاجأة

لم يكن الإقبال على صناديق الاقتراع مفاجئا لأي متابع، فالذي “صدم” بحشود السوريين أمام سفارتهم في بيروت في الانتخابات الرئاسية عام 2014، أي في عز الحرب الإرهابية على سورية، كان يتوقع مشهدا مماثلا، بل أكبر من السابق، لذا “استمات” لمنع الانتخابات مبررا بأنها غير شرعية.

وإذا كانت “أجهزة النظام” – برأي المعارضين والمتآمرين – قادرة على إرغام ملايين السوريين داخل بلدهم على الانتخاب، فماذا يقولون عن ملايين السوريين في الخارج؟

لقد تعرض السوريون في بلدان الاغتراب والنزوح إلى الابتزاز والتهديد، بل وصل الأمر إلى الاعتداءات الوحشية عليهم في بعض المناطق اللبنانية، ومع ذلك أقبلوا بحماسة لا نظير لها للمشاركة في الانتخابات الرئاسية.

وإذا كانت الحكومة الألمانية منعت السوريين من الاقتراع لأسباب واهية، فإن نظام أردوغان منع السوريين من الاقتراع كي لا يتجرع الكأس المرة التي شربتها أحزاب لبنانية استثمرت في النازحين السوريين منذ عام 2011.

لقد شجعت الأحزاب اللبنانية، المعادية لسورية والمنخرطة “حتى العظم” في مشروع إسقاط الدولة السورية، النازحين السوريين على البقاء في المخيمات لاستخدامهم ورقة ضغط بيد الغرب والأمريكان، وكان إعلامها يروج بأنهم معارضون لـ “النظام” إلى حد أنهم لكثرة تكرار هذه المعزوفة صدقوها 100%.

لكن السوريين في لبنان وجهوا صفعة لأعداء سورية في الانتخابات الرئاسية عام 2014، بعدها انقلبت الأحزاب المعادية لسورية على النازحين، وحرضت ضدهم عنصريا ووجهت أنصارها للاعتداء عليهم والتضييق على أعمالهم وحرق خيمهم وتشريدهم في العراء.

ولأنها توقعت تكرار مشهد زحف السوريين إلى سفارتهم في لبنان للمشاركة في انتخابات 2021، فقد استعد بعض الميليشيات، كالقوات اللبنانية، لمنعهم من الوصول للسفارة وقطع الطرقات واعتدى عليهم وعلى حافلاتهم بآلات حادة وبطرق وحشية استدعت استنكار الأحزاب والشخصيات الوطنية اللبنانية.

وبعدما كانت القواتية مي شدياق تجعر عاليا “عودة السوريين لن تتم ولو على دمائنا”، ها هي عصابات جعجع وتيار المستقبل تطالب بترحيل كل من اقترع للرئيس الأسد.

وتجنبا لأن يحصل في تركيا ما حصل في لبنان، عامي 2014 و2021، فإن نظام أردوغان تجنب تلقي صدمة أو مفاجأة من العيار الثقيل، ومنع السوريين من الاقتراع.

والمفارقة هنا غريبة، فإذا كان أردوغان صادقا بأن الغالبية العظمى من السوريين في تركيا تعارض وتعادي “النظام”، فلماذا لم يثبت للأتراك قبل غيرهم هذه الأكذوبة من خلال صناديق الاقتراع؟

الاستنتاج الوحيد: إن السوريين أينما كانوا، ومهما تعرضوا لحملات تضليل وتلاعب بالعقول لغسل أدمغتهم، يفاجئون الجميع بوطنيتهم، وبأن خيارهم الوحيد هو سورية.

 

أدهشوا العالم

وكما قال وزير الخارجية والمغتربين، الدكتور فيصل المقداد، فـ “العالم يراقب ويعرف أهمية الانتخابات الرئاسية في سورية، ويعرف أن السوريون مارسوا حقهم الدستوري بكل شرف وعزة، ما أدهش كل شعوب العالم وقادته”.

وإذا كان لبنان الدولة الوحيدة التي تسمح لأحزاب سياسية بممارسة العنصرية ضد السوريين، ومنعهم من ممارسة حقهم، فإن الدول الغربية التي منعت السوريين من ممارسة حقهم أكدت أن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان لديها ليست سوى دعاية وتضليل. ترى!! ماذا ستكون ردة الفعل لو منعت سورية، أو أي دولة لا تدور في الفلك الأمريكي، جالية مقيمة على أراضيها من أي عملية اقتراع تنص عليها القوانين الدولية؟

ولم يُدهش السوريون العالم في عام 2021 فقط، بل أدهشوهم منذ عام 2011، فسورية تكاد تكون الدولة الوحيدة التي لم تؤجل على مدى عشرة أعوام أي استحقاق دستوري، برلمانياَ (2012 ـ 2016 ـ 2020)، أم رئاسياً (2014 ـ 2021)، بالإضافة إلى استحقاق انتخابات الإدارة المحلية.

أما ذريعة أن وجود ملايين السوريين في الخارج يحول دون إجراء أي عملية انتخابية فهي أكذوبة فاضحة، فالعدد الأكبر من السوريين هم داخل بلدهم، في حين اقترع المقيمون والنازحون في سفاراتهم. ونشير هنا إلى أن المغتربين كانوا دوما بعشرات الملايين، بل عددهم يكاد يوازي المقيمين في وطنهم، ووزارة السياحة أكدت منذ مطلع هذا القرن أن عدد المغتربين السوريين في الخارج يتجاوز 17 مليون نسمة أغلبيتهم الساحقة تعتز بوطنها سورية.

ولا ينصتن أحد إلى بعض الأبواق العميلة والمأجورة التي تجاهر بعدائها لوطنها، سواء على شاشات تشن حربا إعلامية على سورية منذ عقود،، أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

ونشير هنا إلى ما قاله الكاتب والسياسي البريطاني جورج غالوي: من تابع صفحات الفيسبوك والتويتر وانستغرام صدّق بأن ملايين البرطانيين سيتوجهون إلى مراكز الانتخابات للتصويت لزعيم حزب العمال، لكن المفاجأة إن غالبية المراكز كانت شبه خاوية، وانهزم حزب العمال شر هزيمة استدعت استقالة زعيمه واعتزاله السياسة.

أليس ما حدث في بريطانيا شبيه بما حدث في لبنان عام 2014؟

من تابع تصريحات الكثير من الأحزاب والشخصيات اللبنانية المعادية لسورية، ولوسائل إعلامها ولصفحات التواصل الاجتماعي خلال سنوات 2011 ـ 2014، صّدق بأن قلة من السوريين ستتوجه إلى سفارتها للمشاركة بالانتخابات الرئاسية، فقد كانت هذه الأحزاب والشخصيات المعادية تتباهى بدعمها للنازحين، وتروج أنهم معارضون لنظام دولتهم، إلى أن وقعت الواقعة، بل المفاجأة التي أدهشت العالم، وكل من يعادي سورية، سواء في لبنان أوالخارج.

نعم.. الحشود التي زحفت إلى السفارة عام 2014 ازداد عددها عام 2021، رغم جائحة كورونا والترهيب، وكل من تابع المشهد على شاشات التلفزة خرج بنتيجة واحدة: السوريون في الخارج أذهلوا العالم مجددا.

 

استفتاء على شعبية للأسد

ولا يمكن فهم أسباب الحملة الغربية لمنع الانتخابات في سورية بمعزل عن الموقف المعادي للإدارات الأمريكية المتعاقبة لشخص الرئيس الأسد.

بدأ استهداف الرئيس الأسد بعد رفضه أملاءات إدارة جورج بوش الإبن، إثر الاحتلال الأمريكي للعراق عام2003.

كانت البداية القرار 1516 الذي يطالب بخروج القوات السورية من لبنان و”تفكيك الميليشيات”، والمقصود هنا حزب الله.

ولكي يُنفذ القرار، اغتالوا رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري، عام 2005، وشكلوا محكمة دولية لإدانة سورية وحليفها جزب الله.

وبعدها اندلعت حرب تموز 2006، والتي كان هدفها المعلن “خلق شرق أوسط جديد”، وترجمته الفعلية القضاء على حزب الله وحصار سورية من جميع الجهات: إسرائيل ولبنان والأردن والعراق.

وراهن محور أمريكا على هذا الخيار، إذ لم يتوقع أحد أن ينتصر محور المقاومة على أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وبوجود أقوى جيش في العالم على الحدود السورية.

وتصور الأمريكان أنهم باتوا قادرين على التدخل بالشأن السوري من خلال الانتخابات التشريعية، عام 2008، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن هذا التدخل مستحيل.

بعدها بدأ التخطيط للتدخل العسكري المباشر في سورية، وكانوا بحاجة إلى عنوان براق، فاخترعوا “الربيع العربي”، وكان الهدف الرئيس الوصول إلى سورية، وليس تونس وليبيا ومصر، حيث هم متواجدون أصلا.

وهكذا رفع أوباما مبكرا، عام 2011، شعار “إسقاط بشار الأسد”.

وتوقع محور أعداء سورية، الذي تشكل من أكثر من 80 دولة، أنهم سيسقطون الرئيس الأسد خلال شهرين على الأكثر، وتركيب نظام عميل يتيح للأمريكان الهيمنة على سورية.

ومرت الشهور والأعوام والولاية الثانية لأوباما والولاية الأولى لترامب دون أن ينتصر الإرهابيون، ويُسقطون “النظام”، وجرت خلالها انتخابات رئاسية، عام 2014 في ذروة الحرب الإرهابية على سورية، تأكد بعدها أن الرئيس الأسد لا يزال رئيسا شعبيا.

شددوا العقوبات الاقتصادية وسرقوا – ولا يزالون يسرقون – النفط والقمح، ويهددون ويبتزون ويعاقبون أي دولة تساعد أو تقيم علاقات تجارية مع سورية (قانون قيصر)، على وهم بأن النظام سيسقط من الداخل على أيدي السوريين.

وسقط هذا الوهم أيضا بمجرد إعلان الدولة السورية أنها ستنجز الانتخابات الرئاسية بموعدها الدستوري، وهو فعلا وهم لأن من يشك بمحبة السوريين له لن يجري أي انتخابات برلمانية أو رئاسية.

وكان الخوف الأكبر لدى الأمريكان ليس إجراء الانتخابات الرئاسية بحد ذاتها، وإنما أن تتحول هذه الانتخابات إلى استفتاء على شعبية الرئيس الأسد.. وهذا ما حصل فعلا.

قد يشكك الأمريكان بشعبية الرئيس داخل سورية، من خلال الزعم ان هناك قدرة على التلاعب بالنتائج والنسب المئوية، ولكن لا يمكن لأحد التشكيك بإقبال السوريين الكثيف على انتخاب الأسد في الخارج، فهو الدليل الساطع على شعبيته من جهة، وانتصار سورية بقيادته على محور أمريكا الداعم لإسرائيل من جهة أخرى.

ويُعد سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية مثالا على الغضب من الهزيمة التي لحقت بالمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي في المنطقة، فهو لم يقطع الطرقات على السوريين لمنعهم من الاقتراع لرئيسهم فقط، وإنما لرعبه من أن يتحول مشهد الناخبين إلى استفتاء على الشرعية الشعبية والدولية للرئيس الأسد أيضا، مع ما يعنيه ذلك من عودة سورية إلى الفعل الإقليمي والدولي.

وهذا ماحصل فعلأ.. فالسماح للسوريين في بعض دول الخليج والكثير من الدول الأجنبية بالمشاركة في الاقتراع هو اعتراف علني بشرعية وشعبية الرئيس الأسد، ولن ننتظر طويلا حتى نجد ترجمته بعودة سريعة لسورية إقليميا ودوليا، لتنطلق معها إعادة إعمار سورية.

نعم ليس سهلا على من انفق عشرات المليارات على الإرهاب في سورية، وعلى التضليل الإعلامي، وعلى شيطنة “النظام” و”شخصنة” الأزمة واستثمر في النازحين، أن يشهد بأم العين تبخر هذه المليارات في صناديق الاقتراع، وأن يخرج بعدها الأسد رئيسا شعبيا كما كان على مدى العقدين الأخيرين.

 

ماذا تريد واشنطن من دمشق؟

قد يستغرب الكثيرون اليوم أن يُقال بأن الإدارة الأمريكية تُمول المعارضة، لأن هذا الأمر يحصل علنا وبشكل رسمي، منذ عام 2011 على الأقل. لكن تمويل المعارضة بدأ فعليا منذ عام 2003، أي مباشرة بعد احتلال أمريكا للعراق، وزاد التمويل بعد اغتيال الحريري عام 2005، وازداد أكثر بعد فشل إسرائيل بهزيمة المقاومة في لبنان عام 2006.

وما أعلنه الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وعدد من المسؤولين الأمريكان السابقين، من أن المعارضة السورية ضعيفة، ولم تحقق شيئا في السنوات الأولى للحرب على سورية، سبق واكتشفه ادوارد جيرجيان، السفير الاميركي السابق لدى سورية، عام 2006.

لقد حذر جيرجيان، الذي عمل على تقرير “مجموعة دراسة العراق”، الإدارة الأمريكية من زعزعة الاستقرار في سورية من خلال العمل على تمويل المعارضة السورية، أو التدخل في الانتخابات التشريعية السورية التي ستجري ربيع العام 2008، لأن “المعارضة السورية ممزقة وضعيفة”، ووصف حينها الخطة الامريكية بالمغامرة.

وكشفت مجلة “تايم” الأمريكية، في العام 2006، إن إدارة جورج بوش كانت تعد في الخفاء لنسف “نظام بشار الأسد” من خلال دعم معارضين سياسيين، وهي ترعى بهدوء أفرادا وجماعات يعارضون الحكومة السورية. وتظهر أجزاء من وثيقة سرية من صفحتين أن الولايات المتحدة “تدعم” بالفعل “اجتماعات دورية لناشطين سوريين في الداخل والخارج”.

ورأى الخبير في الشؤون السورية ومساعد المدير في مركز دراسات السلام في جامعة اوكلاهوما، جوشوا لانديس، في عام 2006، أنه “منذ غزو العراق، الذي عارضته دمشق، تحاول إدارة بوش أن تجد طرقا للضغط على الحكومة السورية. ومن الواضح أن واشنطن تُدرج المعارضة السورية تحت عنوان الترويج للديموقراطية ومراقبة الانتخابات، ولكنها في الحقيقة مجرد محاولة للضغط على الحكومة السورية للقيام بما تريده الولايات المتحدة”.

ترى.. ماذا تريد الولايات المتحدة من سورية؟

أجاب على هذا السؤال البنتاغون في تصريح صحفي نادر، عام 2012: “الأحداث في سورية لن تتوقف إلا بعد فك التحالف مع إيران، ووقف دعم حزب الله والمقاومة الفلسطينية، وطرد قياداتها من دمشق، وإبرام إتفاق سلام مع إسرائيل”.