ثقافةصحيفة البعث

الذيب والحفري يوقعان روايتيهما “امرأة متمردة” و”كواكب الجنة المفقودة”

هل ثمّة تقاطع ما بين الروايتين: “امرأة متمردة” للأديب سهيل الذيب الصادرة عن دار توتول، ورواية “كواكب الجنة المفقودة” للأديب محمد الحفري الصادرة عن وزارة الثقافة -الهيئة العامة السورية للكتاب- ولاسيما أنهما ارتبطا بصداقة قوية وقربتهما خطوط الرواية وأعماقها الخفية إضافة إلى الدراما بعدما اشتركا بكتابة بعض الأعمال؟.

نعم يوجد تقاطع بينهما، هذا ما أجاب عنه الكاتب عماد نداف في الإضاءة التي قدّمها بمشاركة الروائي محمد الطاهر في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة).

صوت الراوي

بدأ نداف من الراوي، ففي رواية “كواكب الجنة المفقودة” الراوي هو محمود نايف العبود، بينما في “امرأة متمردة” الراوي البطلة معيبة التي سمّتها صديقتها لاحقاً “ماكي”، فالراوي ذكر لدى محمد الحفري وأنثى لدى سهيل الذيب، وفي الرواية الأولى قصة حب يعيشها البطل محمود ويدفع ثمناً كبيراً من أجلها ويعاني على مدى سنوات طويلة من الحب الذي بدأ بالطفولة وامتد حتى الرجولة، وخلالها يبرز رمز الفساد والظلم بشخصية مرعي الجواد الغول، ثم الحرب. بينما في الرواية الثانية قصة حب تقودها الفتاة، فتدفع ثمناً كبيراً من أجل حبها، وخصمها هو المجتمع والدين، ثم الحرب، فما يجمعهما هو الحرب والظلم والقهر.

قهر وتمرد

أما الروائي محمد الطاهر فتوقف عند الأنثى التي كانت فاعلة ومنفعلة مع الواقع في رواية “امرأة متمردة”، إذ اختار الذيب المكان رحم الأم ثم أصبح الواقع ومن ثم ارتباطها العاطفي مع رجل أحبته حتى الجنون بعيداً عن اختلافها الديني معه، وفي الجانب الآخر في “كواكب الجنة المفقودة” لم نجد كواكب تتحدث وإنما حبيبها محمود نايف العبود، ومرعي الجواد الذي مثّل رمز الفساد في كل زمان ومكان، فهنا حالة قهرية لدى كواكب وحالة تمرد لدى ماكي بتأثير من حياة الكاتب داخل كل رواية.

تقنية الغياب

اتخذ الحفل طابع الندوة بقراءة من قبل الأديبين، إذ بدأ سهيل الذيب بقراءة من بداية رواية “امرأة متمردة” التي تدور في فلك ظلم المجتمع الأنثى ومواجهتها له، فيضعنا إزاء الحدث مباشرة بصوت الأنثى البطلة التي اتخذت دور السارد: “أتممت التسعة أشهر في مكان شديد الظلمة، شديد الحنو، وشديد الألفة والمحبة.. وإلى جانبي يلتصق التصاقاً كلياً أخي”.

وأوضح سهيل الذيب أنه في البداية أراد أن يسمّي الرواية “التوءَم”، لكن الأنثى تغلبت فسمّاها “امرأة متمردة”، وتُبنى على فكرة حقيقة الأنثى والذكر اللذين يولدان من رحم واحد لكن المجتمع الظالم يفرّق بينهما، فيرى العظمة بالذكر بينما الأنثى معيبة كما سمّاها بالرواية التي تطرقت إلى سنوات الحرب العشر  بالتفصيل، لكن تناولت انعكاسات هذه الحرب مع توثيق بعض الأحداث والجرائم لتبقى ذاكرة للأجيال القادمة ويعرفوا ماذا حدث في سورية، ولاسيما في المناطق الأكثر اشتباكاً في قرى اللاذقية وحلب ومناطق أخرى ارتبطت بالإبادات الجماعية التي أقدم عليها الإرهابيون.

ويعود الذيب إلى البطلة، فهي صحفية قوية تواجه رئيس التحرير الذي تبيّن فيما بعد أنه من الجماعات الإرهابية، فالأنثى في كل رواياته وكتاباته قوية وتناضل من أجل حقها وتواجه المجتمع الظالم.

الجديد في التقنيات السردية التي أضافها الذيب إلى مساره الروائي هي الأرقام، إذ رقّم الفصول بالعدد من واحد إلى عشرين عوضاً عن العناوين، واستخدم الغياب في مواضع ليبقى صوت السارد –البطلة-، وفي نهاية الرواية يفصح الذيب على لسان البطلة بأن الحب من دينين مختلفين غير متجانس في مجتمعنا، لذلك قالت له: “هذه البلاد لن تسعنا، ولن تسع أيّ محب فلنرحل”، وترك النهاية مفتوحة يشرك بها هواجس القراء.

الشكل والفكرة

كما قرأ محمد الحفري من نهاية رواية “كواكب الجنة المفقودة” التي اختزلت وجع الحرب ومعاناة إنسانية بدأت منذ الطفولة وامتدت إلى مشاعر الفراق وأنين الحنين والقرية المفقودة: “ما الذي يدفعني للعودة إلى ذرعان في هذا الوقت بالذات، لا أدري، ماذا أريد منها، ولم يبق لي فيها سوى قبر لرجل غادرنا يوم مولدي، وقبر آخر لامرأة توسلّت كثيراً كي نكون عوناً لها في سنواتها الأخيرة”، ليفصح الحفري عن سبب زيارته ذرعان: “بعد أن أخبرتني أختي تهاني بأن التوسّع الجديد في الطريق المؤدي إلى المقبرة قد هدم بأتربته وحجارته الكثير من القبور، ومنها قبر والدي الشهيد”، والأمر المحزن أن النهاية تحمل فاجعة لبطل الرواية نايف: “رأيت الكثيرين من أهل المقبرة يهلّلون لاستقبال زائر جديد”.

وأوضح الحفري أن لكل رواية خصوصيتها لأن الشكل يتبع الفكرة، ففي رواية “كواكب” تقنية حديثة جداً، فالبطل يروي وهو في اللحظات الحرجة الأخيرة من حياته، وصوت السارد هو البطل الذي هيمن على الرواية محمود نايف العبود وتوالت الأحداث على لسانه، واعتمد في مواضع كثيرة على حالة الخطف خلفاً، ويبقى أثر الكاتب في شخصية البطل الذي أخذ منه الحزن والتعب وحالة الاضطهاد، بينما الآخر مرعي الجواد كان المتحكّم بكل شيء.

ملده شويكاني