ثقافةصحيفة البعث

هل نحن بحاجة إلى فن الميلودراما؟

هل يمكن لفن الميلودراما أن يتبنى مشكلات شعبية؟ وهل لدى هذا الفن من الإمكانات والخبرة التي يمكن الاستفادة بها واستغلالها؟.                 إن الإجابة عن هذه التساؤلات لا تكون إلا من خلال تفهمنا للأسس التي بني عليها هذا الفن، وللظروف الاجتماعية التي نما وترعرع فيها، والمعروف أن فن الميلودراما ولد ولادة حقيقية في أوروبا على يد (كوتزيبيو) في ألمانيا 1761- 1819، وعلى يد (بيكسير) في فرنسا 1773- 1844، أي إن هذا الفن بدا في أوروبا في العقدين السادس والسابع من القرن الثامن عشر، حيث سيطر الإقطاع على أوروبا إلى أن اندلعت أول ثورة برجوازية في فرنسا عام 1789، فقد كان انتصار الفضيلة لا يتمّ إلا على يد نبلاء الإقطاع في فترة وعلى يد السادة البرجوازيين في فترة أخرى.

ولو تتبعنا فن الميلودراما في العالم لوجدنا أنه ازدهر كفن في فترات يغلب عليها طابع التدهور الاجتماعي، وأن هذا الفن على ما أعتقد يتناسب تناسباً عكسياً مع التطور، فكلما تطور الفكر الإنساني ازدهر فن الدراما، وكلما انحطّ الفكر الإنساني سارعت (الميلودراما) إلى الظهور، ولم تمكّن هذا الفن من أن يحمل في ثناياه قضية وطنية أو اجتماعية فإنها في الأغلب الأعم تثير في نفس المتفرج عكس ما تستهدفه تماماً، ولكنّ أصواتاً كثيرة في العالم العربي تطالبنا بأن نستولي على فن الميلودراما ونستخدمه لحساب الناس، لمصلحة الخير والتقدم بدلاً من أن تترك سلاحه يقتل بالجماهير ويضللها.

إن الميلودراما لا تحمل في طياتها أي قيمة أدبية ذات بال، بل تعتمد في الأساس على الإثارة، والإثارة المركبة في بعض الأحيان، وهي توغل في المبالغة والتهويل، وتعتمد المفاجآت المثيرة والتحولات الفجائية للشخصيات والمصادفة، وإننا في البلاد العربية إذا جاز لنا أن نلغي الأسس التي يقوم عليها فن الميلودراما، فإنها سوف تتحول بالضرورة إلى تراجيديا أو كوميديا، والشيء المعروف في تاريخ المسرح العربي أنه كان يعتمد في نشأته على الاقتباس من المسرح الفرنسي في مجال الميلودراما وأنه تمحور حول قضايا فرعية لم تكن في صلب القضايا الاجتماعية والسياسية التي تشغل بال الجماهير الواسعة، فما من مسرحية تخلو من الخيانات الزوجية والاعتداءات على الشرف وحالات السكر والعربدة، وإتلاف المال بغير حساب، ولو تتبعنا مسرح الفنان يوسف وهبي على سبيل المثال فإنه في مجمله لا يخرج عن هذه القاعدة ولا يشذّ عنها، ولعلّ مسرح يوسف وهبي، بالذات، يقف دليلاً على ما تمتلئ به الميلودراما العربية من مبالغات وتهويلات وفواجع تكفي لتكون أرضية لعشرات المسرحيات العربية، ولكن بتهذيب الألفاظ والكلمات ونوعية الإخراج في مسرح (الدم والدموع والفواجع).

د. رحيم هادي الشمخي