الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

التّحوّل الكبير

عبد الكريم النّاعم

قال وفي عينيه بريق واضح، وفي وجهه بِشْر المستبشرين: “هل رأيتَ ذلك التحوّل الكبير الذي أصاب العالَم، بعد حرب الأحد عشر يوماً الأخيرة في غزّة”؟!.

قلت: “وكيف لا ألمحه وأنا كنتُ أتابعه بكلّ حاسّة من حواسّي الظاهرة والباطنة، وبكلّ ما لديّ من أحلام وعواطف، نعم لقد أحسنتَ في التعبير، ورفعتَه إلى مكانه الذي يستحقّ بقولك “التحوّل الكبير”، فهل تفصّل لي فيه قليلاً لأستمتع أكثر، وليكون اطمئناني أرسخ”؟.

قال: “أتريد أن تستجرّني إلى مياه عميقة قد لا أجيد السباحة فيها، أنا الذي من حقّي عليك أن أطلب منك مثل هذا الطلب”.

قلت: “لا بأس، ثمّة تحوّل في شوارع العالم الغربيّ يمكن القول فيه إنّه لم يعرفه من قبْل، وذلك ناتج عن صمود المقاومة وأثر ضرباتها أوّلاً، وعن وسائل الإعلام المصوَّرة التي كانت تنقل الصّوَر أوّلاً بأوّل. ثانياً، فوضعت حقيقة الهمجيّة الإسرائيلية في قصف البيوت السكنيّة، وتدمير الحجر والشجر والبشر، وهذا الجيل يبدو أنّه مُختلف عن الأجيال القديمة التي واكبت الحماس لإقامة دولة لليهود في فلسطين، انطلاقاً من أساطير روّج لها الصهاينة وأنصارهم.

ثمّة تحوّل في بعض منظمات حقوق الإنسان، والتي تصادر حركتها واشنطن ومَن يساندها من عواصم الغرب، وقد لا يكون في هذا إلاّ المكسب الدّعائي الإعلامي، وهو شيء مهمّ.

ثمّة عودة للوعي العربيّ عبّر عن نفسه بالمظاهرات المؤيّدِة لأهلنا في فلسطين، ثمّة تحوّل داخل المجتمع الإسرائيلي ستظهر مفاعيله شيئاً فشيئاً شاهدناه في حالة الذّعر، والإحساس لأوّل مرّة أنّهم غير آمنين من صواريخ المقاومة”.

قال: “اسمح لي بالمقاطعة، هل ترى في دعوة أمريكا لحلّ الدولتين ما يشي بما ذكرتَه”؟.

قلت: “هنا الإشكال واسع، لو كانت واشنطن تعترف بشيء من القرارات الدوليّة التي صدرت من الأمم المتّحدة، وما أكثرها لبادرت، وهي لا تُخفي أنّها معنيّة بأمن إسرائيل، وبالمحافظة على تفوّقها العسكري على كلّ دول المنطقة، وليس بسبب ضغط اللّوبي الصهيوني النّافذ في الدوائر الأمريكيّة فقط، بل لأنّ مصلحة أمريكا، والدول الدّائرة في فلكها أن تبقى هذه الغدّة السرطانيّة، وهذا مشروع احتلاليّ بامتياز منذ أن غزا نابليون مصر وفلسطين وحتى الآن، وهذا ليس كلاماً خشبيّاً كما يزعم البعض، بل الكلام الخشبيّ هو أيّ كلام لا يُقرّ بذلك، لأنّ صاحبه إمّا جاهل غافل، أو يُضمر إيماناً آخر يصبّ في تلك الطاحونة الصهيونيّة، إنّها الغدّة المصنوعة لتبقى حاجزاً بين عرب المشرق وعرب المغرب، وهذا كلام ليس جديداً، وقد قيل فيه الكثير، غير أنّ دخان الحرائق التي أشعلوها في المنطقة غطّت على ما عداها، وهذا بعض مهامها..”.

قاطعني قائلاً: “أليس مقبولاً طرح بايدن موضوع الدولتين”؟!.

قلت: “لقد ناقشت هذا الموضوع في مقالة نُشرت، ولن أعود إليه، ولكنّني أريد أن أستدرك بعض ما فاتني، وهو أن الرئيس الأمريكي سيتّصل بالسلطة الفلسطينيّة الرسميّة، لأنّهم لا يعترفون بوجود الفصائل المقاومة، بعد كلّ ما أثبتته من حضور عسكريّ وسياسي، وإذا قبلت السلطة الفلسطينيّة هذا الطرح، وأُبعدت الفصائل المقاومة، فسيكون شرخاً خطيراً، وهو ما يتخوّف منه العديد من المحلّلين السياسييّن العرب، لأنّ ذلك إذا حدث فسيعيد السلطة الفلسطينيّة إلى بداية مربّع أوسلو، أوسلو التي لم يبقَ منها شيء إلاّ ما كُتب عنها في الورق، والذي يُعمّق هذا التخوّف أن الفرصة كانت سانحة ومواتية للتّخلّص من ربقة تلك القيود…”.

قاطعني قائلاً: “يا أخي لماذا لا يجرّبون، فعسى ولعلّ”؟!!

قلت: “مَن جرَّب المجرَّب عقله مُخرَّب”، على أرض الواقع المستعمرات التي أنشأها الصهاينة تجاوزت حدّ التصوّر، وما زالوا على ذلك النّهج، والدخول في مفاوضات يعني اللعب بورقة الزمن، وقد أثبتت كلّ المفاوضات التي تمّت مع هذا العدو منذ مدريد حتى الآن أنّها فاشلة، وأنّها أُلهيَة سياسيّة، يلعبون ورقتها.

قاطعني: “إذن ما الحلّ”؟!!

قلت: “الحلّ استمرار المقاومة، وتعميق هذا الخيار في النفوس، وفوق الأرض ممثَّلاً بامتلاك القوّة الرّادعة، وهذا ما تحقّق في المعارك الأخيرة في غزّة، ولا تنسَ أنّ الشعار الأنصع من شروق الشمس هو الوعي أنّ الصراع مع هذا العدو هو صراع وجود لا صراع حدود..”.

aaalnaem@gmail.com