ثقافةصحيفة البعث

د. ثائر زين الدين أديباً وشاعراً ومترجماً

احتفت فعالية “نوافذ” التي يشرف عليها الكاتب والإعلامي إدريس مراد وتقام  شهرياً في مجمع دمر الثقافي بالدكتور ثائر زين الدين أديباً وناقداً ومترجماً من خلال ندوة شارك فيها  د. راتب سكر، د. فريد الشحف، د. أنس بديوي، والتي بدأها د. ثائر زين الدين بقراءة قصيدة له بعنوان “لماذا نلتقي خصمين”، وهي عن تجربة شخصية له.

المنهج الثقافي الحر

وأشار د. الشحف إلى أن ثائر زين الدين بدأ مشوار الترجمة بداية التسعينيات بعد إيفاده إلى الاتحاد السوفييتي السابق لدارسة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، وكانت المجموعة القصصية “الدرّاق وقصص أخرى” للكاتب الأمريكي المعروف أو. هنري، أولى الأعمال المترجمة التي صدرت له عام 1995، ثم “مذكرات طبيب شاب” لبولغاكوف عام 1996، والمجموعة الشعرية “بين هاويتين” للشاعرين الروسيين المعروفين فاليري بريوسوف ومارينا تسفيتايفا عام 2000، والمجموعة الشعرية “وحيداً وسط السهب العاري” للشاعر الروسي سيرغي يسينين عام 2005، و”أجراس بيضاء” مختارات شعرية للشاعرة الروسية آنا أخماتوفا عام 2007، و”تدخلينَ كالمستقبل” للشاعر باسترناك، مبيناً أنه وفي الوقت الذي كان يقف فيه الكثير من النقاد ضد ترجمة الشعر، وأنه كالقبلة من خلف الزجاج، لا لون لها ولا طعم أثبت د. ثائر العكس، بعد أن استطاع في ترجماته للشعر المحافظة على موسيقاه، وأن ينقل الشعر بشكل جمالي، وليس نقلاً حرفياً، عدا بعض النقاد، وزين الدين حسب الشيخ جعفر من العراق أفضل من ترجم الشعر عن اللغة الروسية، وبين الشحف أنه ورغم أهمية ما ترجمه زين الدين إلا أن الحدث الأبرز، والذي رسّخ اسمه مترجماً عن اللغة الروسية في الوسط الأدبي، كان صدور كتاب “عودة الإنسان” لدوستويفسكي عام 2005، والسبب برأيه هو أن هذا العمل كان قد طُبِع حديثاً في روسيا، وقد ترجمه زين الدين لأول مرة إلى اللغة العربية وبشكل مميز من حيث الأمانة في نقل النص وفي سلاسة وأسلوب وجمال اللغة العربية التي نُقل إليها، ونوه الشحف إلى مشروع الترجمة المشتركة بينهما حيث كانت البداية رواية “القصيدة الأخيرة” للشاعر الهندي ف ربندرات طاغور، وقد صدر لهما حتى الآن أكثر من عشرين عملاً مشتركاً، مؤكداً أن تجربة د.زين الدين مع الترجمة، غنية ومهمّة، وأغنت المكتبة العربية، وقد قارب عدد الكتب التي ترجمها نحو أربعين كتاباً نوعياً حتى الآن إلى جانب إطلاقه كمديراً عاماً للهيئة العامة السورية للكتاب، للمشروع الوطني للترجمة عام 2017، حيث صدر عن هذا المشروع الذي دخل عامه الخامس وتحت إشرافه المباشر، عشرات من الكتب النوعية المهمة في المجالات كافة، ومن مختلف اللغات العالمية، كما أعاد إطلاق مجلة “جسور” تحت اسم “جسور ثقافية” التي تُعنى بالترجمة، وهي اليوم المجلة الأهم في الوطن العربي.

المنهج الثقافي الحر

ورأى د. بديوي أن ثائر زين الدين شخصية مهمة في مجال الأدب والثقافة وتكمن هذه الأهمية في التنوع الذي تمتع به كمترجم وشاعر وناقد تجاوز في نقده التوصيف الى الحكم النقدي وعدم الانجرار وراء الاتجاهات النقدية البنيوية وما بعدها كالتفكيكية فلم نجد عنده انصياعاً لمقولات هذه الاتجاهات بفضل المرجعية العلمية له وقناعته بعدم جدوى الأعمال التي تقوم على التوصيف لذلك سار في اتجاه ما يمكن أن يسمى المنهج الثقافي الحر الذي يقوم على عدم التقيد بوسائل إجرائية واحدة ايماناً منه أن الحالة الخاصة للنص هي التي تحدد طريقة تناوله، لذلك كان زين الدين ينطلق في تعامله مع النصوص تطبيقياً من التوصيف ولكن بعد تأصيل الظاهرة وعرضها كما جاءت في منظورات بعض الدارسين في تقويم النصوص كما فعل عند دراسة تجليات ديك الجن الحمصي في نماذج من الشعر العربي المعاصر، فبعد أن بحث في آليات التجلي خلص إلى استنتاجات مهمة، وأكد بديوي أن بروز شخصية الشاعر الناقد في أعمال زين الدين نابع من شدة الانفعال العاطفي للمقروء حيث لا يتدخل الشاعر الناقد بفكره فقط في عملية التلقي بل بوجدانه وانفعالاته وعواطفه وهذا يجعله يدخل حالة انفعالية أخرى تأسست على الحالة الانفعالية الأولى، موضحاً أن الناقد إذا كان شاعراً ينطلق من المتخيل الانفعالي العاطفي إلى الذهن الذي يغلب عليه الفكر ولعل شاعرية الناقد تجعله في بعض الأحيان يرى ما لا يراه غيره فيحكم بأحقيته للصواب دون غيره، مبيناً د.بديوي أن من أهم مكونات التجربة النقدية لـ زين الدين هو البحث والحفر والحراثة في أرض بكر وقد كان مبدعاً في هذا الجانب ولا سيما في وقوفه على علاقة الشعر والفن التشكيلي وهذا الجانب كان قد قدمه في بحثه في جماليات البنية الإيقاعية لقصيدة التفعيلة وأن ما يلفت الانتباه هو أن الدرس النقدي الذي قدمه في “ضوء المصباح الوحشي” لم يكن تكراراً لمقولات المنهج السيميائي بل كان رؤية الناقد المؤسس على استيعاب المقولات النقدية.

شاعرٌ عقلانيٌ حكيم

وأكد د. سكر في مشاركته أنه ومنذ مطالع عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، حصلت هزات فكرية ونقدية وثقافية مهمة أدّت إلى تغيير نوعي في فهم الأدب والنقد والفنون المختلفة، وقد غابت هذه الهزات أمام تراكمات سطحية من الصراعات الأدبية من حيث البقاء على شاطئ البحر بعيداً عن سفن الفن الموغلة في العمق، زاعماً سكر أن د.ثائر كان أحد الذين تركوا الشاطئ متجهاً نحو اليم في أعماله، وقد وقف سكر عند نقطتين في نقده الأدبي لأعمال زين الدين، الأولى تلاقيه مع الناقد محمد مندور صاحب المشروع المختلف والذي هز الحياة النقدية فقبله كان النقد يتحدث عن أهمية التجربة الشخصية والتعبير الأدبي للأديب، إلى أن جاء مندور بفكرة أن المقصود في التجربة ليست التجربة الشخصية بل التجربة البشرية المتصلة بالثقافات العالمية، مشيراً سكر إلى أهمية تداخل الثقافات وحوارها في أي مشروع نقدي للإبحار عميقاً وإنجاز الفن العظيم، ولم يخف سكر أن صيحة مندور عربياً كانت في واد غير ذي زرع، حتى جاء ابنٌ وفي لمندور وهو د.زين الدين، منوهاً سكر كذلك إلى فؤاد الشايب والذي كان من أوائل النقاد العرب والسوريين الذين نبهوا إلى أهمية رباعية الفكر والوجدان والخيال والمغامرة اللغوية في أي نص أدبي عظيم، وقد أحياها د.زين الدين الذي تميز بقدرته على الاختيار وهي قدرة رهيبة برأيه لأن النجاح في الاختيار هو موقف ورؤية نقدية، منوهاً د.سكر في كلامه أيضاً إلى الكتاب الذي اشتغل عليه د.زين الدين “تحولات شجرة الزيزفون” في شغله على أدب الفن التشكيلي وهو اكتشاف هز الضمير الثقافي والنقدي، إلى جانب اكتشافه لأهمية الملحمة في الشعر والسرد والمزج بين الغنائية والسردية ليخرج بضرورة أن تبني قصائده على أساس نقده الذي بناه ككائن معرفي كتابي وتخيلي ولغوي وتجلى ذلك في أعماله حيث جمع هذه الطوابع السردية بين جناحَي الشعر، مؤكداً د.سكر أن الشاعر ثائر يبحر عميقاً في البحر لأنه واثق من ذكاء القارئ ورغبته في أن يجتهد ليفهم ما يقرأ كما أنه في قصائده يلوبُ دائماً على الرموز الثقافية العربية والأجنبية متوقفاً عند قصيدة “العوديسا” لخالد أبو خالد وقصيدة  “التينة” وبعض القصائد التي كتبها د.زين الدين عن بعض اللوحات في الفن التشكيلي ليختتم كلامه بالتأكيد على أن قصيدة ثائر ليست نواحاً وليست وقفة كربلائية، لأنه شاعرٌ عقلانيٌ حكيم يقف في ذروة المأساة وفي دواوينه نكتشف أنه صاحب رؤية كونية.

 أمينة عباس