ثقافةصحيفة البعث

وهم الثقافة الافتراضي

عندما يتابع أي منا الفضاء الافتراضي الأزرق (فيس بوك)، ويرى هذا الكم الهائل من المجموعات التي تدعي الاهتمام بالأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص، والتي يديرها أشخاص يحملون أسماء تدل على أنهم من أبناء عالمنا العربي، سيصاب بالذهول بكل تأكيد، ويخطر بباله أن كل من يكتب باللغة العربية يقوم بإدارة مجموعة خاصة به أو أكثر، وحين تمر أمامه أسماء هذه المجموعات بكل فخامتها مثل: أكاديمية كذا، أو جامعة كذا، أو اتحاد كذا، ومعظمها يحمل صفات الكونية والعالمية والدولية وما شابه ذلك، ينتابه الشعور بأن هناك نهضة أدبية من نوع ما، وأن الأدب العربي في أحسن أحواله، وتدفعه رغبة عارمة للانضمام لهذه المجموعات والمشاركة بها.

بعد الموافقة على انضمامه لأية مجموعة منها مباشرة يبدأ التصفح على عجل، فيقابله بداية المنشور المثبت الخاص بها، وبه شروط النشر، ثم أسماء القائمين على الإدارة، وكل منها مسبوق بلقب “الدكتوراه وسفير السلام العالمي”، ثم يبدأ بعدها برؤية الكم الهائل من المنشورات ذات المحتوى الأدبي المتنوع التي تتخللها بشكل مكثف ومتكرر ملصقات مزخرفة بأشكال مثيرة للانتباه تشير إلى أن إدارة المجموعة قد قامت بمنح أغلب أعضائها، إن لم يكن كلهم، شهادات الدكتوراه الفخرية، وصفة سفراء السلام العالمي، والأوسمة ذات الدلالات المختلفة، وبعد أن يزول انبهاره بشكل تدريجي، ويبدأ بتصفح المنشورات للاطلاع على محتواها في محاولة لتقييمها من وجهة نظره، يلاحظ للتو مستواها المتدني من حيث ركاكة اللغة والقيمة الأدبية، ولن تفوته بالطبع ملاحظة المستوى المتدني أيضاً من حيث اللغة والفكر لمنشورات أعضاء إدارة هذه المجموعات، والذي يدل على أنهم ربما لا يحملون أكثر من شهادات محو الأمية في أحسن الأحوال، وسيقتنع أن مكانهم الطبيعي هو أماكن خاصة لعلاجهم، وتخليص الآخرين من أوهامهم التي يبثونها ثم يتداولها غيرهم على صفحاتهم الخاصة، لتبدأ بعدها منشورات التهليل والمباركات بشكل يثير الحزن والشفقة  على أصحابها، ويذهب البعض منهم لإضافة هذه الألقاب الوهمية قبل أسمائهم على صفحاتهم الخاصة، ولو كنت تعرف أحد هؤلاء بشكل شخصي وقابلته بمحض الصدفة في مكان ما ولم تخاطبه بلقب دكتور فلان أو سعادة السفير فلان، يبدو عليه الانزعاج، وقد يقوم بالتهجم عليك، وربما مقاطعتك اجتماعياً، وهو مقتنع تماماً أنه يحمل شهادة الدكتوراه، وأنه سفير سلام حقيقي، وأنك قد حرمته بتجاهلك هذا من حقه المشروع.

لا شك أن هناك جهات مستفيدة من وراء هذه الفوضى، وأن الأمر ليس عبثياً، ولا شك أننا لا نستطيع تحميل الحكومات في عالمنا العربي مسؤولية ما يحدث في الفضاء الافتراضي لأنها لا تملك سلطة عليه، ولكن ألا يجب أن تكون هناك قوانين رادعة لمحاسبة من يقومون بنقل أوهامهم من الفضاء الافتراضي لأرض الواقع، ووضع حد لهم؟.

أمين إسماعيل حربا