الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أين كان هذا الشعب؟!!

عبد الكريم النّاعم

قال وفي عينيه بريق من الفرح اللاّمع: “أين كان هذا الشعب في فلسطين، والذي أعاد في معاركه خلال أحد عشر يوماً القضيّة إلى موقعها الصحيح عربيّاً وإسلاميّاً وعالميّاً؟!!

قلت: لقد سألتَ سؤالاً واسع المساحة، فاسمح أن أفصّل فيه، مبتدئاً بالقول أنّ هذا هو شعبنا العربيّ في فلسطين حين يمتلك السلاح، والإرادة الصحيحة، والرؤية السليمة.

في عام 1948 وما قبلها لم تكن إرادته بيد قادته كما هي الآن، أستثني فترة الثورات التي كانت ضدّ بداية التهويد أيام الاحتلال الإنكليزي، والذي دعم المنظّمات الصهيونيّة بكل ما لديه من إمكانيات، ولاحق المجاهدين الفلسطينيّين بقسوة، وكان السلاح شحيحاً، والدعم شبه مفقود.

بعد 1948 عُهد بتحرير فلسطين إلى عدّة عواصم عربيّة كانت في معظمها، إن لم تكن كلّها، مرتبطة ارتباطاً مخزياً بمراكز القرار الغربي، فحدثت النّكبة، فكان المهزوم الحقيقيّ هو تلك القيادات التي أثبتت الوثائق التاريخيّة التي كُشف عنها أنّ معظمها كانت على صلة حميمة بقيادات الصهاينة، وهذا لم يعد خافياً على أحد.

بعد هزيمة 1967 والتي تحتاج لبحث خاص، وكانت المقاومة الفلسطينيّة قد تأسّست في عام 1965، وتمركزت في الأغوار، استطاعت هذه المقاومة أن تؤسّس لحضور فلسطيني خاص، وكان أوّل انتصار لها في معركة الكرامة، واستقطبت عواطف الجماهير العربيّة، وعواطف أحرار العالم، غير أنّ بعض أخطاء هذه القيادة، قد أعطت ذريعة للسلطة الأردنيّة أن تشنّ عليها حربا لا هوادة فيها، ممّا أدى إلى خروجها من الأغوار فخسرت حضورها القريب من الأرض المحتلّة، وقدرتها على التواصل المباشر مع الدّاخل، وانتقلت إلى سوريّة ولبنان، وفي الجنوب اللبناني انزلقت القيادة الفلسطينيّة إلى أن تكون طرفاً في الصراع الداخلي اللبناني، واشتعل الحريق في لبنان، ولا ننسى أن ثمّة قوى لبنانيّة كانت مرتبطة ارتباطاً كلّيّاً بعواصم الغرب الداعم للاحتلال الصهيوني، بل ومع تل أبيب، وهدّد الحريق كلّ لبنان، لاسيّما بعد مجازر صبرا وشاتيلا التي ارتكبتها قوى لبنانيّة عميلة، معروفة بعمالتها، وما زال بعضهم موجوداً حتى الآن، وعلى رأسهم سمير جعجع، فدخل الجيش السوري إلى لبنان عام 1975 بطلب رسميّ من لبنان، لمنع اشتعال صراع طائفي مذهبيّ في لبنان، وأصرّت القيادة الفلسطينيّة آنذاك على أن تكون طرفاً في الشأن اللبناني، ممّا أدّى إلى تصرّفات فلسطينيّة تمس بسيادة لبنان، غير مستفيدة من تجربتها في الأردن، ممّا أدّى إلى ترحيلها إلى تونس، بحيث يستحيل التواصل الفعّال مع الداخل الفلسطينيّ، وأدى هذا إلى انشقاقات داخل منظمّة التحرير الفلسطينية، انسحبت على أزمنة طويلة، بحيث صار توحيد هذه المنظّمة مطلباً وطنيّا فلسطينيّا ما زال قائما حتى الآن، تقف في وجه تحقيقه عقليّة أوسلو، هذا التدخّل في الشأن السيادي تكرّر من قبل مجموعات من تنظيم معروف، حين انحاز للذين أشعلوا الحريق في سوريّة عام 2011.

أدرك القائد الفلسطيني أبو جهاد، والذي اغتاله الصهاينة في بيته في تونس، أنْ لابدّ من نقل الفعاليّة الفلسطينية من حدود التصريحات، والإنشاء اللفظي، إلى داخل فلسطين، فكانت انتفاضة الحجارة الأولى التي أذهلت الصديق قبل العدو بجرأتها، وتضحياتها، بيد أنّ هذا كلّه ذهب هباء في المباحثات التي تمّت بين ياسر عرفات وإيهودا باراك رئيس وزراء العدو، والتي نتج عنها اتفاقات وبنود لم يُطبّق منها سوى عودة ياسر عرفات، ومعه عدد من القياديّين إلى الأرض المحتلّة، وفي ليلة ظالمة مُظلِمة أُعلن عن اتفاقيّة أوسلو التي لم تُنفَّذ كل بنودها قيادة الاحتلال الصهيوني، وكان فيما بعد أن تمّ اغتيال ياسر عرفات بطريقة خبيثة ما تزال مجهولة.

ووقعت الأمّة كلّها بمشاعر مُحبَطة مستغربة أن يتنكّر المحتلّ الصهيوني لكلّ ما جرى التوقيع عليه في أوسلو، وأن تظلّ قيادات فلسطينيّة متمسّكة بتلك الأيقونة الذّليلة!!

الحدث الأكبر والأعمق كان انتصار المقاومة في جنوب لبنان، لا سيّما انتصار 2006، ومن المؤكّد أن بعض فصائل المقاومة الفلسطينيّة في الداخل قد ترسّمت خطى حزب الله، في التنظيم، والتسليح، وفي التّواصل المباشر، وكان دخول إيران على الخطّ منذ بداية الثورة الاسلاميّة في إيران له أثره الكبير.

تلك صورة عامّة كما أراها، وعسى أن يكون انتصار المقاومة الأخير فرصة لمراجعة الكثير من الخطوات غير الموفّقة تمهيدا للتأسيس لجولة حاسمة.

aaalnaem@gmail.com